قضية تيران وصنافير تدخل مرحلة "التجميد"... وحصار حكومي للغضب

قضية تيران وصنافير تدخل مرحلة "التجميد"... وحصار حكومي للغضب

26 يونيو 2017
الحكم ببطلان الاتفاقية رهن استعادة استقلالية القضاء(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
دخلت قضية تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير منعطفاً جديداً مع مصادقة الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، مساء الأحد، قبل ساعات من عيد الفطر، على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية وإصدارها رسمياً. والخطوة لم تكن مفاجئة بحد ذاتها، بل تؤكد ما نشرته "العربي الجديد" مطلع الشهر الحالي بشأن اتجاه السيسي ودائرته لإنهاء إجراءات هذا الملف تماماً قبل عيد الفطر. ويريد النظام المصري استغلال حالة التردي الاقتصادي وانشغال المواطن المصري بفترة شهر رمضان والأعياد لتمرير الاتفاقية من دون مشاكل جماهيرية أو حشد ميداني، حتى لا تتكرر التظاهرات الواسعة التي حدثت عقب التوقيع على الاتفاقية في إبريل/نيسان من العام الماضي.

ويسود الهدوء الحذر في أوساط الحكومة المصرية عقب مصادقة السيسي على الاتفاقية. ويقول مصدر بهيئة قضايا الدولة التي تولت الدفاع عن الحكومة في القضية أمام المحاكم المصرية، إن "الملف أغلق بشكل مؤقت ودخلنا استراحة ستطول حسب المواءمات السياسية والتفاهمات بين النظام السياسي من ناحية والمحكمة الدستورية العليا من ناحية أخرى، لا سيما بعدما أكدت المحكمة ضمنياً عبر تقرير هيئة المفوضين الذي أودع في دعوى تنازع الأحكام المتناقضة التي أقامتها الحكومة، أن المحكمة الدستورية هي الجهة الوحيدة المختصة بالرقابة القضائية على الاتفاقية بعد إبرامها"، بحسب المصدر. ويضيف أنه من المتوقع الآن أن يقوم معارضو الاتفاقية بالطعن بها أمام مجلس الدولة. ويلفت إلى أن الطعن قد يأتي على شكل دعوى ضد قرار نشر الاتفاقية في الجريدة الرسمية واعتباره مخالفاً لحكم الإدارية العليا الصادر في يناير/كانون الثاني الماضي. ومن المتوقع أيضاً أن يستمر مجلس الدولة على موقفه المعارض للاتفاقية، وأن يحيلها إلى المحكمة الدستورية للبت في دستوريتها، على حد قول المصدر. لكن التجارب السابقة للمحكمة الدستورية في هذا المجال تؤكد أنها لا تبت بسرعة في مثل هذه الاتفاقيات الدولية، خاصةً إذا كانت تتصل بعلاقة مصر بدول أخرى صديقة، حفاظاً على استقرار الأوضاع المترتبة على هذه الاتفاقية، بحسب ما ذكر المتحدث نفسه.

ويشير المصدر إلى أن المحكمة الدستورية لم تفصل حتى الآن في اتفاقية أحالتها إليها محكمة القضاء الإداري عام 2013، وهي تتعلق بـ"الاتفاق الإطار" بين مصر والاتحاد الأورو-متوسطي الذي كان يقضي بإمكانية توطين مواطني دولة طرف ثالث غير مصر والاتحاد على الأراضي المصرية. وهذا الاتفاق كان أبرم في عهد الرئيس المخلوع، حسني مبارك، وأقره مجلس الشعب، وتداولت وسائل الإعلام العالمية والإسرائيلية آنذاك معلومات عن احتمالية استغلاله في توطين الفلسطينيين على أراضي سيناء في إطار حل نهائي للقضية الفلسطينية، أو على الأقل منح أعداد كبيرة من مواطني فلسطين حق الإقامة الدائمة في مصر مقابل منح دعم مالي للقاهرة.


