سطوة "تحرير الشام" في إدلب مهددة بالغضب الشعبي

سطوة "هيئة تحرير الشام" في إدلب مهددة بالغضب الشعبي

25 يوليو 2017
الغموض والترقب سيّدا الموقف في إدلب(عمر حاج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

تبدلت خارطة السيطرة في شمال غربي سورية خلال أيام، إذ تراجعت "حركة أحرار الشام"، أبرز فصائل المعارضة السورية المسلحة، بشكل مفاجئ أمام "هيئة تحرير الشام" التي باتت القوة الضاربة في كامل محافظة إدلب وريف حلب الغربي، في مسعى منها لاستباق أي تفاهمات إقليمية ودولية تخص الشمال السوري برمته، وهو ما ظهر بإعلان وزارة الدفاع الروسية، أمس، بأن المشاورات مستمرة لإقامة منطقة جديدة لعدم التصعيد في محافظة إدلب. لكن "الهيئة" باتت مهددة بموجة غضب شعبي كبير، عقب سيطرتها على معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا ومعابر إنسانية، تعد شريان الحياة لمحافظة إدلب وريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي، إذ تعطل العمل في المعبر عقب سيطرة "هيئة تحرير الشام" عليه، ما أدى إلى توقف حركة الاستيراد والتصدير من تركيا وإليها.


وفرضت "هيئة تحرير الشام" سيطرتها على مواقع جديدة في محافظة إدلب، في سياق حملة عسكرية بدأتها الأربعاء الماضي لفرض سلطة "أمر واقع" على أهم معاقل المعارضة السورية المسلحة، من خلال السيطرة على المعابر الحدودية التي تربط سورية بتركيا. وأكدت مصادر ميدانية، في الجزء الذي تسيطر عليه المعارضة السورية في ريف اللاذقية الشمالي، أن "هيئة تحرير الشام" تسلمت، أول من أمس، المعبر الحدودي مع تركيا في قرية خربة الجوز من "حركة أحرار الشام" من دون اشتباك، كما سيطرت على حاجز قرية الزعينية على الطريق القديم لجسر الشغور، والذي كان يتبع للحركة أيضاً. وكانت "الهيئة" قد سيطرت الأحد الماضي بالكامل على مدينة إدلب مركز المحافظة، بعد انسحاب "أحرار الشام" جنوباً باتجاه جبل شحشبو وسهل الغاب في ريف حماة الشمالي الغربي. وباتت "هيئة تحرير الشام"، التي تشكّل "جبهة فتح الشام" (النصرة سابقاً) ثقلها الرئيسي، تسيطر على غالبية محافظة إدلب باستثناء مناطق في ريفها الجنوبي، منها معرة النعمان، وجزء من جبل الزاوية، وأخرى في الريف الشمالي، منها بنش، ومعرتمصرين، لكن هذه المدن والبلدات باتت مهددة بانتزاع السيطرة عليها من قبل "الهيئة" في أي وقت.

وكان أعلن مساء الأحد، عن اتفاق جديد بين "حركة أحرار الشام"، و"هيئة تحرير الشام"، يتضمن إيقاف حالة الاستنفار والمضايقات والاعتقالات بين الجانبين، وحل التجاوزات الحاصلة بعد اتفاق الجمعة، وتسويتها خلال مدة أقصاها 5 أيام. كما منح الاتفاق أي تشكيل تابع إلى "حركة أحرار الشام" الحق بالتراجع عن بيعته إلى "الهيئة إذا شعر أنه فعل ذلك مكرها"، وفق نص الاتفاق الذي وقع عليه قائد الحركة، أبو عمار العمر، وقائد "هيئة تحرير الشام"، أبو جابر الشيخ. وأشارت "هيئة تحرير الشام"، في بيان أول من أمس، إلى أن "المناطق المحررة هي ملك لأهلها، ولا يمكن أن تنفرد بها جهة من دون أخرى"، مبيّنة أنه "يجب تسليم هذه المناطق إلى إدارة مدنية تقوم على تنظيم حياة الناس، وتوضع القوى الأمنية للفصائل في خدمة تلك الإدارة بحسب الحاجة، وتتفرغ القوى العسكرية لثغور المسلمين دفعاً وفتحاً"، وفق البيان. ودعت "الهيئة" إلى تأسيس ما سمّته بـ"مشروع سني ثوري جامع يحفظ الثوابت ويحقق الأهداف المرجوة، بمشاركة جميع أطياف الثورة وأبنائها"، مشيرة إلى أن "الكوادر المدنية والنخب السياسية في الداخل والخارج، إلى جانب الكتل العسكرية لجميع الفصائل، يجب أن تكون من نواة هذا المشروع". كما دعت "الفصائل العاملة في الشمال السوري، إضافة إلى العلماء والمشايخ والنخب الثورية والكوادر المدنية، إلى اجتماع عاجل وفوري، للوقوف على تحديات المرحلة، والخروج بمشروع يحفظ الثورة وأهلها، ويمثلها خير تمثيل"، وفق بيان "الهيئة"، التي وصفت نفسها بأنها "لا تزال جزءاً من الثورة السورية".

