معارك أبو تايه... اهتزاز علاقة السلطة الأردنية مع العشيرة

معارك أبو تايه... اهتزاز علاقة السلطة الأردنية مع العشيرة

الجفر (الأردن)

محمد الفضيلات

avata
محمد الفضيلات
20 يوليو 2017
+ الخط -


بلهجة بدوية خالصة، علّق الجندي الأردني معارك أبو تايه، على الحكم بسجنه بـ"الأشغال الشاقة المؤبدة مدى الحياة"، بعدما دانته محكمة عسكرية، يوم الاثنين الماضي، بقتل ثلاثة جنود أميركيين، قائلاً "أنا قمت بواجبي".

العبارة القوية، أسدلت الستار على وقائع محاكمة مثيرة، بدأت جلساتها العلنية قبل 40 يوماً من صدور الحكم، وخلّفت صدى مدوياً يؤهل أبو تايه ليستقر بطلاً في الوجدان الشعبي. وكذلك استقرت العبارة حقيقة تتمسك بها عشيرته الحويطات، التي نسب التاريخ لها دوراً محورياً في تأسيس الأردن الحديث، دور اعتبره أبناؤها مبعثاً للفخر وسبباً كافياً حتى لا "يظلم" ابنها، أو تطعن هي في كرامتها وانتمائها.

يوم الثلاثاء الماضي، رفعت عشيرة الحويطات الغاضبة على الحكم القضائي الذي تصفه بـ"السياسي"، صورة معارك أبو تايه، إلى جوار صورة زعيمها التاريخي، عودة أبو تايه، صاحب الدور في نجاح الثورة العربية الكبرى، ودحر العثمانيين وتثبيت حكم الهاشميين في الأردن، فيما أقدم أبناء القبيلة والمتضامنون مع الجندي من غير أبنائها على استبدال صورهم الشخصية على "فيسبوك" ببورتريه للجندي أو صورته داخل قاعة المحكمة.

تعود القضية إلى يوم الجمعة 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، حين كان الجندي معارك أبو تايه (38 عاماً)، يقوم بوظيفته في حراسة بوابة قاعدة الملك فيصل العسكرية في منطقة الجفر (230 كيلومتراً جنوب العاصمة)، عندما فتح النار على مركبة تقل جنوداً أميركيين، ما أدى إلى مقتل ثلاثة منهم.

وأحيطت الحادثة بغموض كبير، أعادت معها وضع ملف تدريب المعارضة السورية في الأردن على طاولة الجدل، كما نكأت جرح التنمية في مناطق البدو، وفتحت نقاشاً عميقاً حول السيادة وحدود الهيمنة الأميركية. وتمثّل اليوم اختباراً صعباً للسلطة مع مؤسسة العشيرة التي يخشى "عقلاؤها" أن يجدوا أنفسهم، استجابة لمشاعر أبنائها، مجبرين على أعادة النظر في ولائهم الصلب للنظام.


وبعد ليلة صاخبة تخللتها اشتباكات بين محتجين أغلقوا الطرق بالإطارات المشتعلة وقوات الأمن، تداعت عائلة أبو تايه لاجتماع عقدته، الثلاثاء الماضي، بمباركة وتمثيل من عشائر الحويطات التي تنتمي إليها، للتباحث في القضية وسبل "دفع الظلم الواقع على الجندي معارك وعلى القبيلة". عقد الاجتماع في مضارب العشيرة بالجفر، على بعد 5 كيلومترات عن قاعدة الملك فيصل العسكرية، التي فصل بينها وين المجتمعين إطارات مشتعلة أغفلت الطريق العام، وسحب الدخان الأسود المتصاعدة بكثافة. في بيوت الشعر التي عقد الاجتماع تحت سقفها، ودارت على الحضور القهوة العربية، سرد أبناء العشيرة روايتهم عن الحادثة، والوقائع التي سبقتها، وهي رواية ووقائع تتقاطع مع روايات الشهود في القضية.

قاعدة الملك فيصل العسكرية في الجفر (العربي الجديد)


















في هذا السياق، أفاد أبو عبد الله أبو تايه، الذي يبعد منزله 50 متراً عن القاعدة العسكرية، بأنه "يوم الأربعاء (قبل يومين من حادثة مقتل الأميركيين) سمعنا صوت نار في القاعدة، وأصوات تكبير. لما سألنا عرفنا أن السوريين الذين يتدربون، قاموا بتمرد، وحصل اشتباك بينهم وبين المدرّبين الأميركيين، الذين بدورهم قتلوا 8 سوريين". تلك الواقعة وثّقتها المحاكمة، من دون أن تشير إلى سقوط قتلى خلالها من السوريين، كما وثقت شهادة الشهود أن أوامر صدرت في أعقابها بتشديد قواعد الاشتباك.