ويؤكد المصدر أن المحكمة الدستورية ليست ملزمة بالفصل في قضاياها خلال وقت معين. لكنه يرى أن سرعة المحكمة في اتخاذ قرار بوقف تنفيذ جميع الأحكام المتناقضة من مجلس الدولة ومحكمة الأمور المستعجلة في القضية "يعكس اتجاه المحكمة غير المقتنع بحكم بطلان التنازل عن الجزيرتين، كما يعكس تناغماً في المواقف بينها وبين النظام في الوقت الحالي، على عكس فترات سابقة لم تكن المحكمة فيها على وفاق مع النظام السياسي، أو تتسم العلاقة بينهما بالبرود"، على حد تعبيره. ويكشف عن أن الدائرة الشخصية للسيسي تستفيد من العلاقة القوية بين وزير العدل، حسام عبدالرحيم، المعروف بصداقته لشقيق السيسي القاضي أحمد السيسي، وبين رئيس المحكمة الدستورية، عبدالوهاب عبدالرازق، بحيث يتم التنسيق سياسياً بشأن توقيت صدور قرارات المحكمة وتحريك القضايا أو تجميدها. وأكد أن هذه العلاقة أثمرت حتى الآن عدداً من القرارات المتعاقبة التي تعكس تنسيقاً متقدماً بين النظام والمحكمة الدستورية، وفق المصدر.

ويسرد المصدر المصري في هذا السياق، أمثلة عدة؛ فعلى التوالي، أصدرت المحكمة الدستورية، بحسب قول المصدر، قرارات بإعادة قضايا التحفظ على أموال جماعة "الإخوان المسلمين"، والطعن على قانون العقود الإدارية، والطعن على قانون الطوارئ، إلى هيئة مفوضي المحكمة بحجة استكمال تحضيرها ووجود مستجدات تقتضي إعادة بحثها، على الرغم من انتفاء هذه المبررات عملياً. ويضيف أن ذلك أدى إلى تجميد هذه القضايا التي سيؤدي صدور الأحكام فيها إلى حرج بالغ للحكومة، لا سيما في ما يتعلق بملف أموال جماعة "الإخوان"، والتي امتنعت المحكمة الدستورية عن الفصل فيه. ولفت إلى أن هذه المحكمة تركت هذا الملف عرضةً لاستمرار تناقض الأحكام بين مجلس الدولة ومحكمة جنايات القاهرة، انتظاراً لفصل محكمة النقض في عدد كبير من قرارات الإدراج على قائمة الإرهاب.

كما أكسبت أحكام متوالية للمحكمة حصانة لتشريعات يستخدمها النظام في التنكيل بمعارضيه، بدءاً من تأييد مواد العقوبات بقانون التظاهر، على الرغم مما يشوبها من تشدّد، لا سيما في مجال الغرامات، ثم تأييد إجراءات اشتراط الإخطار للقيام بالتظاهرات، وتأييد مواد العقوبات في "قانون البلطجة" الذي تستخدمه النيابة والمحاكم على نطاق واسع في قضايا التظاهر والعنف كباب إضافي لتشديد العقوبة، بحسب رواية المصدر نفسه. ويضيف أن النظام المصري يستفيد أيضاً من أحكام المحكمة الدستورية التي أعطت تأييدها لتحكّم القضاء العسكري في هوية الملتحقين بالكليات العسكرية وإقصاء مجلس الدولة من نظر منازعات الالتحاق بهذه الكليات، مما يعني تحكم وزارة الدفاع بشكل كامل في تحديد الملتحقين بهذه الكليات واستبعاد من لا تحلو لها انتماءاته الشخصية أو انتماءات أسرته أو عائلته الواسعة، وذلك في إطار تنفيذ تعليمات سابقة للسيسي بالتأكد من عدم انتماء أقارب أي طالب عسكري أو شرطي للتيار الإسلامي، على حد تعبير المتحدث نفسه.

