صراع على مناطق "خفض التصعيد" في سورية

صراع على تحديد مناطق "خفض التصعيد" في سورية

24 يونيو 2017
تحاول إيران الالتقاء مع الحشد الشعبي على الحدود(مارتين آيم/Getty)
+ الخط -
تتكثف المفاوضات والاتصالات بين الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في المشهد السوري، من أجل رسم وتحديد الحدود الدقيقة لاتفاق مناطق "خفض التصعيد"، الموقع في الرابع من مايو/ أيار الماضي في أستانة، عاصمة كازاخستان. ويتخلل ذلك تصعيد ميداني من جانب حلف النظام – إيران، المدعوم من روسيا، في بعض المناطق بهدف التأثير على سير هذه المفاوضات، أو محاولات فرض بعض الوقائع بالقوة، وذلك قبل انعقاد الجولة المقبلة من مفاوضات أستانة المقررة في 3 و4 الشهر المقبل، وقبل الموعد المحدد للانتهاء من ترسيم حدود "مناطق خفض التصعيد" في الرابع من الشهر المقبل.

وبعد أن كشفت أنقرة، أول من أمس، تفاصيل المناقشات الجارية حول خريطة الوجود العسكري الأجنبي في سورية، في إطار اتفاقية مناطق "خفض التصعيد"، والتي تضمنت نشر قوات تركية وروسية في إدلب ومحيطها، وأخرى روسية وإيرانية على أطراف العاصمة دمشق، على أن تنتشر قوات أردنية وأميركية جنوبي البلاد، تشير مصادر عدة إلى أن المفاوضات الجارية في عمان، بين روسيا وأميركا والأردن، منذ منتصف الشهر الماضي، والمكملة للتفاهمات التركية الروسية بهذا الشأن، تتجه إلى الاتفاق على مذكرة تفاهم بشأن "المنطقة الآمنة" في الجنوب، إذ يسعى الأردن لإبعاد المليشيات، التي تدعمها إيران، عن حدوده مسافة 30 كيلومتراً على الأقل، بينما يتم العمل على رسم خطوط التماس قرب حدود العراق. وتشير المصادر إلى أن التفاهمات في عمان تتضمن أيضاً وقف إطلاق نار بين قوات النظام والمعارضة، وتجميد القصف والغارات على مناطق المعارضة، إضافة إلى إدخال مساعدات إنسانية، وتسهيل عودة اللاجئين من الأردن. ونقلت وكالة أنباء النظام (سانا) عن نائب وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، قوله إن "سورية جاهزة للجولات المقبلة من مساري أستانة وجنيف الشهر المقبل، انطلاقاً من الحفاظ على سيادتها ووحدتها والحرص على حقن دماء أبنائها". وأضاف إن "سورية تدقق في كل حرف يتعلق بها، ولن تسمح بتمرير أي شيء يمكن لأعداء سورية أن يستفيدوا منه".

ويشمل اتفاق "مناطق خفض التصعيد" في سورية، الذي جرى التوقيع عليه من جانب كل من روسيا وتركيا وإيران مطلع الشهر الماضي، إدلب وشمال حمص وريف دمشق والجنوب السوري. وبعد شهر ونصف الشهر من توقيع الاتفاق، أثيرت تساؤلات جدية حول مصيره، وما إذا كان لا يزال ساري المفعول فعلاً، في ضوء الهجوم الشامل الذي يشنه النظام منذ مطلع يونيو/ حزيران الحالي على مدينة درعا المشمولة بالاتفاق، ومحاولاته المتكررة لاقتحام حي جوبر ومناطق في الغوطة الشرقية، مشمولة بالاتفاق أيضاً، فضلاً عن المعارك والمناوشات شبه اليومية في ريف حماة الشمالي، والقصف على ريف حمص الشمالي... إلخ. وبعد استقدامه تعزيزات كبيرة اعتباراً من نهاية الشهر الماضي إلى محافظة درعا، شملت قوات النخبة في الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام، بقيادة العقيد غياث دلة، فضلاً عن مئات من مقاتلي المليشيات، فضلاً عن مشاركة "حزب الله" اللبناني، شن النظام السوري حملات قصف عنيفة على المحافظة، ألقى خلالها أكثر من 700 برميل متفجر على الأحياء الخاضعة لسيطرة المعارضة في المدينة، بالإضافة إلى إطلاق عدد مماثل من صواريخ "فيل" محلية الصنع، فضلاً عن أكثر من 200 غارة جوية ألقيت خلالها مئات الصواريخ والقذائف، منها 100 صاروخ تحتوي مادة النابالم الحارقة. وتوج النظام هجماته على المدينة خلال اليومين الماضيين بهجوم واسع على قاعدة الدفاع الجوي، الواقعة على بعد نحو أربعة كيلومترات جنوب غرب درعا البلد، إضافة إلى تلة الثعيلية، غرب حي المنشية، والتي تبعد نحو كيلومتر واحد عن معبر درعا القديم. واستطاعت قواته أن تقطع لساعات ريفي درعا الشرقي والغربي بعضهما عن بعض، بعد أن سيطرت نارياً على الطريق الحربي، محدثة خرقاً كبيراً على جبهة المعارك جنوب حي المنشية. لكن فصائل المعارضة سرعان ما استعادت زمام المبادرة، وأعادت فرض سيطرتها على القاعدة، موقعة عشرات القتلى والجرحى في صفوف قوات النظام، فضلاً عن أسر عدد منهم وتدمير والاستيلاء على عدد من الآليات. لكن قوات النظام، التي لم تبال بهلاك عناصرها في القاعدة الجوية، شنت هجمات جديدة من محور صوامع الحبوب في منطقة غرز، حققت خلالها تقدماً ملحوظاً، وكادت أن تصل إلى صوامع الحبوب، قبل أن تستدرك قوات المعارضة الموقف وتصد الهجوم، مدمرة دبابتين، إضافة إلى قتل وإصابة عدد من عناصر القوات المهاجمة، مجبرة إياها على التراجع. وذكر المكتب الإعلامي لغرفة عمليات "البنيان المرصوص"، التي تضم فصائل عاملة في منطقة حوران، جنوب سورية، أن مجموعة كاملة تابعة لـ"الفرقة الرابعة" العاملة في صفوف قوات النظام، وقعت في كمين محكم أثناء محاولتها التسلل إلى خط النار، شرقي مخيم درعا.

