اتفاق جنوب سورية: إملاءات نقل البندقية وتعويم النظام

اتفاق جنوب سورية: إملاءات نقل البندقية وتعويم النظام

01 اغسطس 2017
توقعات بتولي الفصائل مهمة حفظ الأمن الداخلي(محمد أبازيد/فرانس برس)
+ الخط -

تعتمد روسيا والولايات المتحدة، عرّابتا اتفاق "تخفيف التصعيد" في المنطقة الجنوبية لسورية التي تضم القنيطرة ودرعا والسويداء، سياسة خاصة في تنفيذ الاتفاق الذي لم تُعلَن تفاصيله بشكل رسمي ولم يشارك سوريون بالتوصل إليه. السرية شبه التامة هي القاعدة في تعاطي البلدين مع هذا الملف، والتنفيذ التكتيكي عبر خطوة وراء أخرى، لا يعلم النظام السوري والمعارضة ما هي الخطوة التي ستليها. ويعيد متابعون الأمر إلى رغبة الطرفين في تنفيذ اتفاقهما وقطع الطريق على أي جهة قد تعمل على تعطيله، على الرغم من أن هناك مؤشرات تشير لما يحمله المستقبل للمنطقة.

بدأت التسريبات عن الاتفاق قبل نحو شهر، وسرعان ما تم تأكيده من قبل الرعاة بعد وقت قصير، وعقب إعلان الاتفاق جرى تسريب خرائط قيل إنها لخطوط الفصل بين قوات النظام والفصائل المعارضة وتنظيم "داعش" و"هيئة تحرير الشام". ثم نفذت روسيا الخطوة الأولى من الاتفاق عبر نشر الشرطة العسكرية في نقاط عدة في درعا والقنيطرة والسويداء، وأفاد ناشطون أنها قوة رمزية تتمركز في نقاط محددة ومن الصعب عليها مراقبة الخروقات. لتقوم الولايات المتحدة بعدها بخطوة من جهتها تمثّلت بوقف برنامج وكالة الاستخبارات الأميركية لدعم المعارضة السورية وتدريبها، والتي كانت تدير العملية عبر "غرفة الموك" التي تتشارك فيها العديد من دول "أصدقاء الشعب السوري"، وأكثر من 50 فصيلاً مسلحاً معارضاً تعمل في المنطقة الجنوبية، وألحقتها بالطلب من الفصائل الدخول بعملية دمج، كي لا يتعدى عددها الخمسة فصائل تتوزع بين درعا والقنيطرة، مقابل استئناف تقديم الدعم.

وتتضارب المعلومات حول الشروط التي وضعها الأميركيون لاستمرار الدعم، إلا أن مصادر متابعة قالت لـ"العربي الجديد"، إن ما يتم تناقله عن مسألة نقل البندقية من مواجهة النظام لمواجهة تنظيم "داعش" و"هيئة تحرير الشام" (التحالف الذي تقوده جبهة النصرة)، تتوافق مع توجّهات واشنطن التي كانت واضحة في تصريحات مسؤوليها طوال العامين الأخيرين، الذين جاهروا بأن أولويتهم قتال التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها "داعش".

وفي السياق، أفادت مصادر في الجيش السوري الحر لوكالة "الأناضول"، بأن "الولايات المتحدة طلبت من فصائل المعارضة جنوبي البلاد، المشاركة في القتال إلى جانب قوات سورية الديمقراطية ضد داعش". وذكرت مصادر في المعارضة المسلحة، أن "مسؤولي البلدان الثلاثة اجتمعوا مع ممثلي الفصائل الناشطة جنوبي سورية، على مدار ثلاثة أيام في العاصمة الأردنية عمان الأسبوع الماضي". وقال حسن أبو شيماء أحد قياديي الجيش السوري الحر، لـ"الأناضول"، إن "الموفد الأميركي، أبلغ قادة الجبهة الجنوبية بأن الولايات المتحدة ستوقف دعمها العسكري لهم، من أجل ترسيخ وقف إطلاق النار وإيقاف العمليات ضد النظام بأسرع وقت"، مشيراً إلى أن "الدعم الأميركي سيقتصر على المساعدة اللوجستية والمالية".

