السعودية والخليج... تاريخ من الخلافات مع "الأشقاء"

السعودية والخليج... تاريخ من الخلافات مع "الأشقاء"

10 يوليو 2017
عانت الكويت، كما قطر، من تجارب الحصار الاقتصادي(فرانس برس)
+ الخط -
لم تكن الحملة السعودية-الإماراتية الأخيرة ضد قطر أول أزمة تمر بها منطقة الخليج بسبب محاولة بعض الدول الكبيرة جغرافياً فرض هيمنتها واستغلال إطلالتها الحدودية المباشرة في فرض حصار اقتصادي كما حصل لقطر والكويت في فترة سابقة، أو التلويح به، وهو ما حدث لبقية الدول الخليجية في مناسبات عدة من قبل السعودية. وتعرضت الكويت عام 1918 لحصار اقتصادي بسبب اعتقاد بريطانيا بأن البضائع الكويتية التي كانت تصل للأتراك من دمشق محملة بالأسلحة التي يرسلها الكويتيون لدعم دولة الخلافة العثمانية، ما حدا ببريطانيا لفرض حصار قاسٍ على الكويت وأميرها آنذاك، الشيخ سالم المبارك الصباح. لكن الباحثة في التاريخ الكويتي، ابنة الوكيل السياسي البريطاني في الكويت (ممثل الكويت للشؤون الخارجية بحسب اتفاقية الحماية)، زهرة ديكسون، قالت إن أمير الكويت كان يعتقد بأن الحصار تم بإيعاز من مؤسس المملكة السعودية، الملك عبدالعزيز آل سعود، وذلك لخنق الكويت تمهيداً لضمها لدولته الناشئة، مما تسبب بفجوة بين الزعيمين أدت في نهاية الأمر إلى حرب الجهراء التي قادها جنود غير نظاميين لابن سعود، عام 1920، انتهت بانتصار الكويتيين.

لكن عبدالعزيز بن سعود أعاد الحصار مرة أخرى وبشكل رسمي هذه المرة عام 1920، في محاولة منه لضرب اقتصاد دولة الكويت. وطلب بشكل رسمي من الأخيرة إقامة مركز جمركي على الحدود الكويتية أو قيام الحكومة الكويتية بدفع إتاوة له، وهو ما رفضه أمير البلاد الشيخ سالم المبارك الصباح، ليستمر هذا الحصار مدة 20 عاماً حتى سنة 1940 تقريباً. آنذاك، اضطرت الكويت لتوقيع الاتفاقية التجارية التي تمت برعاية بريطانية بعدما انتزعت المملكة المتحدة ثلثي أراضي الكويت لصالح السعودية في إطار ما يعرف باتفاقية العقير عام 1922، والتي وقّعت من دون الحصول على إذن الكويت.

واستفادت الكويت من وجود حدود برية واسعة لها مع العراق لتعويض احتياجاتها من التجارة آنذاك، لكن السعودية اتجهت إلى نفس الطريقة مع قطر، إذ قامت باقتطاع "خور العديد" وهو ساحل مائي يمتد طوله إلى أكثر من 50 كيلومتراً بين الإمارات وقطر، وذلك بهدف جعل كامل الحدود البرية القطرية مطلة على السعودية مما يسهل التحكم فيها.


واضطرت الإمارات عام 1974، إلى توقيع "اتفاقية جدة". وتنازلت بموجبها عن الخور لصالح السعودية مقابل حصولها على جزء من "واحة البريمي". لكن الإمارات عادت بعد وفاة الشيخ زايد وتولي الشيخ خليفة بن زايد مقاليد الحكم، لتؤكد أنها وقعت هذه الاتفاقية في أضعف حالاتها، أي بعد استقلالها بثلاث سنوات فقط. وأدى تصاعد حدة الجدال بين البلدين حول المسائل الحدودية والحقول النفطية المشتركة إلى قيام الحكومة السعودية عام 2009 بإيقاف مرور الشاحنات التجارية بين البلدين ومنع المواطنين الإماراتيين من دخول السعودية عن طريق الهوية الوطنية كما هو معمول لباقي مواطني دول مجلس التعاون الخليجي. وحاولت كل من الإمارات وقطر الالتفاف على قيام السعودية بتقطيع الحدود القطرية-الإماراتية عبر مشروع بناء جسر بين أبو ظبي والدوحة عام 2005، على غرار جسر الملك فهد الذي يربط بين البحرين والسعودية. لكن السلطات السعودية رفضت وهددت بتصعيد الأمور في حال تم بناء هذا الجسر على لسان وزير الداخلية آنذاك، الأمير نايف بن عبدالعزيز، الذي قال إن "بناء الجسر غير مقبول ولا يمكن أن يتم لأنه يمر عبر السعودية".

وتسعى السعودية عبر تمددها الجغرافي ومساحتها الهائلة وإطلالتها المباشرة على جميع الدول الخليجية إلى فرض هيمنتها السياسية الموحدة وهو ما نجحت فيه حالياً مع البحرين فقط، خصوصاً بعد بناء جسر الملك فهد الواصل بين البلدين عام 1986. وأضحت البحرين معتمدة بشكل كلي على السياح السعوديين اقتصادياً وعلى القوات السعودية سياسياً وأمنياً بعد موجة احتجاجات كبيرة قادتها المعارضة عام 2011.

وبعد فرض الهيمنة الكاملة على القرار البحريني واتساق رؤية الإمارات التوسعية والمناوئة لـ"الربيع العربي" مع الرؤية السعودية بقيادة ولي العهد، محمد بن سلمان، الذي أضحى الحليف الأقوى لولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، فإن موجة فرض الهيمنة اتجهت إلى قطر هذه المرة، خصوصاً كونها دولة غنية ومكتفية اقتصادياً، على عكس البحرين، ناهيك عن تبنيها سياسات خارجية مستقلة عن السعودية في كثير من الأحيان، كما هو الحال مع الكويت وعمان.

ولدى السعودية خلافات حدودية مع جميع الدول الخليجية. فهناك خلافات حول الحقول النفطية مع حليفتيها الإمارات والبحرين، وخلاف واسع وكبير مع الكويت في حقل الدرة البحري وحقل الخفجي البري، والذي قامت السلطات السعودية بإغلاقه بشكل مفاجئ عام 2014. ولا يزال هذا الحقل مغلقاً حتى الآن، مما تسبب بخسائر فادحة للكويت قدرت بـ250 ألف برميل نفط يوميا. لكن الكويت فضلت الصمت وانتهاج سياسة المفاوضات خلف الكواليس مطالبةً بالتحكيم الدولي لإنهاء هذه الأزمة.

وبالنظر إلى التاريخ السعودي في فرض الحصار البري الاقتصادي على الدول الخليجية أو التلويح به، ربما تطول فترة الحصار السعودي على قطر، حتى مع عدم وجود جدوى منه خصوصاً في ظل توفر بدائل تركية وإيرانية وعمانية وكويتية، بالنسبة لقطر. وهذا ما سيجعل الكويت وعمان، اللتان تمتلكان علاقات تجارية متعددة مع السعودية أيضاً، على حذر تام من "سلاح" الحصار الذي أثبت فاعليته عدة مرات وفشل فشلاً ذريعاً هذه المرة ضد قطر، بسبب تطور وسائل النقل وزيادة حجمها وتكلفتها القليلة.

المساهمون