وفي السياق، يقول مصدر حكومي مصري إن حصر المواجهة القانونية في قضية تيران وصنافير داخل المحكمة الدستورية أمر مريح للحكومة، لكنه في الوقت ذاته مقلق على المدى الطويل. ويشرح رأيه هذا بقوله إن الأوضاع السياسية إذا تغيرت، أو إذا تولى أحد القضاة المعروفين باستقلال رأيهم، رئاسة المحكمة قريباً، فمن شأن ذلك أن يطرح احتمالات صدور حكم مستقبلي ببطلان الاتفاقية، وهو ما سيضع النظام السياسي كله في مأزق حرج.

وعن احتمالات استغلال أي حكم مقبل سواء من المحكمة الدستورية أو من مجلس الدولة، في المطالبة بإعادة الجزيرتين إلى مصر، يؤكد المصدر الحكومي أن الأمر كله مرتبط باستمرار النظام السياسي، واستمرار تبعية القاهرة للرياض سياسياً واقتصادياً. ويوضح أن لا قيمة لأي حكم طالما استمر الوضع كما هو، مع ملاحظة أن موافقة مجلس النواب – وهو السلطة التشريعية المنتخبة – على تسليم الجزيرتين، سيعقّد موقف المطالبة مستقبلاً باستعادة الجزيرتين، لأن التحكيم الدولي لا يكترث عادةً لادعاء النظم السياسية بحدوث مخالفة قانونية من قبل الأنظمة السابقة في المعاهدات التي أبرمتها طالما وافقت السلطة التشريعية عليها.

لكن المصدر يلفت إلى أنه "لا يمكن الجزم بأن هذا الوضع سيستمر للأبد، فمن الممكن تغير موازين القوى في أي لحظة، خاصةً إذا لم تقد التحركات السياسية الجارية بين مصر والسعودية وإسرائيل وأميركا إلى التغير المنشود في خارطة المنطقة بتقارب أكبر بين العرب وإسرائيل على حساب الفلسطينيين، لكن في كل الأحوال سيكون استرداد الجزيرتين صعباً لا سيما بالطرق القانونية"، وفق اعتقاده.

وعن الإجراءات المقبلة لتنفيذ الاتفاقية، يوضح المصدر أن "السيسي طلب من الرياض قبل عدة أشهر عدم اتخاذ أي إجراءات علنية في نقل تبعية الجزيرتين كإنزال الأعلام ورفعها، لعدم استفزاز مشاعر المصريين والحفاظ على استقرار حكمه، وأن الرياض لم تطلب العكس حتى الآن رسمياً، على الرغم من وجود تقديرات إعلامية بإجراء احتفال سعودي مطلع الشهر المقبل". ويستدرك قائلاً إن الإجراءات الأمنية والعسكرية قد اتخذت بالفعل منذ فترة في إطار إعادة تمركز القوات المصرية والدولية في مضيق تيران.

ويؤكد المصدر أن هناك اتجاهاً في الحكومة لتأجيل اتخاذ قرارات رفع أسعار الكهرباء وتخفيض دعم المحروقات والذي كان من المقرر اتخاذه في شهر يوليو/تموز المقبل إلى أغسطس/آب أو سبتمبر/أيلول، لتهدئة الرأي العام وامتصاص غضب المواطنين عبر تفعيل قرارات زيادة المعاشات والعلاوات الحكومية، حتى لا تتراكم أسباب غضب الشارع في وجه النظام.

ونجح السيسي من خلال الإسراع في مناقشة وتمرير الاتفاقية ثم المصادقة عليها خلال النصف الأخير من شهر رمضان، في محاصرة الغضب الشعبي وعدم السماح بخروج تظاهرات ضخمة ضد التنازل عن الجزيرتين، ودعم موقفه بالتقرب إلى وزارة الداخلية وتحفيزها على التشدد في مواجهة التظاهرات من خلال القبض العشوائي على المواطنين مساء 14 يونيو/حزيران الحالي، عقب إقرار الاتفاقية ثم القيام بعمليات مداهمة لمنازل مئات الناشطين والقبض على عدد منهم قبل أيام من عيد الفطر.

المساهمون