بدوره، تساءل لافي أبو تايه (أبو صقر): "ماذا يفعل جندي صدرت له أوامر عسكرية؟ عليه تنفيذ الأوامر وإلا سيعاقب". وأضاف، وهو عسكري متقاعد، أن "معارك أبو تايه نفذ الأوامر العسكرية، وبدل أن يكافأ على التزامه العسكري، عوقب بقسوة من أجل إرضاء أميركا. هذا حكم سياسي لا نعترف فيه".

وأعاد التذكير بالبيان الأول الذي صدر عن القوات المسلحة الأردنية "الجيش العربي"، بعد الحادثة، والذي تحدث عن "عدم امتثال الجنود الأميركيين لأوامر حرس البوابة بالتوقف". وهو البيان الذي سُحب حينها على وقع اعتراض السفارة الأميركية في عمّان، فقال لافي أبو تايه: "هل نريد دليلا أكبر من ذلك على الظلم الذي تعرض له معارك وتتعرض له القبيلة؟ هذه طعنة في كرامة القبيلة".

مع العلم أن قاعدة الملك فيصل العسكرية أُنشئت في عام 1974، ولم تتعرض لحوادث مشابهة، ولم يكن الوجود الأميركي القديم فيها محل مقاومة من قبل السكان المحليين. لكن لافي أبو تايه، أشار إلى حوادث محدودة خلال الحرب الأميركية على العراق، التي أقدم فيها طلاب المدارس على رجم الجنود الأميركيين بالحجارة عند مشاهدتهم. لكنه شدّد على أنها "كانت حوادث محدودة، تعبّر عن المشاعر القومية المتعاطفة مع العراق. وحينها استُحدث مدخل للأميركيين بعيداً عن تجمعات السكان ولم نعد نشاهدهم".


الهيمنة الأميركية على القرار القضائي، لخّصها صايل أبو تايه، وهو مستشار في الديوان الملكي، بالقول: "هذا قرار سياسي أميركي". الرجل الذي قال إنه "آثر الوقوف مع عشيرته على حساب مستقبله السياسي"، كشف أنه "اطّلعت بحكم موقعي على أوراق رسمية تطلب من المحكمة تنفيذ مطالب الأميركيين". وبيّن أن "المحكمة العسكرية فقط قرأت قرار الحكم الصادر من الأميركيين. وقرأته بغباء، لأن (الأشغال الشاقة المؤبدة مدى الحياة) نصّ غير موجود في القانون الأردني، هو موجود في القانون الأميركي. أما في الأردن فالقانون هو (أشغال شاقة مؤبدة)، من دون عبارة (مدى الحياة)". وحذّر صايل أبو تايه، من "محاولة وصم العشيرة بالإرهاب بهدف خلق فتنه بينها وبين الأميركيين من جهة، وبينها وبين العشائر الأردنية الأخرى من جهة أخرى".

أما غازي أبو تايه، شقيق معارك، فأكد أن "وعوداً قطعت له وللعشيرة من جهات رسمية وعسكرية بأن شقيقه سيخرج بريئا وأنه قام بواجبه العسكري". وأضاف بأنهم "كذبوا علينا، ففي يوم صدور الحكم، كنا نجهّز البيوت للاحتفال بعودة معارك، قبل أن نفاجأ بالحكم". وأبدى اعتقاده بأن "ما تعرّضوا له، هو خديعة للتستّر على قضية تدريب السوريين والقتلى في صفوفهم"، كاشفاً بأنه "لم يُقتل فقط ثمانية سوريين في التمرّد الذي سبق الحادثة بيومين، ففي يوم مقتل الجنود الأميركيين، كان هناك جثث لمتدرّبين سوريين أمام القاعدة العسكرية. أنا وكثير من أبناء العشيرة شاهدناها ملقاة على الأرض بعد أن أخلوا جثث الأميركيين".

ودعا غازي أبو تايه، أبناء قبيلة الحويطات، في حال عدم إنصاف شقيقه، إلى تنفيذ عصيان مدني، واستقالة جميع أبناء القبيلة من الجيش. وذكّرهم ببطولات العشيرة ودورها في دحر العثمانيين وتثبيت الحكم الهاشمي، ما حدا بأحد الحضور للهتاف مطالباً بـ"إسقاط الملك عبد الله الثاني، إذا اقتصت الحاجة". لكن هتافه لاقى امتعاضاً من "الكبار" في العشيرة، و"لا يعبّر عن موقف الحضور".