وقالت مصادر معارضة من دمشق، لـ"العربي الجديد"، إنه "يُتوقَع بحسب ما يرشح من معلومات أن تكون الأشهر القليلة المقبلة لإعادة ترتيب المنطقة الجنوبية، عبر دمج الفصائل وتوليها مهمة حفظ الأمن الداخلي وحراسة الحدود، بالتزامن مع التضييق على الفصائل غير المنصاعة للتوجّهات الجديدة، فيكون أمامها خيارات، إما أن تغرد خارج السرب، وبالتالي الدخول في صدام مع الفصائل المندمجة والنظام، وإما أن تغادر جنوب البلاد باتجاه إدلب، وإما أن تندمج ضمن التشكيلات الجديدة".
وعن "هيئة تحرير الشام" و"داعش"، اعتبرت المصادر أنه "ليس أمامهما سوى الخروج من المنطقة، باتجاه مناطق التنظيم في دير الزور، أو مناطق سيطرة الهيئة في إدلب، وهذا قد يكون دون قتال، وهو أمر طُرح سابقاً، وحصل على قبول مبدئي من مبايعي داعش في حوض اليرموك". وأضافت: "كما يُتوقع أن يقوم الأميركيون بالتعاون مع الروس، بإجراء انتخابات لمجالس محلية لتحقيق تمثيل سياسي والاهتمام بالمسائل الخدمية في مناطق المعارضة، ما يخلق مجموعة سياسية قد تدخل في العملية الانتقالية المقبلة، إضافة إلى إيجاد آلية ما للتنسيق بين التشكيلات العسكرية، لإدارة المسائل الأمنية وحركة تنقل البضائع والمدنيين بين مناطق النظام والمعارضة، إضافة إلى مهمة محاربة الإرهاب، ومن الأشكال المطروحة مجلس عسكري مشترك أو غرفة تنسيق".


من جهتها، أوضحت مصادر مقربة من دائرة القرار في المنطقة الجنوبية الممثلة للنظام، أن "هناك شحاً شديداً في المعلومات حول الاتفاق الروسي الأميركي، إذ يتحفّظ الروس على ما يعتزمون القيام به، فهم يطلبون من قوات النظام والمليشيات وغيرها من الجهات ذات الصلة، تطبيق ما يريدون أولاً بأول، وهناك توجيهات من دمشق بالتعاون وتيسير عملهم".
وأضافت المصادر: "حتى اليوم لا نعلم ما شكل العلاقة التي ستكون بين الدولة والفصائل المسلحة، أو بينها وبين ما قد يشكّلونه من مجالس محلية"، لافتة إلى أن "الشكل الوحيد الثابت اليوم هو مسألة وقف إطلاق النار الذي يبدو أنهم جادون بفرضه، إلى جانب انتشار الروس وحركتهم التي بدأت تظهر بشكل أكبر شيئاً فشيئاً، إضافة إلى زيارات العسكريين المكثفة للمنطقة".
وأعربت المصادر عن اعتقادها بأن "الروس مقتنعون بالفدرالية كشكل للحكم في سورية وهذا متقارب مع ما يريده الأميركيون، لكنهم منحازون لفكرة حصر السلاح بيد الجيش وإلغاء المليشيات الموالية والطائفية، ودمج الفصائل المعارضة بشكل ما مع الجيش النظامي، وهذه تبدو نقطة غير متفق عليها إلى اليوم".