وإضافة إلى جبهة درعا، كثفت قوات النظام، منذ مطلع يونيو/ حزيران الحالي هجماتها وعمليات القصف على حي جوبر في العاصمة دمشق، الذي يعتبر من الناحية العسكرية امتداداً للغوطة الشرقية المحاصرة من جانب قوات النظام، والمشمولة باتفاق "خفض التصعيد". وفي أحدث هجمات قوات النظام والمليشيات على الحي، أعلن "فيلق الرحمن"، التابع للجيش السوري الحر، أنه تصدى لمحاولة قوات النظام والمليشيات احتلال حي جوبر، آخر معاقل المعارضة في شرقي العاصمة دمشق. وقال الناشط الإعلامي، محمد الدمشقي، لـ"العربي الجديد"، إن الهجمات على الحي تعتبر الأعنف حتى الآن، لكنها جميعاً باءت بالفشل، وأسفرت عن مقتل العشرات من قوات النظام والمليشيات المساندة لها.

واللافت أن هذه العمليات العسكرية ضد بعض المناطق المشمولة باتفاق "خفض التصعيد" تتم بمشاركة من سلاح الجو الروسي، ما يشير إلى توافق بين النظام وايران وروسيا على أن التقدم في درعا بات ضرورياً بالنسبة لإيران وروسيا للوصول إلى الحدود مع الأردن، بالتزامن مع استعداداتهما لخوض معركة السيطرة على شرق سورية والحدود العراقية، والتي تتطلب منع فصائل المعارضة من السيطرة على البادية السورية، وهذا ما يفسر المشاركة الفاعلة للمليشيات التي تديرها إيران في هذه المعارك، فضلاً عن مشاركة "حزب الله" اللبناني، الذي خسر في الأيام الأخيرة العشرات من مقاتليه على جبهات درعا المختلفة. وفي هذا الإطار، يقول اللواء المنشق محمد حاج علي، لـ"العربي الجديد"، إن "اتفاق خفض التصعيد يحتاج إلى تسوية أوضاع بعض المناطق لربط مناطق سيطرة النظام مع دول الجوار، العراق والأردن، وإذا لم يتم هذا الأمر، ستبقى مسألة خفض التصعيد تراوح مكانها". ورأى أن "الدور الروسي سيظل يساند النظام للوصول إلى ممرات آمنة إلى دول الجوار، على اعتبار أن هذه المناطق، التي تسمى بمنخفضة التوتر، قد تكون مناطق تقسيم مستقبلي، لذلك يستميت النظام للوصول إلى ممرات آمنة إلى دول الجوار". وبالنسبة إلى منطقتي جوبر والغوطة، قرب دمشق، وهل السيطرة عليهما خيار استراتيجي للنظام في هذه المرحلة أم يمكنه أن يصبر عليهما بعض الوقت، قال حاج علي: "تقديري أن الأولوية الآن للوصول إلى حدود الدول المجاورة، أما منطقة الغوطة الشرقية، ومنها جوبر، فستكون الهدف اللاحق لقوات النظام وروسيا".

وفي إطار سعيها للوصول إلى الحدود مع الأردن والعراق، حققت قوات النظام والمليشيات تقدماً كبيراً على حساب فصائل "الجيش الحر" في البادية السورية، وسط تغطية جوية روسية مكثفة. وذكرت وسائل إعلام النظام أن "الجيش السوري وحلفاءه سيطروا على منطقة بير القصب، والمناطق المحيطة بها جنوب شرق مدينة دمشق، في عملية عسكرية خاطفة على ثلاثة محاور". غير أن مصادر المعارضة تؤكد تواصل المعارك في تلك المنطقة، في محاولة من فصائل المعارضة لاستعادة ما خسرته. وكانت قوات النظام حققت مطلع يونيو تقدماً على حساب فصائل المعارضة، المتمثلة بـ"جيش أسود الشرقية"، و"قوات أحمد العبدو"، وسيطرت على تل دكوة الاستراتيجي، حيث يخوض الفصيلان، بدعم محدود من جانب التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، معارك ضد قوات النظام والمليشيات في إطار معركة "الأرض لنا". ومع سيطرتها على بير القصب، تكون قوات النظام أمنت محطة تشرين الحرارية بشكل كامل، لتنقل معاركها إلى عمق البادية السورية. وكانت تلك القوات سيطرت أيضاً على منطقة العليانية والكتيبة المهجورة، بعد تقدم سابق باتجاه معبر التنف الحدودي، بالرغم من التحذيرات الأميركية لها من عواقب التقدم باتجاه التنف، وهي تحذيرات ترافقت عدة مرات مع استهداف لأرتال النظام والمليشيات المتقدمة، إضافة إلى إسقاط طائرتين للنظام، واحدة حربية وأخرى من دون طيار. لكن كل ذلك لم يحد من تصميم إيران، التي توجّه قوات النظام، على الوصول إلى الحدود العراقية والالتقاء مع قوات "الحشد الشعبي" القادمة من الطرف العراقي للحدود، بغية تأمين الوصل الاستراتيجي بين طهران والبحر المتوسط عبر العراق وسورية.

المساهمون