قائمة "المطالب": محاولة مكشوفة لفرض الهيمنة على قرار قطر

قائمة "المطالب": محاولة مكشوفة لفرض الهيمنة على قرار قطر

24 يونيو 2017
تمكنت قطر من التغلب على الحصار (كريم جعفر/فرانس برس)
+ الخط -
تحت وطأة الضغوط المتزايدة على معسكر التصعيد ممثلاً بالرياض وأبوظبي والمنامة ضد الدوحة لعدم قدرته على تبرير حملته المفتعلة ضد قطر، بما في ذلك حصارها وتلفيق الاتهامات لها، قدم محور التصعيد، بعد ثلاثة أسابيع على حملته، لائحة بما يسمى "13 مطلباً" تضمّنت، بحسب التسريبات التي تداولها الإعلام، "خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران"، وإغلاق القاعدة العسكرية التركية، فضلاً عن إغلاق كافة قنوات الجزيرة وعدد من وسائل الإعلام بينها موقع وصحيفة "العربي الجديد". وبدت هذه "المطالب" أقرب إلى محاولة من معسكر التصعيد للهروب إلى الأمام من المأزق الذي وضع نفسه فيه، نظراً لما تضمنته "المطالب" من محاولة صريحة ومكشوفة لفرض الوصاية على قطر والمساس بسيادتها عبر السعي إلى التحكم في سياستها، ما جعل المطالب تمثل "شروط استعمار جديد".

وأكدت قطر في ردها الرسمي الذي جاء  في بيان وزارة الخارجية اليوم السبت بأن دولة قطر تعكف على دراسة قائمة "المطالب" من دول الحصار وستسلم الكويت ردها.

وكانت قطر حاسمة منذ اللحظة الأولى لبداية الأزمة في تأكيد رفضها التنازل عن استقلالية سياستها الخارجية، فضلاً عن ضرورة رفع الحصار عنها.



ويشير التوقف عند محتوى القائمة التي حصلت وكالة "أسوشيتد برس" على نسخة منها باللغة العربية، فضلاً عما نشرته وكالة "رويترز"، إلى مدى فشل معسكر التصعيد في تقديم أي تفاصيل بشأن اتهاماته المفترضة والمتكررة ضد قطر، ويؤكد مجدداً أن كل ما يحدث يصبّ في خانة تعمّد افتعال أزمة مع قطر، وهو ما كانت وزارة الخارجية الأميركية قد حذّرت منه على مدى الأيام الماضية، وصعّدت من ضغوطها على هذا المعسكر، الأمر الذي دفعه إلى تقديم لائحة "مطالب" فضفاضة يدرك جيداً استحالة قبول الدوحة بها.

وإداركاً للمصير التي ستؤول إليه هذه "المطالب" بسبب ما تتضمّنه من تجاوز على سيادة قطر، وفي انعكاس واضح للقرار باستمرار التصعيد ضد الدوحة وتجاهل مختلف دعوات التهدئة، لم تمر ساعات على بدء التداول في "المطالب" حتى سارع معسكر التصعيد، عبر وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، إلى شنّ هجوم إضافي على قطر، بالقول إن تسريب المطالب، والذي اتهم قطر بالمسؤولية عنه، "يسعى إلى إفشال الوساطة". واعتبر أن "الخيارات أمام الشقيق واضحة، هل يختار محيطه واستقراره وازدهاره؟ أم يختار السراب والازدواجية وعزلته عن محيطه؟ لعل الحل في افتراق الدروب؟"، قائلاً إن "الطلاق واقع"، إذا لم يتم التعامل مع هذه المطالب. وجاءت هذه الاتهامات في الوقت الذي أكدت فيه وكالة "رويترز"، والتي نقلت جزءاً من مضمون المطالب، أن مسؤولاً في إحدى الدول العربية التي تفرض حصاراً على قطر كشف لها عن قائمة المطالب.

كذلك استدعت اتهامات قرقاش رداً من مدير المكتب الإعلامي في وزارة الخارجية القطرية، أحمد بن سعيد الرميحي، والذي أشار في تغريدة نشرها على موقع "تويتر" بإصبع الاتهام إلى دول الحصار وقناة العربية بالتسريب. ولفت إلى أن من فبرك بيان أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني عبر اختراق وكالة الأنباء القطرية ليس بعاجز عن تسريب المطالب لوكالات الأنباء. واعتبر أن استباق الرد على الطلبات عبر تسريبها يكشف سوء نيّاتهم وضعف حجتهم.


قائمة المطالب

ووفقاً لقائمة المطالب، فإنه يتوجّب على قطر "خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران وإغلاق الملحقيات، ومغادرة العناصر التابعة والمرتبطة بالحرس الثوري الإيراني من الأراضي القطرية، والاقتصار على التعاون التجاري مع إيران، بما لا يخل بالعقوبات المفروضة دولياً وأميركياً على إيران". وهو الأمر الذي يعدّ تدخلاً مباشراً في صلب السيادة القطرية. فيما كان لافتاً أن القائمة خلت من أي إشارة لاستهداف العلاقات التجارية مع إيران، الأمر الذي يعكس حرصاً على مراعاة مصالح الإمارات، إذ تعتبر الإمارات الشريك الثاني لإيران بعد الصين، ويوجد فيها مئات آلاف الإيرانيين.

