دي ميستورا ينقل جدول أعمال أستانة إلى جنيف7

دي ميستورا ينقل جدول أعمال أستانة إلى جنيف7

11 يوليو 2017
دي ميستورا لدى وصوله إلى مقر الاجتماع(فابريس كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -
لا يتوقع أن تخرج جولة المفاوضات السورية الجديدة، التي انطلقت في مدينة جنيف السويسرية أمس الإثنين، بنتائج كبيرة، خصوصاً على صعيد جوهر المفاوضات، وهو الانتقال السياسي الذي يرفضه النظام وحلفاؤه، في ظل عدم اكتراث أميركي بالمفاوضات، وهو ما يجعلها تراوح مكانها، من دون تحقيق تقدم يذكر.

وتأتي الجولة الجديدة في ظل معطيات ميدانية، أبرزها اتفاق الهدنة في جنوب سورية، ما عزز مخاوف السوريين على مستقبل بلادهم، في ظل عجز أممي واضح عن فرض اتفاق سياسي على النظام الساعي إلى فرض ارادته عبر الحسم العسكري، معتبراً التفاوض في جنيف مجرد "لقاءات إعلامية" لا أكثر ولا أقل. وحاول دي ميستورا طمأنة الجميع على أن مناطق خفض التصعيد لن تؤدي إلى تقسيم سورية. وقال، في مؤتمر صحافي في جنيف في ختام اليوم الأول من المفاوضات، إن "عدم التصعيد يجب أن يكون مرحلة انتقالية في سبيل وقف شامل لإطلاق النار في البلاد، ويجب ألا ينال من وحدة أراضي سورية أو يؤدي إلى تقسيمها". وأعلن أن مرحلة إرساء الاستقرار في سورية قد تعقب مرحلة عدم التصعيد، وربما تكون لها الأولوية بعد تحرير الرقة. وقال "لا نتوقع أن يكون هناك إنجاز كبير لجنيف 7"، مشيراً إلى أن "عملية خفض التصعيد هي عملية مؤقتة، ولا تقوض وحدة سلامة أراضي سورية". وأشار إلى أنّ "وقف إطلاق النار في جنوب غرب سورية تقدم مهم، ونقطة فارقة في الأزمة السورية، وهناك مركز عمليات يراقب تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار". وأضاف "هناك حظوظ كبيرة لإنجاح اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب، وتجري اجتماعات في العاصمة الأردنية عمان لمتابعته وبحث تفاصيله".

ولفت دي ميستورا إلى أنّ "الوضع في إدلب صعب وهو قيد البحث والتفاوض"، مشيراً إلى أنّ "هدف المجتمعين في جنيف هو التوصل إلى إعلان بشأن المناطق الثلاث المشمولة بخفض التصعيد". وأوضح أنّ "الأمم المتحدة شعرت بالإحباط وخيبة الأمل في السنوات الست الماضية، لكن هناك الكثير من جوانب الأمل، وعملية خفض التصعيد ستساهم ليس فقط في إنجاح المفاوضات ولكن أيضاً في طمأنة السوريين". ورداً على سؤال عما إذا كانت نهاية حرب سورية قد حانت، قال دي ميستورا إن "الظروف مهيأة واحتمالات تحقيق تقدم الآن أكبر مما شهدناه في الماضي". وأعرب عن قلقه من "التوترات في الخليج، وهي تزيد من تعقيد الأزمة السورية، والأمين العام عبر عن أمله بأن يتم حل هذه التوترات". وقال دي ميستورا، رداً على سؤال عن الدستور السوري، وما إذا كان سيتم العمل بناء على الدستور الحالي أو وضع دستور جديد، "إنها زاوية يمكن أن نساعد الأطراف السورية على العمل عليها، إن كان عبر تعديل الدستور الحالي أو تحويره، أو إيجاد دستور جديد. وغالباً ما سيكون خليطاً من الأمرين".

وبدأت أمس جولة المفاوضات السابعة، التي ترعاها الأمم المتحدة بين المعارضة السورية والنظام، لمتابعة النقاش حول سلال التفاوض الأربع، وهي: الحكم، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب. وتبدي المعارضة السورية تخوفاً من تحول مسار جنيف برمته إلى اجتماعات لا طائل منها، خصوصاً أن النظام لم يقدم أي شيء يدل على رغبته في إنجاز اتفاق سياسي، إذ لا يزال يعتبر التفاوض مجرد "حوار سوري سوري"، ويرفض الحديث عن انتقال سياسي وفق بيان "جنيف1" الذي يدعو إلى تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات تنتقل إليها صلاحيات رئيس الجمهورية. ولم تنجح ست جولات من المفاوضات غير المباشرة بين المعارضة السورية والنظام، عقدت منذ العام 2014 في جنيف برعاية الأمم المتحدة، في تجسير هوة كبيرة بين طرفي الصراع في سورية، إذ لا يزال التفاوض يراوح مكانه بسبب وجود عقدة كبيرة أمامه، وهي مصير بشار الأسد، وأركان حكمه. وكانت الجولة الأخيرة من مفاوضات جنيف قد انتهت في 19 مايو/أيار الماضي من دون تحقيق أي تقدم لافت بسبب عدم وجود إرادة روسية أميركية تدفع المفاوضات قدماً، إذ لم تنضج بعد "الصفقة" الكبرى بين واشنطن وموسكو، والتي تتناول الكثير من الملفات العالقة في العالم، ضمنها الملف السوري.