وقللت مصادر في المعارضة السورية المسلحة، فضّلت عدم ذكر اسمها، من أهمية البيان، مشيرة، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه "محاولة يائسة من الهيئة لامتصاص النقمة الشعبية التي تتصاعد باتجاهها"، مضيفة "توقفت الحركة التجارية في المناطق المحررة، وهذا سيعجل بتفجر الغضب الشعبي ضد الهيئة، خصوصاً أن معبر باب الهوى هو العصب الاقتصادي لمحافظة إدلب". وأكدت مصادر ميدانية أن "الهيئة" فرضت سيطرة كاملة على المعبر بعد انسحاب "حركة أحرار الشام" منه، ما أدى إلى تعطيله، رغم ادعاء "الهيئة" نيتها تسليمه إلى إدارة مدنية. وأشارت المصادر إلى أن "الهيئة تحاول استمالة الإدارة المدنية في مدينة إدلب من أجل مبايعتها"، إثر سيطرتها بشكل كامل على المدينة الأحد، موضحة أن "الهيئة تفتقر إلى الكوادر المدنية المؤهلة لإدارة المحافظة، بعكس حركة أحرار الشام التي تضم كوادر على مستوى عالٍ من التدريب، خصوصاً على صعيد المهندسين"، وفق المصادر.

وكان أعلن عن تشكيل "هيئة تحرير الشام" في بدايات العام الحالي إثر اندماج عدة فصائل، أبرزها "جبهة فتح الشام" (النصرة سابقاً) في جسم عسكري واحد، ضم أيضاً "حركة نور الدين زنكي"، و"لواء الحق"، و"جبهة أنصار الدين"، و"جيش السنة". وحاولت "جبهة فتح الشام" من خلال التشكيل الجديد الهروب من توصيفها بـ"الإرهاب"، والارتباط بتنظيم "القاعدة"، لكنها لم تتبنّ راية وأهداف الثورة السورية، وبقيت على نهجها المتشدد في مقاربة الملفات المتعلقة بالقضية السورية. وأعلنت "حركة نور الدين زنكي" انسحابها من "الهيئة" في خضم الأحداث الأخيرة، إلا أن انسحاب "الزنكي" لم يؤثر على النواة الصلبة لـ"هيئة تحرير الشام" القائمة على "جبهة فتح الشام"، التي يتزعمها أبو محمد الجولاني. وكانت "حركة أحرار الشام" تأسست أواخر العام 2012، لتصبح أبرز فصائل المعارضة السورية، إذ امتد نفوذها في أغلب المناطق السورية، قبل أن تتعرض لنكسة كبرى في سبتمبر/أيلول 2014، إذ قتل قادة "الحركة" من الصفين الأول والثاني بانفجار مجهول السبب في أحد مقراتها.

ومرت "أحرار الشام" برحلة تراجع منذ ذلك الحين، بسبب تعدد مرجعيات السيطرة العسكرية، وهو ما أدى إلى انفراط عقدها التنظيمي، حتى باتت مهددة بالتلاشي أمام تمدد "هيئة تحرير الشام" على حسابها في محافظة إدلب. وأجرت الحركة مراجعات في خطابها الثوري والسياسي، إذ تبنت أخيراً راية الثورة السورية، وأبدت انفتاحاً على حلول سياسية للأزمة السورية، وهو ما عجّل في تحرك "هيئة تحرير الشام" ضدها، خصوصاً بعد تسريبات عن نية الأتراك الاعتماد على الحركة في عملية عسكرية واسعة النطاق تحمل عنوان "درع العاصي"، الهدف منها تقويض "هيئة تحرير الشام" في شمال غربي سورية. ولا يزال الغموض، والترقب الحذر، سيّدي الموقف في محافظة إدلب التي باتت محاصرة بشكل كامل إثر إغلاق المعابر التجارية والإنسانية مع الجانب التركي. ويذهب مراقبون إلى التأكيد على أن سيطرة "هيئة تحرير الشام" على شمال غربي سورية "يعد ذريعة لعودة القصف الجوي للنظام الذي غاب منذ الاتفاق على مناطق خفض التصعيد في أستانة"، والتي شملت المنطقة الأولى منه كامل محافظة إدلب، فيما أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أمس، تواصل المشاورات لإقامة منطقة لعدم التصعيد في محافظة إدلب. وأعلن رئيس إدارة العمليات في هيئة أركان القوات المسلحة الروسية، الجنرال سيرغي رودسكوي أن المشاورات حول إقامة منطقة تخفيف تصعيد أخرى في محافظة إدلب السورية مستمرة. وقال "خلال الجولة الخامسة من المفاوضات بصيغة اللقاءات الدولية حول سورية في أستانة، تم الاتفاق على حدود مناطق تخفيف التصعيد شمال مدينة حمص وفي الغوطة الشرقية، وتستمر المشاورات حول منطقة أخرى في محافظة إدلب، وعقب انتهائها، ستستمر المشاورات بصيغة أستانة".