قوى سياسية رسمية ومليشياوية تصادر عقارات في بغداد

قوى سياسية رسمية ومليشياوية تصادر عقارات في بغداد

27 يوليو 2017
أمام أحد القصور في المنطقة الخضراء (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
تفتح فتوى دينية أطلقها رجل دين عراقي في بغداد مقرب من مرجعية النجف، مفادها حرمة الصلاة في الممتلكات التي تم الاستيلاء عليها من قبل السياسيين وزعماء المليشيات والمسؤولين في حكومات ما بعد الاحتلال الأميركي للعراق، الباب مجدداً أمام مسألة الممتلكات العامة والخاصة التي تم الاستيلاء عليها بعد الاحتلال في بغداد وتقدر بأكثر من 32 ألف مبنى سكني وتجاري وأرض ومزارع ومحال تجارية وحتى دور عبادة.

وتتوزع هذه الممتلكات بين أملاك عامة كمقرات المؤسسات العراقية السابقة التي تم حلها بأمر الحاكم المدني بول بريمر مثل مباني التصنيع العسكري والطاقة الذرية ومقرات حزب البعث العربي ومعسكرات ومباني الأمن الخاص والفدائيين والاستخبارات والحرس الجمهوري وغيرها، وأملاك خاصة تتبع مسؤولين في النظام السابق كالوزراء ووكلائهم والمدراء العامين وأعضاء قيادة حزب البعث. ويضاف إليها ممتلكات العراقيين الذين هاجروا العراق بعد الاحتلال الأميركي وغالبيتهم من العراقيين المسيحيين والصابئة. وشملت عمليات الاستيلاء حتى الكنائس والأديرة القديمة ببغداد فضلاً عن المناطق المصنفة كوقف ديني أو أثري يعود لحقب بغداد القديمة.

 

يؤكد مسؤولون عراقيون أن جميع عمليات الاستيلاء تمت من قبل أحزاب وسياسيين وأعضاء برلمان ومسؤولين في الحكومة وزعماء مليشيات أو من قبل أعضاء بارزين فيها يمتلكون النفوذ في العاصمة، والمفارقة أن غالبيتهم من المحسوبين على الإسلاميين.

وتطور الأمر إلى حد استيلاء غير العراقيين على تلك العقارات، إذ استحوذت شخصيات لبنانية محسوبة على حزب الله على منزل تابع لحسين كامل صهر الرئيس العراقي السابق في منطقة العرصات على نهر دجلة في بغداد. وافتتح الحوثيون مكتباً لهم قرب ساعة بغداد في حي كرادة مريم العذراء قرب المنطقة الخضراء كان في السابق مقراً لأحد أعضاء القيادة القومية لحزب البعث بينما استولى أكراد من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني  أخيراً على مقر اتحاد الطلبة في منطقة الوزيرية.

العبادي بريء لكنه عاجز

يتحدث وزير عراقي عما وصفه براءة رئيس الوزراء من هذا الملف وفشله في حله بنفس الوقت. ووفقاً للمسؤول نفسه، الذي تحدث مع "العربي الجديد"، فإن محاولات العبادي لاسترداد الممتلكات جميعها باءت بالفشل رغم توجيه خطابات وكتب رسمية للأحزاب بضرورة إخلائها وتسليمها للدولة ودفع ثمن تعويض عن السنوات السابقة التي شغلوها وصلت إلى ست خطابات لكل جهة من دون جدوى. ويوضح أن غالبية الأحزاب والشخصيات التي تستولي على الممتلكات العامة أو الخاصة رفضت ذلك بمن فيهم زعامات المليشيات. ويلفت إلى أن "هناك نحو 500 وحدة سكنية مقابل المنطقة الخضراء كانت بالسابق تعود للحرس الخاص بصدام حسين وهي مسجلة أصلاً باسم الدولة لا باسم افراد الحرس الخاص، لكن على الرغم من ذلك تم ابتلاعها بل وبعضهم غيّر ملكيتها باسمه ضمن فساد واضح تم في حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي". ويشير الوزير إلى أن "الحديث لم يعد حالياً قائماً عن هذا الملف على الأقل داخل الحكومة بسبب الوضع الأمني وقرب الانتخابات".

من جهته يؤكد عضو مجلس أعيان بغداد، عمر عبد الرحمن الأعظمي، أن عمليات الاستيلاء شملت آلآلاف من هكتارات النخيل والحمضيات في بغداد ومحيطها فضلاً عن قصور ومبانٍ أثرية مختلفة. ويوضح الأعظمي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "أحد زعماء المليشيات استولى على منزل سعدية خاتون إحدى السيدات الثريات في بغداد بالعهد الملكي التي انقطع نسلها، وكان مدرجاً كمنزل أثري تابع لأمانة بغداد، وعندما استنكر سكان الحي قال هذه بعثية من أيتام صدام والمنزل شيد من أموال العراقيين، رغم أنها توفيت قبل أن يولد صدام حسين أو يتأسس حزب البعث بالأساس". ويلفت إلى أن "المبنى استخدم من قبل العثمانيين سابقاً في حفظ الأرشيف يعرف باسم " الدفتر خانة" استولى عليه سياسي وقال هذا كان مقراً لحزب البعث وأنا أحد ضحايا حزب البعث".