أما عن مجريات اليوم الأول من المفاوضات، فقد أكد عضو الهيئة العليا للمفاوضات، أحمد العسراوي، الموجود في جنيف، أن دي ميستورا لم يقدم جدول أعمال واضحاً للجولة التفاوضية، مشيراً إلى أن وفد المعارضة سيجري لقاء رسمياً مع دي ميستورا اليوم. والتقى دي ميستورا في جنيف أيضاً رئيس وفد النظام إلى المفاوضات، بشار الجعفري. وأكد العسراوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن النظام "غير جاد في التفاوض"، مضيفاً أن "التفاوض الحقيقي يبدأ عندما نجلس مع وفد النظام حول طاولة واحدة"، معرباً عن اعتقاده بأن الجولة الحالية "لن تشهد اختراقات هامة" من شأنها تقريب موعد اتفاق على حل سياسي شامل. وأشار العسراوي إلى أن الاتفاق الرباعي بين روسيا وأميركا والأردن وإسرائيل حول الهدنة في جنوب سورية "لم ينعكس لا سلباً ولا إيجاباً" على مفاوضات جنيف. وقال "هو اتفاق غير واضح، يثير مخاوف السوريين على مستقبل بلادهم"، منوهاً إلى أن صيغة الاتفاق غامضة، وترسم عدة تساؤلات، فـ"هل هو إرساء لمنطقة آمنة؟ أم تقسيم سورية إلى مناطق نفوذ ومحاصصة إقليمية ودولية؟"، مبدياً خشية من استبعاد منطقة شرقي الفرات التي تسيطر عليها الوحدات الكردية من مناطق خفض التوتر، موضحاً أن "هذا يولد لدينا الشك حول مساعٍ تستهدف وحدة سورية، واعتبارها جزءا من الأمة العربية الواحدة".

ولا يزال التباين كبيراً بين المعارضة والنظام حول السلال الأربع، إذ تصر المعارضة على استبعاد الأسد من أي تسوية مقبلة، وتشكيل هيئة حكم مشتركة تضم شخصيات من المعارضة والنظام لم تتلطخ أياديها بدماء السوريين. وتستند المعارضة على مرجعيات دولية، منها بيان "جنيف1" وقرارات دولية أخرى ذات صلة، أبرزها القراران 2218 و2254، يحاول النظام إفراغها من مضامينها من خلال تفسيرات تدفع باتجاه تثبيت حكم عائلة الأسد في سورية. وتصر المعارضة على أن هيئة الحكم هي الجهة المخولة بالإشراف على كتابة دستور جديد للبلاد تجري على أساسه انتخابات، فيما يطرح النظام فكرة تعديل دستور وضعه في 2012، وإجراء انتخابات على أساسه، بمشاركة بشار الأسد، وهو ما ترفضه المعارضة بالمطلق. وترى المعارضة أن سورية غير مهيأة الآن لإجراء انتخابات تحت إشراف أممي، إذ شرد النظام ملايين السوريين، خصوصاً الرافضين لوجوده، ودمر مدناً بشكل كامل، وباتت سورية ميدان صراع دولي واقليمي. وتدعو إلى فترة انتقالية تهيئ البلاد خلالها للانتخابات، يتم خلالها تفكيك أجهزة النظام الأمنية. كما تعتبر المعارضة النظام أساس الإرهاب في سورية، وأبرز داعميه، مستشهدة بوجود العشرات من المليشيات الطائفية التي تشاركه في قتل السوريين منذ سنوات.