وقالت إن "مسألة المنافذ لمنطقتي درعا والقنيطرة تم حصرها بشكل كبير من قبل قوات النظام والروس، خصوصاً عبر محافظة السويداء، في حين تحوّل معبر خربة غزالة إلى منفذ أساسي لكل الاحتياجات الأساسية والمواد الغذائية والطبية، وهذا سيخلق تواصلاً بشكل أو بآخر بين الفصائل والمجالس مع النظام، خصوصاً إن أردنا التحدث عن إعادة الخدمات إلى مناطق المعارضة".
ولفتت إلى أن "مصير محافظة السويداء، التي تم إعلانها كجزء من الاتفاق الأميركي الروسي، ما زال غامضاً حتى اليوم، فلا الروس تحدثوا به، ولا ممثلو النظام لديهم معلومات دقيقة حولها، على الرغم من أن المحافظة تشهد تحركاً نخبوياً لبحث مسألة الإدارة اللامركزية الموسعة والتي قد تصل إلى فدرالية، على الرغم من أن هذه المحافظة لم تشهد أي اقتتال داخلها، باستثناء بعض المناوشات على حدودها الإدارية".

وحاولت "العربي الجديد" التواصل مع عدد من القيادات في "الجبهة الجنوبية" للحصول على توضيح رسمي حول ملامح المرحلة المقبلة ومصير الجبهة وعلاقتها مع النظام، إلا أن ذلك تعذّر، بعد اعتذار عدد من قياديي المعارضة عن الإدلاء بأي تصريح.
أما في ما يخص البادية والقلمون الشرقي، الذي يُعتبر جزءاً من "الجبهة الجنوبية"، فقال مسؤول الإعلام في "قوات أحمد عبدو- قطاع البادية"، سعيد سيف، في حديث مع "العربي الجديد"، "إننا لم نتلقَ حتى تاريخه أي وعود أو إملاءات بما يخص الدعم العسكري، والأمر بالأصل مقتصر على دعم مادي بسيط ولوجستي وذخائر وأسلحة، لا تُقارن بحجم الدعم الروسي المقدّم لقوات النظام من الناحية السياسية والعسكرية"، متابعاً بأن "معارك البادية الأخيرة، زعم فيها النظام بأنه يحارب التطرف والإرهاب مع علم المجتمع الدولي بأن من حارب داعش على مدار أربع سنوات هم قوات الشهيد أحمد عبدو". وبالنسبة للسياسة الأميركية في الجنوب، اعتبر أنها "مليئة بالغموض، وهذا ليس جديداً فالولايات المتحدة اتّبعت على مدار نحو 7 سنوات سياسة عدم الوضوح بما يخص المستقبل".
وأضاف سيف: "نحن كقوات الشهيد أحمد عبدو لدينا أهداف ثابتة، هي قتال النظام ومكافحة الإرهاب، وأغلب عناصرنا هم من مناطق تشهد في الفترة الحالية من قبل الروس والنظام مصالحات أو تسويات بطريقة التلويح بورقة الحصار والتغيير الديمغرافي، خصوصاً في منطقة القلمون الشرقي والذي يُعتبر أهم الأولويات لدينا اليوم، إذ يتبع سياسياً وعسكرياً لقطاع البادية".

وحول مسألة اندماج الفصائل التي يتم الحديث عنها، قال سيف: "نحن مع أي فكرة اندماج توصل إلى إيقاف الحرب والتخلص من قوى الإرهاب ونزف الدماء، ولكن الاندماج الذي يُروَّج له باتجاه دير الزور ومحاربة داعش مرفوض، ولا توجد أي نوايا لدينا للمشاركة بمثل هذه الاندماجات".
وتوقّع سيف أن "يزداد الضغط خلال الفترة المقبلة خصوصاً مع التوجّهات الأميركية الجديدة"، قائلاً: "منذ البداية لم نعتمد على أي دعم في معاركنا ضد النظام وثم داعش، فقد اعتمدنا على ضرب مواقع النظام ومستودعاته، واليوم نحن قادرون على الاستمرار بما نملك"، واستدرك قائلاً: "طيران التحالف لم يوجه أي ضربة لداعش على مدار 4 سنوات من حربنا ضده، على غرار جيش مغاوير الثورة بالتنف فهناك تنسيق عالي المستوى بري وجوي".
وأعرب سيف عن اعتقاده "بأن السياسات الأميركية الغامضة تتجه إلى تحويل الفصائل لدعم وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون، والتي تتوجه فقط لقتال داعش، وتفصل بين إرهاب هذا التنظيم وإرهاب المليشيات الطائفية".