كما تكونوا... تكون انتخاباتكم

كما تكونوا... تكون انتخاباتكم

10 مايو 2017
62% من الناخبين لم يصوتوا (بلال بن سالم/Getty)
+ الخط -
عشية الانتخابات البرلمانية الأخيرة، اعترف مسؤولون وشخصيات سياسية في الجزائر بتنفيذ عملية تزوير شامل في الانتخابات البرلمانية التي جرت في يونيو/ حزيران 1997، وقصوا على الرأي العام بطولاتهم في التزوير بداعي "متطلبات المرحلة"، و"مصلحة الدولة والبلاد"، إذ إن البلاد كانت تعيش أزمة دامية أعقبت انقلاب الجيش على المسار الديمقراطي في العام 1992، وتغرق في حمام دم.

هكذا، وبهذه البساطة تقتضي مصلحة الدولة أن يكون التزوير هو الحل، وأن يكون الغش في الاستحقاق الانتخابي هو السبيل للهروب بالدولة من مشكلاتها، ولذلك أصبح التزوير والغش في الجزائر عقيدة دولة وسلوك مؤسسات ونهج حراس النظام. بعد 20 سنة تعود قصة تزوير انتخابات عام 1997، لمناسبة التزوير العنيف الذي شهدته انتخابات الرابع من مايو/ أيار الحالي. والفارق أن تزوير 1997 كان تحت سطوة السلاح في ظل الفوضى الأمنية، وتزوير مايو 2017 كان تحت سطوة جهاز إداري. وبعد 20 سنة لاحقة، سيأتي الشهود على التزوير، وفاعلوه، والمستفيدون منه، ليقولوا لجيل سيأتي إن مصلحة الدولة كانت تقتضي التزوير أيضاً. لكن الخوف من أن صناع التزوير لن يجدوا حينها جيلاً يروون له بطولاتهم في تزوير الانتخابات، لكون هذا الجيل الذي عاش على تخوم العنف والفساد أصبح يطالب بحقه في ممارسة التزوير والشراكة في الغش.

وإذا كان مسؤول إداري، في حجم محافظ ولاية، وسياسي كالوالي السابق لولاية وهران، بشير فريك، وفي حجم وزير الاتصالات السابق، موسى بن حمادي، ورئيس كتلة برلمانية، كالراحل ميلود شرفي، وغيرهم تفاخروا بالفم الملآن بأن تزوير الانتخابات مصلحة للدولة، فمن حق الطلبة في الأقسام الثانوية المطالبة بشرعنة الغش في امتحانات البكالوريا، وقد حدث ذلك في دورة السنة الماضية، ومن حق الشركات التي تنجز الطريق من الحدود مع تونس إلى الحدود مع المغرب الغش في الإنجاز، وقد حدث. كما من حق المستوردين تزوير محاضر البضائع، واستيراد أطنان من الصين على أساس أنها بضائع لاستنزاف العملة، وقد حدث فعلاً، ومن حق شركات الإنشاء الغش في مواد البناء وإنجاز الشقق السكنية، وقد حدث أن انهارت شقق سكنية بفعل الغش في البناء والتزوير في محاضر المطابقة.

وتماماً كما انهارت شقق سكنية بفعل التزوير في أساساتها، يؤسس التزوير لحالة انهيار الدول بفعل تزوير أساس البناء بشكل غير ديمقراطي وانكسار الثقة بين الرعية والمؤسسة الرسمية، بدليل أن 62 في المائة من الناخبين المسجلين في الانتخابات الأخيرة لم يصوتوا، و17 مليون ناخب من مجموع 23 مليون ناخب رفضوا الإدلاء بأصواتهم، إذ لا أحد في الجزائر، بما فيها المعارضة السياسية، كان يعتقد للحظة أن السلطة، التي تأسست على تزوير التاريخ والغش السياسي وتزوير الاستحقاقات الانتخابية، ستنظم انتخابات لا يكون التزوير المحدد الرئيس لنتائجها، ومنطق الأشياء يقول: كما تكونوا تكون انتخاباتكم.