الجزائر: صدام حكومي حول ملف المهاجرين الأفارقة

الجزائر: صدام حكومي حول ملف المهاجرين الأفارقة

13 يوليو 2017
رئيس الحكومة يتعهد برعاية المهاجرين الأفارقة (فاروق بطيش/فرانس برس)
+ الخط -
تبدلت المواقف في الجزائر بشكل مفاجئ وسريع إزاء ملف تدفق المهاجرين الأفارقة، بما يطرح تساؤلات حول درجة الصراع بين أقطاب النظام وعدم قدرتهم على ضمان التماسك والانسجام داخل السلطة التنفيذية. فبعد أسبوع من تعهد رئيس الحكومة الجديد عبد المجيد تبون، برعاية المهاجرين الأفارقة ومحاسبة كل الأطراف التي تحاول إثارة الجدل حول وجودهم في الجزائر، وبعد إعداد مسودة قانون بشأن حق اللجوء، وإعلان وزير الداخلية نور الدين بدوي، باسم الحكومة، إحصاء المهاجرين الأفارقة ومنحهم حق العمل، برزت مواقف مناقضة لكل ذلك من قبل أطراف حكومية.

وأطلق أكثر من مسؤول رسمي مواقف يمكن إدراجها بالحملة على المهاجرين. وأعلن وزير الخارجية عبد القادر مساهل، الذي وصف تدفق المهاجرين الأفارقة في الجزائر ووجودهم "العشوائي" باعتبارهما خطراً على الأمن القومي. كما صرح رئيس ديوان الرئاسة أحمد أويحيى، بأن "هذه الجالية الأجنبية المقيمة بالجزائر بطريقة غير قانونية فيها الجريمة والمخدرات، فيها آفات كثيرة" وفق وصفه. وأضاف "نحن لا نقول للسلطات الجزائرية أنْ ترمي هؤلاء في البحر أو في الصحراء، لكن الإقامة في الجزائر يجب أن تكون بطريقة قانونية"، بحسب تعبيره.

لا تثير سرعة تباين المواقف بين رئيس الحكومة ورئيس ديوان الرئاسة، وبين وزير الداخلية ووزير الخارجية بشأن ملف المهاجرين الأفارقة، التساؤل عن دوافع هذا التباين وحسب، بل يدفع أيضاً إلى التساؤل عما إذا كان هناك تحول فعلي في تقدير الموقف بشأن الملف، واستشراف مخاطر تساهل السلطات الجزائرية إزاء استمرار تدفق المهاجرين الأفارقة إلى الجزائر، أم أن الأمر يتعلق بغياب انسجام حكومي سيخلق متاعب كبيرة لمجلس الوزراء الذي لم يتجاوز عمره الـ40 يوماً.

ويقدر مراقبون أن مشاكل سياسية بدأت تواجه رئيس الحكومة الجديد عبد المجيد تبون، الذي حاول سريعاً كسب رصيد شعبي عبر تصريحات نقدية تجاه سياسات الحكومات السابقة، وكشفه لعمليات هدر لما يقارب مليار دولار أميركي في مشاريع صناعية فاشلة، تتحمل مسؤوليتها الحكومة السابقة، فضلاً عن انتقاده لسياسة تصنيع السيارات التي ركزت عليها الحكومة السابقة.

وتربط تقارير محلية بين تصريحات تبون، التي اعتبرتها بعض الأطراف السياسية النافذة في النظام الجزائري، موجهة إليها ومعنية بها، وحالة التمرد السياسي الطارئ لوزير الخارجية ورئيس الديوان الرئاسي وخروجهما عن خط رئيس الحكومة، وتجاوزهما لخطابه السياسي إزاء ملف تدفق المهاجرين الأفارقة.


وتشير هذه التقارير إلى أن رئيس الحكومة الجديد خسر سريعاً انسجام فريقه الحكومي، ومن شأن هذه التطورات أن تؤثر على سيطرة تبون على فريقه الحكومي، وعودة ما كان يعرف بمجموعة وزراء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة داخل الحكومة، والتي شهدتها حكومات ما قبل عام 2014، لا سيما أن وزير الخارجية عبد القادر مساهل، هو من أبرز الوزراء المقربين من الرئيس بوتفليقة.

اللافت أنها المرة الأولى التي يحدث فيها تباين في المواقف الحكومية في الجزائر إزاء قضية لها أبعاد إقليمية ودولية، وتعتبر عادةً من الملفات الحساسة التي ليست موضع جدل أو نقاش حكومي. وفي السياق، يعتقد رئيس القسم السياسي لصحيفة "الخبر" الجزائرية، محمد شراق، بأن تصريحات أويحيى بشأن المهاجرين تشكل خروجاً واضحاً عن خط الحكومة والجزائر على الصعيد المبدئي والسياسي، وهي مثيرة للجدل بالنظر إلى التداعيات الدولية التي ستنجم عنها. ويضيف أن "رئيس ديوان الرئاسة أحمد أويحيى أخطأ التقدير في حديثه عن المهاجرين بصفته مسؤولا سياسيا".

