أميركا تتحدى التهديد الروسي في سورية...ودرعا تشتعل بعد الهدنة

أميركا تتحدى التهديد الروسي في سورية... ودرعا تشتعل بعد الهدنة

21 يونيو 2017
إفطار رمضاني في دوما (حمزة الأجوه/فرانس برس)
+ الخط -
يتصاعد التوتر الأميركي الروسي في سورية من دون أن تنجح تهديدات موسكو الأخيرة باستخدام القوة ضد طائرات "التحالف الدولي"، في ثني القوات الأميركية عن تكرار لجوئها إلى إسقاط طائرة إيرانية من دون طيار تابعة لقوات النظام السوري، أمس الثلاثاء، فوق مثلث التنف بجنوب البلاد، وهو ما يشكل تحدياً أميركياً واضحاً للتهديد الروسي. واشتد التوتر بعد ردة الفعل الغاضبة التي عبّرت عنها روسيا بسبب قيام مقاتلة أميركية بإسقاط طائرة للنظام السوري مساء الأحد جنوب غربي الرقة، وإعلانها عن تعليق اتفاقية التنسيق في الأجواء السورية مع الولايات المتحدة، وتلويحها بإمكانية استهداف طائرات "التحالف الدولي". وهذا التصعيد دفع قوات "التحالف" إلى تقليص عملياتها، فيما جمّدت الحكومة الأسترالية ضرباتها الجوية ضد مواقع تنظيم "داعش" في هذا البلد، كإجراء احترازي يهدف لضمان أمن مقاتلاتها وتجنب المواجهة مع روسيا. لكن واشنطن التي عبّرت عن حرصها على استمرار التواصل مع الروس من أجل تجنب أي صدام عسكري مباشر معهم، تمسكت، من جهة أخرى، بالخطوط الحمراء التي حددتها للنظام السوري، ومن خلفه حليفه الروسي، والتي تتعلق بمنع قواته والمليشيات الإيرانية من التقدم نحو مناطق تعتبرها الولايات المتحدة منطقة نفوذ لها ولحلفائها في سورية. وتصاعد التوتر الأميركي الروسي انعكس كذلك في الميدان من خلال تفاقم المنافسة بين حلفاء الطرفين الذين يتسابقون للاستيلاء على المناطق التي يسيطر عليها "داعش" في الرقة وريفها، في تطور يكرس يوما بعد يوم اشتباكاً حاداً، قد يطول أمده، بين القوات الكردية وقوات النظام السوري.

وأعلن مسؤول أميركي أن "التحالف الدولي" الذي تقوده الولايات المتحدة أسقط طائرة بدون طيار إيرانية الصنع في مناطق سيطرة قوات النظام في جنوب سورية ظهر أمس، في ثاني حادثة من نوعها في غضون أسبوعين. وقال إن مقاتلة أميركية من طراز "أف-15 سترايك إيغل" دمرت الطائرة بدون طيار من طراز "شاهد 129" في شمال شرق موقع التنف، قرب الحدود مع الأردن. وأضاف "كانوا يهددون قواتنا على الأرض".

وواصلت روسيا التعبير عن غضبها من التحدي الأميركي المستمر لها. وأعرب الكرملين عن قلقه الشديد حول إسقاط الطائرة السورية مساء الأحد الماضي. وقال المتحدث الرسمي باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أمس الثلاثاء، إن "الوضع المتعلق بخطوات التحالف (في سورية) يثير قلقاً كبيراً للغاية". لكن بيسكوف رفض التعليق على سؤال حول إمكانية حصول مواجهة عسكرية مباشرة بين الجيشين الروسي والأميركي.