أما المطلب الثاني لمعسكر التصعيد فنصّ على قيام قطر بالإغلاق الفوري للقاعدة العسكرية التركية، ووقف أي تعاون عسكري مع تركيا على الأراضي التركية، وهو ما استدعى موقفاً سريعاً من وزير الدفاع التركي، فكري إشك، والذي أكد أنه لم يطلع بعد على قائمة الطلبات التي تم تقديمها لقطر بشكل رسمي، لكنه أشار إلى أنه لو كان وجود شرط إغلاق القاعدة العسكرية التركية في الأراضي القطرية بين الشروط فإنه سيتم اعتباره تدخلاً في العلاقات التركية القطرية. وأضاف "إن هذا يعتبر مظهراً من مظاهر علاقات القوة بين الدول"، لافتاً إلى أن "القاعدة التركية في قطر تأتي في إطار تدريب القوات القطرية والحفاظ على أمن قطر والمنطقة، ولا يوجد الآن أي أفكار عن إعادة النظر في هذا الاتفاق (اتفاق التعاون الدفاعي التركي القطري)".

أما ثالث "المطالب" فتضمن "إعلان قطر قطع علاقاتها مع كافة التنظيمات الإرهابية والطائفية والأيديولوجية وعلى رأسها (الإخوان المسلمين - داعش - القاعدة - فتح الشام - حزب الله، وإدراجهم ككيانات إرهابية...". وكانت قطر قد نفت أكثر من مرة صحة الاتهامات الموجهة إليها في هذا الشأن، بما في ذلك، تأكيد وزير الخارجية القطري، محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، خلال حديث مع قناة "فرانس 24"، أول من أمس، أن هذا الاتهام "غير صحيح وغير مقبول". وذكّر بأن "دولة قطر لاعب فاعل في التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش ودورها في هذا الخصوص مشهود له في كافة ساحات المنطقة". وشدّد على أن دولة قطر لم تدعم جبهة "النصرة" في سورية ولا تنظيم "القاعدة" ولا أي تنظيم إرهابي.

وبخصوص الإخوان المسلمين، أوضح وزير الخارجية القطري أن قطر لم تدعم جماعة "الإخوان" بل دعمت الحكومات، سواء أكان الإخوان المسلمون جزءاً من هذا الحكومة أم لا.

وأوضح أنه لا يوجد في قطر تنظيم للإخوان ولا سياسيون من ذلك التنظيم، علماً بأن هناك حكومات في بعض الدول العربية يساهم فيها الإخوان وهناك حكومات أخرى يقودها الإخوان.


وتساءل "لماذا يتم اتهام قطر بدعم الإخوان وهي التي تدعم تونس حتى الآن بغض النظر عن وجود الإخوان في حكومتها أو لا؟ كما دعمت مصر خلال تولي المجلس العسكري برئاسة المشير محمد طنطاوي، وكذلك بعد الانقلاب العسكري إبان رئاسة عدلي منصور، لذلك فإن اتهام قطر بدعم الإخوان هو اتهام مرسل وغير مثبت". ولفت إلى أن بعض دول مجلس التعاون تعتبر جماعة "الإخوان" حركة إرهابية، فيما "دولة قطر وبعض الدول الأخرى داخل المجلس تعتبرها حركة سياسية وليست إرهابية".

ومن ضمن المطالب الإضافية "تسليم جميع الأفراد المطلوبين من قبل الدول الأربع (السعودية، الإمارات، البحرين، مصر)"، فضلاً عن "تسليم قطر معلومات مفصّلة عن معارضين موّلتهم قطر".

وتضم اللائحة مطالبة قطر بأن "تكون منسجمة مع محيطها الخليجي العربي على كافة الأصعدة (عسكرياً - سياسياً - اقتصادياً - اجتماعياً - أمنياً". مع العلم أن وزير الخارجية القطري، كان قد شدد في لقائه مع قناة "فرانس 24" على "أن الحديث عن عدم التزام قطر باتفاق 2014 (الذي أنهى أزمة سحب السفراء) هو مسألة خاطئة تماماً". وأردف "ولو كان هناك عدم التزام بذلك الاتفاق كما يدّعي بعض مسؤولي الدول الخليجية فينبغي أن تكون هناك آليات لبحثه، هذا إن كان هناك عدم التزام فعلاً".

كذلك لم تطلب القائمة من قطر إغلاق قناة الجزيرة فحسب، بل جميع القنوات التابعة لها، فضلاً عن "إغلاق كافة وسائل الإعلام التي تدعمها قطر بشكل مباشر أو غير مباشر. ومن بينها موقع عربي 21، رصد، وميدل إيست أي، والعربي الجديد، ومكملين". وقد استدعى هذا المطلب رداً من شبكة تلفزيون الجزيرة، والتي وصفت المطلب بأنه "ليست سوى محاولة لإسكات حرية التعبير في المنطقة".