أبرز المتورطين

ومن أبرز الشخصيات التي تستولي اليوم على ممتلكات عامة وخاصة في بغداد نائب الرئيس العراقي إياد علاوي الذي استحوذ على منازل عدة في شارع الزيتون ببغداد. أما رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي السابق، عمار الحكيم، الذي أعلن أخيراً تأسيس تيار الحكمة، فيستولي على منزل وزير الخارجية العراقي السابق طارق عزيز في منطقه الجادرية، في حين لا تزال عائلة أحمد الجلبي تستولي على منازل بشارع الأميرات في بغداد. كما يستحوذ نائب رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، على قصر البندقية بينما يستولي زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر على منزل مسؤول سابق في منطقة الإسكان وزعيم مليشيا بدر هادي العامري على قصر دجلة في الكرادة وبهاء الأعرجي على قصر السندباد. أما رئيس البرلمان الحالي، سليم الجبوري، فيستولي على منزل عبد حمود مرافق صدام حسين فضلاً عن نحو ألفي شقة سكنية تعود لمسيحيي كرادة مريم تم إبعادهم منها بعد تأسيس المنطقة الخضراء ويقيم فيها أعضاء البرلمان وشخصيات سياسية مختلفة.

كما تحول مقر حزب البعث لمكتب تنظيمات حزب الدعوة بزعامة نوري المالكي، وجامع أم القرى إلى مقر لزعيم الوقف السني الحالي عبد اللطيف الهميم، ودير قديم للكاثوليك إلى جامعة الإمام الصادق التي يديرها المجلس الإسلامي الأعلى، فيما تحولت بساتين الجادرية للنخيل إلى مقر رئيسي للمجلس الإسلامي الأعلى.

ويقول رئيس لجنة الأمن والدفاع العراقية في البرلمان، حاكم الزاملي، إنه "يوجد اليوم في كل بغداد تجاوزات على الأراضي والممتلكات، وفي جانب الرصافة تبدو العملية أكبر مع الأسف من قبل أحزاب وعصابات ومافيات تنخر الدولة".

ويضيف الزاملي في حديث مع "العربي الجديد" أن "الجهات التي استولت على الأملاك العامة والخاصة تنتمي لأحزاب وجهات عسكرية أو لفصائل مسلحة وتم التجاوز بالقوة وبغفلة عن القانون، وطاولت التجاوزات أملاكاً لمواطنين تمت السيطرة عليها وتقسيم الزراعية منها وبيعها مرة أخرى". ويلفت إلى أن "قيادة عمليات بغداد تحتاج إلى تفعيل الملف بعيداً عن السياسة وفرض القانون بالقوة وبالسلاح إن استدعى الأمر وإعادة ممتلكات المواطنين وممتلكات الدولة". ويشدد على أنه "يجب على كل مواطن أن يتقدم بشكاوى وسأكون مستعداً للتدخل في مساعدتهم" وفقا لقوله. 

التحرك الأمني ينتظر القرار السياسي

من جهته، يعتبر قائد عمليات بغداد، عبد الجليل الربيعي، في حديث مع "العربي الجديد" أن "التجاوز على الممتلكات في بغداد يعتبر ملفاً مشتركاً الكل معني به، الحكومة ومؤسساتها والجيش طبعاً والشرطة".

ويشير إلى أن "المال السائب عرضة للسرقة اليوم". وأضاف "نحن نناشد كل الوزارات ونناشد الوقف السني والوقف المسيحي أن يحرصوا على الأملاك التي لهم وأن يضعوا عليها ضوابط ويتابعوها ولا يتركوها لأن المتروكة بالتأكيد تستغل". ويضيف "نحن نخرج الى أماكن ونرى أبنية وعمارات ومحلات ونفاجأ بأنها أرض مغتصبة تم الاستيلاء عليها من صاحبها منذ ثلاث أو أربع سنوات، ورغم ذلك قمنا بتدميرها بالجرافات وإزالة كل البناء عليها لكن يبقى الملف كبيرا ومهما، وهو مسؤولية مشتركة على الجميع من أمانة بغداد والبلدية وصولاً إلى الحكومة". وحول الممتلكات التي يستولي عليها السياسيون يقول إن "أي أمر يصلنا من الحكومة بشأنها سنتحرك بموجبه فوراً". 

وكان رئيس اللجنة القانونية في البرلمان العراقي، محسن السعدون، قد أكد في تصريح سابق لـ"العربي الجديد" "استيلاء مسؤولين وسياسيين على أملاك عامة للدولة وأخرى تابعة لمسؤولين في النظام السابق قبل عام 2003". ولفت السعدون إلى أن "مجلس الوزراء العراقي فرض حظراً على التصرف بتلك الممتلكات، لكن بعض حكومات المحافظات المحلية والدوائر العقارية رفعت هذا الحظر وتصرفت بتلك الممتلكات والعقارات لصالح شخصيات متنفذة ومنحتهم أحقية التصرف بالأموال من دون مراعاة القرارات الحكومية بشأنها". كما ذكر أن "البرلمان قرر تأجيل التصويت على مشروع قانون حجز ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة للنظام السابق بسبب الخلاف بين الأطراف السياسية بشأن تصنيف من المقصود بهم بعبارة (مسؤولي النظام السابق) هل هم القائمة 55 التي أصدرت قبل الاحتلال من قبل الأميركيين أم عائلة صدام حسين فقط أم أعضاء حزب البعث أم أعضاء مجلس قيادة الثورة. لكن بكل حال، ممتلكات هذه الأصناف جميعا تعرضت للمصادرة".

دلالات