الحياة السياسية التركية بعد محاولة الانقلاب: وحدة وطنية مؤقتة

الحياة السياسية التركية بعد محاولة الانقلاب: وحدة وطنية مؤقتة

إسطنبول

باسم دباغ

avata
باسم دباغ
15 يوليو 2017
+ الخط -


شكّل إفشال المحاولة الانقلابية في تركيا خاتمة سلسلة من الأحداث التي ساهمت في تحقيق آخر أحلام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومن ورائه جزء كبير من اليمين التركي، بالتحوّل إلى النظام الرئاسي بعيداً عن شبح الحكومات الائتلافية الفاشلة التي سادت في التسعينيات بكل ما رافقها من أزمات على كل المستويات.
وبعد تمكّن القوات التركية من إنجاز ضربة قوية لتمرد حزب "العمال الكردستاني" في مدن وبلدات جنوب وشرق الأناضول، نجح الرئيس التركي في إنشاء تحالف جديد مع حزب "الحركة القومية" اليميني القومي المتطرف، وتحديداً مع زعيم الحزب دولت بهجلي، الشخصية السياسية التي لطالما أدت أدواراً محورية في التاريخ السياسي للجمهورية التركية خلال العقدين الأخيرين. قلب هذا التحالف الحياة السياسية الداخلية التركية، وتمكّن من تمرير التعديلات الدستورية في البرلمان ومن ثم إقرارها بفارق بسيط خلال الاستفتاء عليها بعد ما يقارب التسعة أشهر من المحاولة الانقلابية، معتمداً على الدور الكبير الذي قام به الرئيس التركي في إدارة المعركة ضد الانقلابيين، بينما استمر الأخير بالتأسيس للشرعية السياسية للجمهورية الجديدة.

شرعية سياسية

بات الانقلاب الفاشل حجر الأساس في الشرعية السياسية للجمهورية التركية الجديدة، بعد أن كان أردوغان قد قطع أشواطاً في التأسيس لهذه الشرعية، كانت ذروتها بناء "الكُلية الرئاسية" (الكلية مصطلح عثماني مشتق من اللغة العربية يطلق على التجمعات التي كان ينشئها السلاطين وتشتمل عادة على مسجد ومدرسة وعيادات طبية وأوقاف)، والقصر الرئاسي الجديد في أنقرة في وسط غابة أتاتورك. وبعد أن كان من المخطط أن يكون هذا القصر الكبير مقراً يليق برئاسة وزراء الجمهورية الجديدة، قرر أردوغان بعد وصوله للرئاسة، عام 2014، تحويله إلى قصر الرئاسة، في دلالة رمزية على الدور الجديد لرئاسة الجمهورية التي لن تقبل بدورها القديم المتواضع، وذلك وسط اعتراضات كبيرة من قبل الكماليين، بعد أن خفّض أردوغان من قيمة قصر جانكاي الذي كان مقر إقامة مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك بتحويله إلى مقر لرئاسة الوزراء، التي لن يعود لها مكان، بموجب التعديلات الدستورية، إثر التحوّل إلى النظام الرئاسي بعد انتخابات 2019.

ووافق البرلمان التركي على إعلان يوم 15 يوليو/تموز عطلة رسمية، بينما تم تغيير أسماء أهم الساحات والجسور، منها ساحة قزيل آي التاريخية في العاصمة، لتصبح ساحة "إرادة الأمة". وكذلك تم تغيير اسم جسر بوغازجي في مدينة إسطنبول إلى جسر "شهداء الخامس عشر من يوليو"، بعد أن قتل الانقلابيون عدداً من رافضي الانقلاب على الطرف الآسيوي من المدينة، لينضم إلى كل من جسر السلطان محمد الفاتح وجسر السلطان يافوز سليم الذي بني في عهد حزب "العدالة والتنمية".