ويلفت المحلل السياسي، بوعلام غمراسة، إلى خطورة تباين المواقف الحكومية بشأن ملفات ذات حساسية عالية على الصعيد الدولي، كقضية المهاجرين الأفارقة التي تتابعها أبرز الهيئات الحقوقية والإنسانية الدولية. ويقول إن "رئيس الحكومة تبون، يرحب بالمهاجرين الأفارقة، ورئيس الديوان الرئاسي أويحيى، يردّ بأن المهاجرين مصدر للجريمة والآفات، ووزير الخارجية مساهل، يذهب إلى أن وراء المهاجرين شبكات إرهابية ومافيا مخدرات، فما هو الوصف الذي يليق بالتالي بحكومة بلد تشهد هذا التضارب في تصريحات كبار مسؤوليها؟"، يتساءل غمراسة.

منذ اعتلائه السلطة عام 1999، وهو الرجل الذي قاد الدبلوماسية الجزائرية في سبعينيات القرن الماضي، استأثر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بمجمل الملفات الدبلوماسية، والملفات الداخلية ذات الصلة بالعلاقات الخارجية والبعد الدولي. ولم يكن بوتفليقة ليقبل إدارة أي طرف لملف دبلوماسي يخص أيضاً التزامات الجزائر الدولية. وفي عام 2010، عاتب الرئيس بوتفليقة، وزير قدماء المحاربين محمد الشريف عباس، بعد تصريحه العنيف ضد وزير الخارجية الفرنسي آنذاك، برنار كوشنير. وأصدرت الرئاسة الجزائرية حينها بياناً يؤكد مجدداً ويذكر بالصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية في الجزائر في ما يتعلق بالسياسات الدبلوماسية، وهو ما يشبه التحذير للوزراء والمسؤولين الحكوميين من الخوض في المسائل ذات الصلة بالشأن الدولي.



وفي سياق البحث عن تفسيرات سياسية للصدام الحكومي بشأن المهاجرين الأفارقة، هناك قراءات تتحدث عن إمكانية وجود تدخل رئاسي غير معلن لاستدراك تصريحات رئيس الحكومة، خاصةً أن تصريحات تبون، من شأنها أن تشجع مزيداً من المهاجرين الأفارقة على القدوم إلى الجزائر واستمرار تدفقهم بما ينطوي عليه من متاعب وأعباء اجتماعية ومالية. ويشير البعض إلى أن الجزائر ليست في وضع مالي مريح، يتيح لها التكفل بآلاف المهاجرين الأفارقة، خاصةً في ظل أزمة أسعار النفط والتراجع الحاد لعائدات الجزائر. وفي هذا الصدد، يعتبر المحلل السياسي، أحسن خلاص، أن "أويحيى ومساهل عبّرا عن الموقف الحقيقي للسلطة الجزائرية من موضوع المهاجرين الأفارقة، أما رئيس الحكومة تبون، فكان موقفه سلساً بالنظر إلى موقعه والسياق الذي جاء فيه، لا سيما إذا اعتبرنا أن مساهل وأويحيى هما من أبرز المقربين من المحيط الرئاسي"، وفق قوله.

وفي غياب أي إحصاء رسمي، تقدّر منظمات حقوقية محلية عدد المهاجرين الأفارقة في الجزائر، بينها "الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان"، بـ100 ألف مهاجر، وأن الجزء الغالب منهم من دولتي النيجر ومالي. ويقطع هؤلاء أكثر من 2500 ألف كيلومتر للوصول إلى المدن الجزائرية في الشمال، وجزء منهم يستكمل مسيرته إلى الحدود مع ليبيا أو المغرب في محاولة لركوب "قوارب الموت" والعبور إلى أوروبا. لكن الغالبية تستقر في الجزائر.

ولم تحسم السلطات الجزائرية ملف المهاجرين الأفارقة المستمر منذ سنوات. واتسم سلوكها السياسي إزاء هذا الملف بالتردد. وبعدما تحول هذا الملف إلى مادة خلافية في صلب النقاش المجتمعي والإعلامي، وأحدث شرخاً كبيراً في المواقف الشعبية بين مطالب بتنظيم وجود اللاجئين، وبين مطالب بترحيلهم، وصل الخلاف اليوم إلى قلب الحكومة بشكل غير مسبوق. والسؤال يبقى في معرفة كيف سيتم تجاوز سوء التفاهم الحاصل والتباين في المواقف.