وكرّر المتحدثون التذكير برجالات القبيلة، وبطولاتهم، ودورهم في تأسيس الدولة، منذ زعيمها التاريخي عودة أبو تايه، مروراً بتضحيات جنودها في الدفاع عن القدس المحتلة في حرب 1948، والتغني بأبنائها قادة معركة الكرامة 1968 الذين صنعوا النصر. في هذا الصدد، أكد كايد أبو تايه، أن "الهدف من التذكير ببطولات القبيلة ودورها في تأسيس الدولة الأردنية إثبات الولاء للقيادة الهاشمية القادرة على إنصافهم، ورفع الظلم عنهم". وأضاف "الملك على رؤوسنا، لكن بعد الذي حصل مع معارك، لا نثق بأي مسؤول بالدولة غير الملك". بدوره رأى عواد أبو تايه، بأن "الخطورة في الحكم الصادر، هي في الآثار التي سيخلفها على العقيدة العسكرية للجنود الأردنيين"، متخوّفاً من أن "يلاقي جنود آخرون مستقبلاً ما لاقاه معارك أبو تايه". وأضاف أنه "كنا نتمنى أن يكون اجتماعنا مع مسؤولين حكوميين لنناقش تنمية الجفر، بدل أن نجتمع لدفع الظلم عنا".


كما أشار مالك أبو تايه، إلى أن "الأمر فاق القدرة على التحمل، وأدعو الملك للتدخل قبل أن يحدث ما لا يحمد عقباه". وفي تذمر من واقعهم الاقتصادي الاجتماعي السياسي، المتقاطع مع غضبهم من الحكم الصادر على ابن القبيلة، قال "صبرنا على الفقر، صبرنا على التهميش، ليس لدينا وزراء ولا مسؤولون من صفوفنا. ماذا بقي لنا في الدولة الأردنية لنتمسك بها؟". وتابع إن "شركاتنا تنهب ونحن صابرون، أراضينا تُنهب ونحن صابرون، مياهنا تُنقل إلى عمّان ونشرب مياهاً ملوّثة نحن صابرون. أما أن يصل الأمر إلى كرامتنا، فلن نصبر".

وأبدى أبناء القبيلة، إصراراً على متابعة القضية حتى النهاية، التي يريدونها بإلغاء الحكم الصادر وضمان محاكمة عادلة، من دون انتظار الاستئناف الذي يعدونه إقراراً منهم بإدانة أبنهم. ويديرون "معركتهم" ضمن تقاليد بدوية صارمة، تلحق العار بكل من يتخلف عن الدفاع عن معارك أبو تايه، وعليه قرروا أن يشارك في تحركهم كل طفل بلغ عشر سنوات، وكل شيخ يستطيع قضاء حاجته، وطالبوا من نسائهم تقريع المتخلفين من الرجال، بعد أن أعلنوا الدفاع عن "كرامة" القبيلة التي مست بالصميم.

مع العلم أن عدد سكان الجفر يبلغ نحو 15 ألف نسمة، يتوزعون بين العمل في القوات المسلحة والوظائف الحكومية، فيما يعمل وفقاً لتقديرات محلية أكثر من نصف السكان بالزراعة والرعي. وسبق للأردن أن أعلن في مارس/آذار 2015 تدريبه للمعارضة السورية، ضمن جهد إقليمي لمحاربة تنظيم "داعش"، لكن تقارير غربية تحدثت عن انخراط الأردن في وقت مبكر بعملية التدريب.

من اعتصام عشيرة الحويطات (العربي الجديد)


 

مصادر من فصائل الجبهة الجنوبية، لم تؤكد أو تنفِ مقتل سوريين في حادثة الجفر، لكنها كشفت عن وقوع صدامات خلال التدريب، وأرجعتها إلى "عدم قدرة المتدربين على احتمال التدريبات القاسية، وخلافات على أولويات القتال، خصوصاً عندما تركز التدريبات على محاربة داعش، لا النظام".

دلالات

ذات صلة

الصورة
مئات يترقبون انتشال المساعدات على شاطئ بحر غزة (محمد الحجار)

مجتمع

يواصل الفلسطينيون في قطاع غزة ملاحقة المساعدات القليلة التي تصل إلى القطاع، وبعد أن كانوا يلاحقون الشاحنات، أصبحوا أيضاً يترقبون ما يصل عبر الإنزال الجوي.
الصورة
شلباية: نادال قدوتي في التنس وتعلمت كثيراً من أنس جابر

رياضة

حلّ موهبة التنس الأردنية عبد الله شلباية ضيفاً، في حوار حصري مع "العربي الجديد"، من أجل الحديث عن قدوته في عالم الكرة الصفراء، وأهدافه المستقبلية.

الصورة

رياضة

أطلقت الجماهير الأردنية العنان لاحتفالاتها في شوارع العاصمة عمان، الثلاثاء، بعد الفوز التاريخي لـ"النشامى" على المنتخب الكوري الجنوبي وتأهله إلى نهائي كأس آسيا.

الصورة

سياسة

زعم رؤساء بلدات ومستوطنات إسرائيلية في منطقة غور الأردن، أنّ الأردنيين يطلقون النار كل ليلة باتجاه إسرائيل، بحسب ما أوردته إذاعة "كان رشيت بيت" العبرية

المساهمون