وكان لافتاً أن المطالب المسربة تضمنت منح قطر عشرة أيام للامتثال لجميع المطالب، والتي تشمل دفع تعويضات غير محددة، وإلا تعتبر لاغية. وإذا وافقت قطر على هذه المطالب، يتعين عليها إعداد تقارير متابعة دورية مرة كل شهر للسنة الأولى، ومرة كل ثلاثة أشهر للسنة الثانية، ومرة كل سنة لمدة عشر سنوات، في دليل إضافي على دوافع الحملة التي تتعرض لها قطر، والتي تحاول فرض الوصاية عليها.

مع العلم أن وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، سبق أن أعلن أن المطالب يجب أن تكون "معقولة وقابلة للتنفيذ".

دوافع الحملة

وفي السياق، قال السفير القطري لدى الولايات المتحدة، مشعل بن حمد آل ثاني، إن الحصار الدبلوماسي والاقتصادي والاجتماعي الذي فرضته دول خليجية على بلاده، والادعاءات بأنها تدعم الإرهاب وأنها حليف سري لإيران، مجرد تمويه لمحاولة انتهاك سيادتها ومعاقبتها على استقلاليتها، مشدداً على أن قطر أكدت منذ اليوم الأول أن الحصار لا علاقة له بالاتهامات الموجهة ضد بلاده.

وقال السفير القطري، في مقال له نُشر بصحيفة "واشنطن بوست"، إن السعودية والإمارات وصفتا حملتهما المناهضة لقطر بأنها محاولة لإجبارها على التخلي عن "دعمها للإرهابيين"، على الرغم من أنهما تعرفان أن قطر لا تؤيد الإرهاب ولم ولن تؤيده أبداً، وتعرفان أن الإرهاب يشكل تهديداً لقطر كما هي الحال بالنسبة لهما ولكل الدول الأخرى.

والكذبة الثانية الكبيرة، كما يقول، في حملة التشويه هذه هي أن قطر حليف سري لإيران، لافتاً إلى أن السعودية والإمارات وكل حكومات الخليج لديها علاقات دبلوماسية وتجارية معها، والواقع أن أكبر شريك تجاري لإيران هو الإمارات، الدولة التي تتزعم الحصار ضد قطر، وأضاف أن الأهم من ذلك هو أن قطر كانت تقدم دعماً حيوياً للمعارضة في سورية التي تقاتل ضد قوات الحكومة المتحالفة مع إيران.

واستطرد بأن الدول المحاصرة لقطر تسعى بهذا التمويه إلى عزلها ومعاقبتها على استقلالها، والثأر منها لدعمها التطلعات الحقيقية للشعوب ضد الطغاة والمستبدين.
بدوره، جدد السفير القطري لدى ألمانيا، سعود بن عبدالرحمن آل ثاني، تمسك دولة قطر بموقفها المعروف تجاه الأزمة في منطقة الخليج، وذلك برفع الحصار ثم الحوار، واضعاً الحملة على قطر في سياق محاولة الهيمنة على القرار السيادي القطري وفرض الوصاية على السياسة الخارجية لبلد مستقل وصاحب سيادة والتدخل في شؤونه الداخلية ومحاربة الإعلام الحر ومبدأ التعبير عن الرأي.

وأعاد التأكيد على تمسك دولة قطر بالثوابت السياسية تجاه هذه الأزمة التي تنتهجها، وهي ضبط النفس وعدم الانجرار إلى اتخاذ إجراءات مماثلة واحترام حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان المجاورة ومواصلة تعميق العلاقات التاريخية مع دول مجلس التعاون الخليجي والعالم العربي بالإضافة إلى الدفاع عن حقها في نهج سياسة خارجية مستقلة تدعم الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.

واعتبر السفير أن قرار المقاطعة الذي اتخذته بعض الدول العربية يخالف القوانين والمعاهدات الدولية حول حقوق الإنسان ويعرض الدول المقاطعة لقطر إلى المحاسبة القانونية. كذلك فنّد الحجج الواهية التي ذكرتها هذه الدول مثل اتهامها لدولة قطر بدعم الإرهاب. ولفت إلى أن دول المقاطعة قامت بالاعتماد على الأخبار الكاذبة التي تم بثها بعد جريمة الاختراق الإلكتروني وقرصنة موقع وكالة الأنباء القطرية "قنا" بتاريخ 24 مايو/ أيار الماضي لتبرر حملتها ضد قطر واتخاذ إجراءات معادية مثل إغلاق الحدود البرية والجوية والبحرية ومنع تنقل الأشخاص والبضائع والسيارات وترحيل الرعايا القطريين من بلادهم ومنع أي معارضة شعبية لهذه الإجراءات تحت طائلة العقاب بالسجن وبدفع غرامات مالية حتى ضد الأطفال الذين يشجعون نوادي رياضية تستثمر فيها قطر.

المساهمون