وفي هذا الصدد، وجهت واشنطن رسائل واضحة إلى موسكو مفادها أن الإدارة الأميركية لا تريد تطور الوضع إلى صدام مباشر. وبرز ذلك من خلال إبداء وزارة الدفاع الأميركية جاهزيتها لنزع فتيل أي توتر مع روسيا في ما يتعلق بتأمين سلامة عمليات "التحالف الدولي" ضد "داعش" في سورية. وأكد البنتاغون في بيان له مساء الاثنين، استمراره في شن ضربات على مواقع "داعش" والتواصل مع الروس لتجنب أي اصطدام. وقال رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجنرال جوزيف دانفورد، إن الولايات المتحدة تعمل على استعادة خط اتصال مع روسيا بشأن مناطق "عدم الاشتباك" في سورية. وذكر أنه لا تزال هناك اتصالات بين مركز للعمليات الجوية الأميركية في قطر والقوات الروسية على الأرض في سورية. وأضاف "سنعمل على الصعيدين الدبلوماسي والعسكري في الساعات المقبلة لإعادة العمل بمناطق عدم الاشتباك".

غير أن رسائل التهدئة الموجهة إلى موسكو، ترافقت مع رسائل حازمة من واشنطن إلى النظام السوري، تحذره فيها من تجاوز الخطوط الحمراء الأميركية في مناطق النزاع بشرق البلاد. فقد صرح المتحدث باسم البيت الأبيض، شون سبايسر، بأن "تصاعد القتال في ما بين الفصائل الكثيرة التي تنشط في هذه المنطقة لا يفيد أحداً"، ثم قال إنه "ينبغي للنظام السوري وللآخرين في النظام أن يدركوا أننا سنحتفظ بحق الدفاع عن النفس لقوات التحالف المناهض لتنظيم (داعش)"، وهو ما تجسد أمس بقيام طائرة أميركية بإسقاط طائرة من دون طيار تابعة للنظام السوري كانت تتقدم باتجاه مواقع لـ"التحالف الدولي" في جنوب سورية.


وفي خطوة تعكس مدى جدية المخاطر العسكرية، أعلنت الحكومة الأسترالية، أمس الثلاثاء، أنها علقت الضربات الجوية في سورية. وأعلنت متحدثة باسم الجيش الأسترالي في بيان أنه "في إجراء احترازي، أوقف جيش الدفاع الأسترالي مؤقتاً العمليات الضاربة التي يجريها في سورية". ولم يقدم الجيش أي تبرير لهذا القرار، لكن من الواضح أنه يأتي على خلفية التوتر الروسي الأميركي. وفي هذا السياق، حذرت الأمم المتحدة من تصادم محتمل بين القوى العسكرية المتدخلة في سورية. وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفن دوجاريك، يوم الاثنين في نيويورك، إن هذه الحوادث تزيد من قلق المنظمة الدولية العميق إزاء احتمال وقوع "خطأ في الحسابات وتصعيد النزاع في سورية".

في غضون ذلك، بدأت "قوات سورية الديمقراطية" وقوات "النخبة" السورية في تضييق الخناق أكثر على مسلحي تنظيم "داعش" في مدينة الرقة، حيث باتوا محاصرين بشكل كامل داخلها عقب تقدم "سورية الديمقراطية" إلى مواقع جنوبي المدينة، محكمة طوق الحصار على التنظيم. وذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن "قوات سورية الديمقراطية" التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي سيطرت الثلاثاء على قرية فخيخة، وحاجز المقص، ومفرق جامعة الاتحاد جنوب مدينة الرقة، مشيرة إلى سيطرة هذه القوات على جانب من قرية كسرة شيخ الجمعة. وبذلك تم عزل مدينة الرقة بشكل كامل بعد أسبوعين من انطلاق معركة انتزاع السيطرة عليها.

كذلك تقدمت "قوات سورية الديمقراطية" داخل منطقة الدرعية غربي المدينة، وأصبحت على بعد أمتار من مبنى كان لجهاز الأمن العسكري في استخبارات النظام، وحوله التنظيم إلى مقر له. وقد أثمر هذا التقدم بعد سيطرة "لواء الشمال الديمقراطي" على دوار باسل الاستراتيجي داخل المدينة. وأشارت المصادر إلى أن قوات "النخبة" السورية حققت تقدماً في شمال المدينة وباتت على مسافة قريبة من مبنى "العيادات الشاملة" ومدرسة "حطين" داخل المدينة.
وأعلنت قيادة "قوات سورية الديمقراطية"، أمس الثلاثاء، استمرار اشتباكات وصفتها بـ"الضارية" في الجبهات الشرقية والغربية والجنوبية في مدينة الرقة، مشيرة إلى مقتل 34 من مسلحي "داعش" خلال هذه الاشتباكات. وأكدت مصادر محلية أن حي البياطرة جنوب المدينة لا يزال تحت سيطرة "داعش"، معربةً عن اعتقادها بأن من بقي من مسلحي التنظيم داخل المدينة سيواصلون القتال حتى النهاية، "ما يعني تدمير ما بقي من المدينة بالقصف الجوي، والمدفعي، ومقتل العشرات من المدنيين"، وفق المصادر.

