"يلهثون وراء الحياة"... مشاهد حيّة من مجزرة خان شيخون

"يلهثون وراء الحياة"... مشاهد حيّة من مجزرة خان شيخون

10 مايو 2017
أنفاسهم الأخيرة اختلطت بغاز السارين (محمد البكور/فرانس برس)
+ الخط -



"كانت تحدّق في المسافة كما لو أنّها تلهث من أجل الهواء. صدرها الصغير ينقبض يائسًا من إدخال المزيد من الأوكسجين. عيناها مفتوحتان على اتساعهما، دون رمشة واحدة، ومقلتاها مقيّدتان، والذّعر من ورائهما يظهر جليًّا". بتلك الكلمات استهلّت شبكة "سي إن إن" الأميركية تقريرًا لها، أمس الثلاثاء، تضمّن صوراً وشهادات جديدة توثّق اللحظات الأولى لمجزرة خان شيخون، التي ناهز عدد ضحاياها مائة قتيل، قضوا اختناقًا بغاز السارين السام الذي استخدمه النظام السوري في المجزرة.

إحدى الصور التي حصلت عليها الشبكة التقطت لتلك الطفلة الموصوفة في المقدمة. تضيف الوكالة أن الطفلة الصغيرة بدت مشوّشة؛ لا تفهم لماذا تموت، ولماذا هي مستلقية في الجزء الخلفيّ من إحدى الشاحنات مع أطفال آخرين، بعضهم يكسو الزبد فمه، وآخرون بلا حراك، والحياة قد غادرت أجسادهم للتو.

ويسرد التقرير أنّه قبل لحظات من حدوث ذلك، كان مجرّد صباح بارد اعتيادي في شمال سورية. سكان خان شيخون كانوا قد تناولوا وجبة الإفطار، واستعدّ أطفالهم للمدارس، بينما كان أطفال آخرون يلعبون خارجًا، أو لا يزالون نائمين.

لكن قبيل الساعة السابعة صباحًا، في أول ثلاثاء من شهر إبريل/نيسان، قال شهود عيان إن الحكومة قصفت المدينة، والضربات بثّت غازًا سامًّا من شأنه أن يقتل 92 شخصًا.

وتكشف اللقطات المصوّرة في أعقاب الهجوم، والتي حصلت عليها "سي إن إن"، عن المشاهد غير المنقّحة لما حصل في ذلك اليوم، وهي مشاهد من الصعب للغاية رؤيتها.

وعلى الرغم من أن مصطلحات مثل "جرائم الحرب" و"الجرائم ضد الإنسانية" تتكرر بشكل أسبوعي في سورية، كما يقول التقرير، فإن ثمّة شيئًا مرعبًا على نحو خاص في الصور القادمة من خان شيخون، شيء يظل يطارد المرء بشكل فريد عند رؤية الأنفاس الأخيرة لأشخاص أبرياء. الأسلحة الكيميائية تم حظرها منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، فهي بربرية وغير إنسانية؛ و"خط أحمر" لا ينبغي تجاوزه، كما أنها لا تعرف حدودًا بين عسكريين وأطفال.

ليس ثمة رحمة، ولا موت سريع، ولا كرامة في تلك اللحظات الأخيرة، يضيف التقرير، فالضحايا يفقدون السيطرة على كلياتهم، وعلى الزبد الذي يعلو أفواههم، ويتقلّبون على الأرض ألمًا بينما تُستنزف الحياة منهم.

لكن رئيس النظام، بشار الأسد، لم ينكر فقط أن نظامه كان وراء المجزرة، بل رفض الاعتراف بها على الإطلاق، ووصفها بأنّها "مفبركة بنسبة 100%"، كما لو أنّ باستطاعة أي أحد أن يزيف الوفيات المؤلمة التي تمّ التقاطها في تلك الصور، كما يعبّر كاتب التقرير.

ويضيف تقرير "سي إن إن" أن وحشية نظام الأسد لم تقتصر على استخدام الكيماوي فحسب؛ فرسالة النظام، على مدار السنوات الستّ من الحرب، كانت واضحة: "نحن سنقصف مستشفياتكم، أسواقكم، مخابزكم، ومدارسكم؛ سنقتل أطفالكم، أمهاتكم، وإخوانكم؛ سنجوّع، ونسجن، ونعذّب، ونخنق بالغاز، حتّى لا يعود ممكنًا لأي حياة أن تكون في تلك المناطق". ويلخّص التقرير تلك السياسة بإحدى العبارات المخطوطة على أحد الجدارن في ضاحية دمشقية: "الجوع أو الخضوع (للأسد)".

أكثر من عشرين فردًا من عائلة اليوسف قتل في هجوم خان شيخون، ومن بين هؤلاء ياسر اليوسف، السوري ابن التاسعة والثلاثين عامًا، والذي كان يملك "سوبر ماركت" في المنطقة، ويتطوّع في أحد المساجد. أصدقاؤه يتحدّثون لـ"سي إن إن" عن خوفه، كسائر الآباء، من ألا يحظى أطفاله بتعليم مناسب في سورية، قبل موته.

اثنان من أبناء ياسر، محمد (12 عامًا)، وعامر (4 أعوام)، قتلا أيضًا في الهجوم. محمد أحبّ أن يلعب الكرة حين كان اللعب خارجًا آمنًا بما فيه الكفاية، يقول ابن عمه لـ"سي إن إن"، عامر، من ناحية أخرى، كان يفضّل مطاردة الدجاجات والحمائم حول بيت العائلة. تظهر صورة التقطت في وقت أكثر فرحًا الطفلين يبتسمان للكاميرا، ومحمد يلفّ يده بإحكام حول أخيه الصغير.

والدتهم، سناء حاج علي، بنت السادسة والثلاثين عامًا، قتلت هي الأخرى. أحد الأقارب قال للشبكة الأميركية إنها كانت تراقب عامر عبر النافذة وهو يلعب خارجًا، حينما أسقطت الطائرة السورية حمولتها الكيميائية.

شاهدت سناء ابنها عامر يسقط أرضًا ويستنجد ياسر لإنقاذه. ركض ياسر خارجًا، والتقط عامر، ثمّ همّ بتسلّق سيارة العائلة قبل أن يستسلم لتأثير الغاز. هرعت سناء وراء ابنيها، وسقطت ميتة أمام مدخل منزلها مباشرة.


(العربي الجديد)

المساهمون