وفي تكريس لرمزية وحدة الأمة في إفشال الانقلاب، سيتم في ليلة 15 يوليو (اليوم) تدشين ساحة وتمثال على طرف جسر "شهداء 15 يوليو" تكريماً لهم، وكذلك سيكون هناك تمثال كبير تخليداً لوحدة الأمة في وجه المحاولة الانقلابية، ستجري إزاحة الستار عنه بعد صلاة فجر يوم 16 يوليو أمام الكلية الرئاسية. أكثر من ذلك، لم يتردد أردوغان في خطاباته بتحويل مقاومة الشعب التركي للانقلاب إلى حرب إنقاذ أخرى، بل تتفوق على حرب الإنقاذ التي قادها أتاتورك بين عامي 1919 و1923 وانتهت بتكوين الجمهورية التركية الحديثة وإلغاء الخلافة والسلطنة.


وفي خطب عدة ألقاها بين سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، لم يتردد أردوغان ولأول مرة في إهانة أحد أهم الأساطير المؤسسة للجمهورية الكمالية، بتوجيه انتقادات شديدة لاتفاقية لوزان التي تمت بعد الانتصارات التركية بحرب الإنقاذ، وجرى بموجبها إعلان الجمهورية التركية بحدودها الحالية بعد هزيمة السلطنة العثمانية في الحرب العالمية الاولى.
وقال أردوغان: "في عام 1920 عرضوا علينا اتفاقية سيفر، وفي عام 1923 أقنعونا باتفاقية لوزان، وقام البعض بمحاولة تقديم هذه الاتفاقية على أنها انتصار، لقد تخلينا (بموجب هذه الاتفاقية) عن جزر لو وقفنا (على شواطئنا) وصرخنا لوصلها صوتنا، هذه الجزر لنا… ما زلنا ندفع ثمن هذه المعاهدة بسبب الذين جلسوا على الطاولة في هذه الاتفاقية، لم يمنح أولئك الجالسون على تلك الطاولة القدر الكافي لتلك الاتفاقية، ولأنهم لم يفعلوا ذلك ما زلنا نعيش مشاكلها"، في إشارة إلى الجزر اليونانية القريبة من السواحل التركية في بحر إيجة. أما رئيس الوفد التركي المفاوض في معاهدة لوزان التي تنازلت تركيا بموجبها عن معظم أراضي الدولة العثمانية محتفظة بحدودها الحالية، فقد كان ذراع أتاتورك الأيمن ورئيس الجمهورية التركية السابق، عصمت إينونو.

جاء ذلك بينما امتنع أردوغان عن زيارة قبر أتاتورك بعد تمرير التعديلات الدستورية، مكتفياً بإحياء التقاليد العثمانية بزيارة قبر الصحابي أبو أيوب الأنصاري في إسطنبول، حيث كانت تتم مراسم الجلوس على العرش للسلاطين، وكذلك قبور كل من السلطان محمد الفاتح والسلطان يافوز سليم (أول خليفة عثماني) وقبري أهم زعيمين لليمين التركي ممثلين بكل من رئيس الوزراء السابق عدنان مندريس الذي أعدمه انقلابيو 1960، وقبر الرئيس السابق تورغوت أوزال الذي لا يزال البعض يؤمن بأنه توفي في ظروف غير طبيعية.

تبدّلات "العدالة والتنمية"
خلال عام على مرور المحاولة الانقلابية، تعمّق إبعاد وتهميش ذوي التوجه الإسلامي في حزب "العدالة والتنمية"، بسبب التوتر الكبير والريبة اللذين أحدثتهما مشاركة حركة "الخدمة" الدينية الإسلامية لأول مرة في انقلاب عسكري في تركيا، على الرغم من أن أردوغان باعتباره تلميذ نجم الدين أربكان لم ينس أبداً العداء لفتح الله غولن على الرغم من تحالفه معه سابقاً، فلم تتمكن الحركة في أي وقت من الأوقات من أن تحصل على نفوذ كبير في الحزب.

وكانت استقالة حكومة أحمد داود أوغلو بسبب خلافات تتعلق برفض الأخير للنظام الرئاسي وسلطة رئاسة الجمهورية المتنامية على رئاسة الوزراء، قبل المحاولة الانقلابية، أحد أهم مفاصل تهميش الإسلاميين (كون داود أوغلو محسوبا على الإسلاميين أكثر من القوميين العثمانيين)، بعد أن قام أردوغان أيضاً بتهميش نائب رئيس الوزراء السابق بولنت أرينج، وكذلك رئيس الجمهورية السابق عبد الله غول في الحزب، ونائب رئيس الوزراء السابق علي باباجان. لتعود وتتوتر العلاقة مع التيار الإسلامي (المتشدد بالمعنى التركي) وبالذات ذاك الذي تمثله منظمة هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات (IHH)، والتي اعترضت على الصفقة التركية الإسرائيلية، فارتفع النقاش في وقت لاحق في نهاية إبريل/نيسان وبداية مايو/أيار الماضي في أوساط الكتّاب الموالين لـ"العدالة والتنمية" بين رافضٍ وداعٍ لإقصاء الإسلاميين "المتشددين" (مجدداً بالمعنى التركي).