أما في ريف الرقة الجنوبي الغربي، فقد واصلت قوات النظام ومليشيات إيرانية توسيع نطاق سيطرتها على حساب تنظيم "داعش". وذكرت مصادر إعلامية موالية للنظام أن قوات الأخير استعادت السيطرة على مدينة الرصافة وأكثر من 20 بلدة ومزرعة بريف الرقة الجنوبي الغربي، مشيرةً إلى مقتل المئات من مسلحي التنظيم في المعارك. وأكدت وكالة "سانا" التابعة للنظام استعادة السيطرة على قرى وبلدات ومزارع جنوبي غربي الرقة، ومنها: العيساوي وجعيدين والكرادي وخربة الميتاها والصيان وضهرة أنباج وجب أبيض وبئر أبو السنابل وخربة علاوي الدخيل وجب الغانم وأبو سوسة وجب عزيز وبئر أنباج وشارة أنباج وتل قليب وبئر قليب وجب أفابوس وجب مشرفة أنباج وتل العفطة ورجم الهورة ورجم الصافية وبئر الدران وفر العدا، إضافة إلى حقل نفط الثورة ومحطة نفط الرصافة، وفق الوكالة.

إلى ذلك، وفي آخر تطورات معارك البادية السورية، لا تزال المواجهات مشتعلة هناك، إذ يبدي النظام اندفاعاً كبيراً لقضم مزيدٍ من المواقع، إنْ كان على حساب "داعش" بمحيط تدمر، أو في المساحات التي تعتبر تحت نفوذ فصائل المعارضة السورية بريف دمشق الشرقي. وقد تصدت المعارضة السورية المسلحة أمس، لهجوم من قوات النظام على عدة محاور في البادية بريف دمشق الشرقي. وتحدث الناطق باسم فصيل "جيش أسود الشرقية"، سعد الحاج، لـ"العربي الجديد" عن تدمير دبابة وعربة مدرعة ومدفع وسيارة لقوات النظام السوري، أثناء محاولتها التقدم إلى منطقة بئر القصب من محوري الهيجاني ودكوة بريف دمشق الشرقي. وأوضح المتحدث ذاته أن المعارك لا تزال مستمرة مع قوات النظام، المدعومة بالطيران الروسي ومليشيات أخرى مساندة له على عدة محاور بالبادية.

واستأنفت قوات النظام منذ مساء الاثنين، هجومها على مناطق تسيطر عليها المعارضة السورية بمحافظة درعا بعد يومين من هدنة استمرت 48 ساعة. وذكرت مصادر لـ"العربي الجديد" أن قوات النظام سيطرت على تلة الثعيليّة، وكتيبة الدفاع الجوي المحاذية لها غرب مدينة درعا، بعد معارك عنيفة مع المعارضة السورية المسلحة. وتسعى قوات النظام، وفق المصادر، إلى الوصول نحو الحدود السورية الأردنية، بهدف فصل مناطق المعارضة السورية المسلحة عن بعضها البعض، تمهيداً لتطبيق حصار يفرض على المعارضة القبول بتسوية مع النظام. وحتى مساء الثلاثاء، فإن معارك كر وفر تواصلت غرب مدينة درعا، حيث قالت مصادر محلية إن فصائل المعارضة السورية استعادت جزءاً من المناطق التي خسرتها خلال المعارك التي تجددت منذ مساء الاثنين.

المساهمون