وحاول وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، التلاعب بالحقائق، معرباً عن ترحيب بلاده "بتوحيد جهود منصات موسكو والقاهرة والرياض للمعارضة السورية في محادثات جنيف". وقال "للمرة الأولى شاركت في المشاورات الفنية كافة المجموعات الرئيسية المعارضة، موسكو والقاهرة، وما يسمى الهيئة العليا للمفاوضات، التي كانت حتى الآن تعتبر أنه لا يشرّفها العمل مع المعارضين الذين يمثلون منصتي موسكو والقاهرة. نرحب بهذا التغيير بنشاط". وكان وفد من الهيئة العليا للمفاوضات، الممثلة للمعارضة السورية، قد عقد اجتماعاً تقنياً في لوزان مع باحثين دوليين، بهدف دعم جهود المعارضة السورية لإعداد رؤية حول مستقبل سورية وكيف يمكن أن تؤول الأوضاع فيها عقب إكمال عملية الانتقال السياسي، مع تقديم رؤية لتعزيز العملية التفاوضية تحت مظلة جنيف. وأكد لافروف أن مركز مراقبة مناطق خفض التصعيد الجاري تأسيسه في عمان سيتواصل بشكل مباشر مع الحكومة والمعارضة السورية، مشيراً إلى أن الاتفاق النهائي بشأن منطقتي حمص والغوطة الشرقية بات قريباً مع استمرار المفاوضات حول منطقة خفض التصعيد شمالي إدلب.

من جانبه، قال الرئيس التنفيذي لـ"حزب الجمهورية"، مضر الدبس، في حديث مع "العربي الجديد"، "يبدو أن التوجه الدولي، الذي يقبع خلف الاتفاق الروسي الأميركي، هو تشكيل مناطق نفوذ مختلفة في سورية، تتشكل وفق مصالح هذه الدول الكبرى وتقاطعاتها الاقليمية، الأمر الذي يحمل مخاطر عديدة بالنسبة إلى مستقبل سورية والسوريين"، موضحاً أن أهم هذه المخاطر التي قد تنتج عن هذا الاتفاق هي المساهمة بتفكيك النسيج الوطني السوري على المستويين السياسي والاجتماعي. وأضاف "وفق هذه المعطيات تصبح مسألة تكوين قوة سياسية سورية وطنية ومتماسكة، من أهم أولويات العمل في هذه المرحلة"، مبيناً أنه "لا بد لهذه القوة من امتلاك المؤهل الذاتي الذي يمكنها من تحديد المصلحة الوطنية السورية وفرضها دولياً وإقليمياً". وطالب الدبس بأن يتم الانتقال من العمل تحت لافتة "قوى المعارضة"، إلى العمل وفق ما يمليه مبدأ المصلحة الوطنية المرسومة والمحددة بدقة وموضوعية، أي بمعنى آخر لا بد من إدراك المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق السياسيين السوريين لإنقاذ الخيار الوطني السوري، بوصفه الخيار الوحيد الضامن لحرية السوريين وكرامتهم. وأوضح أن هذا الانتقال الضروري هو ما تمليه تعقيدات المسألة السورية، و"انتقالها من حالة ثورة ضد طغمة حاكمة إجرامية، إلى ثورة أخلاقية عالمية ضد تعقيدات وإخفاقات المجتمع الدولي"، الذي يواجه في سورية "انتكاسة أخلاقية" بكل ما في الكلمة من معنى.

وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، إنه يجب توسيع اتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا على وقف إطلاق النار في جنوب سورية، ليشمل كافة أنحاء البلاد حتى ينجح. وقال قاسمي "يمكن أن يكون اتفاق (وقف إطلاق النار) مثمراً إذا تمت توسعته ليشمل كافة أنحاء سورية، ويضم كل المنطقة التي ناقشناها في محادثات أستانة لعدم تصعيد التوتر". وأضاف "تنشد إيران سيادة وأمن سورية، لذا فلا يمكن أن ينحصر وقف إطلاق النار في موقع محدد. لن ينجح أي اتفاق من دون أخذ الحقائق على الأرض في الاعتبار". وأعلن أن الروس أبلغوا إيران بتفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار، لكن طهران ترى بعض "نقاط الغموض في الاتفاق، خصوصاً ما يتعلق بإجراءات أميركية في سورية أخيراً".

واستفاد النظام السوري من عدم تحديد مناطق خفض التصعيد وعدم شمول تنظيم "داعش" بوقف إطلاق النار، لشن هجوم على مناطق المعارضة في منطقة السويداء في جنوب سورية، وذلك بعد ساعات من دخول اتفاق أميركي روسي بشأن الهدنة في المنطقة حيز التنفيذ. وأطلقت قوات النظام السوري، أمس الإثنين، هجوماً ضد الفصائل المعارضة في محافظة السويداء، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، فيما ذكر الإعلام التابع للنظام أن العملية تستهدف تنظيم "داعش". وأفاد المرصد أن "قوات النظام بدأت هجوماً صباح الإثنين على الريف الشمالي الشرقي لمدينة السويداء، ترافق مع قصف للطائرات الحربية على مناطق الهجوم". وتتواجد في ريف السويداء فصائل معارضة تتلقى دعماً من التحالف الدولي، بقيادة أميركية. وتمكنت قوات النظام، وفق المرصد، من السيطرة على عدد من القرى والبلدات والتلال كانت تحت سيطرة الفصائل المعارضة.