وفي تعليقه على ذلك، قال أردوغان إن "المجموعات التي يتم الحديث عنها قد يكون بينها مؤسسون للحزب دعموه في الماضي، ولكني لا أظن بأنهم استمروا بدعم الحزب بالطريقة ذاتها، فلقد تغيّرت التوجّهات، إن رفاق الدرب والرفاق المخلصين لا يذهبون فقط إلى السوق ولكن يذهبون معاً إلى المقبرة، بعض (من تحدثتم عنهم) جاؤوا للسوق، ولكنهم نزلوا من القطار بعد ذلك… يقال إنه يتم إبعاد الإسلاميين ويجلبون من ليس إسلامياً، إن التفريق في عمل حزب بين إسلامي وغير إسلامي أمر خاطئ بالأساس، الأساس في الحزب السياسي أن يتم البحث عن المخلصين وذوي المبادئ والوطنيين".

كتل سياسية بدل الأحزاب

أعقب المحاولة الانقلابية نوع من الوحدة الداخلية التركية، وعلى الرغم من إيقاف "العمال" الكردستاني لعملياته ضد الجيش خلال ما يقارب أسبوعين بعد المحاولة الانقلابية، ورفض جناحه السياسي (حزب الشعوب الديمقراطي) للانقلاب ووقوفه إلى جانب الشرعية، إلا أن الرئيس التركي لم يلتق بأي من مسؤوليه بعد المحاولة الانقلابية ولم يدعهم لأي من التجمّعات المعارضة للانقلاب. وافق حزب "الشعب الجمهوري" (الكماليون) على الالتقاء مع "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" ضد الانقلاب، ولكنه حاول الحفاظ على تمايزه في معارضة الانقلاب، ودعا إلى عدم إقصاء "الشعوب الديمقراطي". ولكن حالة الوحدة الوطنية ما لبث أن انفرط عقدها، بدليل أن حزب "الشعب الجمهوري" لم تتم دعوته إلى احتفالات اليوم في ذكرى محاولة الانقلاب، لا بل إن لجنة برلمانية محسوبة على الحزب الحاكم اتهمته أول من أمس، بالتواطؤ مع الإنقلابيين. وسرعان ما تبلورت كتلة نيابية مكوّنة من "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية"، ونجحت في تمرير التعديلات الدستورية، لتنتقل السياسة الداخلية التركية، ربما، لأول مرة في تاريخها من ثقافة الأحزاب إلى ثقافة الكتل السياسية التي استمرت حتى الآن، بل تعمّقت.

ذات صلة

الصورة

سياسة

أثار اعتقال اللاعب الإسرئيلي ساغيف يحزقيل في تركيا أمس، ردود فعل غاضبة في إسرائيل، دفعت وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت لاتهام تركيا بأنها ذراع لحركة حماس.
الصورة

سياسة

كشفت وسائل إعلام تركية، اليوم الجمعة، تفاصيل إضافية حول خلية الموساد الموقوفة قبل أيام، مبينة أن هناك وحدة خاصة تابعة للموساد تشرف على "مكتب حماس في تل أبيب".
الصورة

سياسة

قال وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا، اليوم الأحد، إن إرهابيين نفذا هجوما بقنبلة أمام مباني الوزارة في أنقرة، مضيفا أن أحدهما قتل في الانفجار بينما قامت السلطات هناك "بتحييد" الآخر.
الصورة

منوعات

أعلنت السلطات الأمنية التركية، الأربعاء، أنّها أوقفت 27 مديراً ومحرراً صحافياً لحسابات إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد "قيامهم بترويج خطابات تحريضية تحرّض على الحقد والكراهية في المجتمع".