لا شيء غير الكلام

لا شيء غير الكلام

08 مايو 2017
ينتظر التونسيون حلولاً لمشاكلهم المعيشية (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -
تختلف الاحتجاجات هذه المرة عما شهدته تونس منذ سنتين تقريباً. على الرغم من أنها ترفع نفس المطالب والشعارات، إلا أنها ارتقت هذه الأيام إلى درجة من السلمية والرقيّ، إذ أسقطت عنها كل الاتهامات الممكنة، حتى السياسية، بل ذهبت أكثر من ذلك وطردت ممثلين عن أحزاب جاؤوا ليعبّروا عن تضامن، أو ليركبوا الموجة لعلهم يقطفون بعض ثمارها... ولم يكن الأمر باليسير على المحتجين، خصوصاً في تطاوين جنوب البلاد، فقد تطلب الأمر أياماً طويلة حتى يثبتوا أن مطلبهم هو العمل ولا شيء غيره.

ولا يعني هذا أن ما أعلنه الشباب في تطاوين منطقي أو قابل للتحقيق فوراً. فسقف المطالب أعلى بكثير من إمكانيات اقتصاد يئنّ، وتوزيع الثروة بالشكل المقترح فيه خطر حقيقي على معنى الوحدة، إلا إذا كان نتيجة توافق وطني واسع، غير متوفر في الوقت الحالي ولا في السنوات المقبلة، بالنظر إلى وضعية مشهد سياسي ممزق بين اختلافات موضوعية معقولة وطموحات شخصية تعلي مصلحة الحزب فوق الوطن، ومهما كان الثمن.

وينقسم المشهد التونسي اليوم إلى فرق تختلف باختلاف حساباتها المتضاربة. فبعضها يتهيأ لإسقاط الحكومة الحالية برئاسة يوسف الشاهد، تماماً كما أُسقِطت الحكومة السابقة برئاسة الحبيب الصيد، منذ حوالي عام. وبالبعض الآخر ينتظر إثبات أن المنظومة الحالية عاجزة ولا يمكنها تحقيق شيء، ليطرح نفسه بديلاً ممكناً في انتخابات عام 2019، ويغنم بعض المكاسب، في الانتظار، خلال الانتخابات البلدية نهاية هذا العام. وآخرون يعارضون للمعارضة فقط، لأنهم أصلاً غير قادرين على غير المعارضة، بينما تسارع منظومة الحكم على اختلاف مكوناتها ومع بداية بروز بعض نواياها، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والاستمرار في الحكم على الرغم من كل أخطائها القاتلة وعجز بعض مكوناتها الواضح في إدارة شأن البلاد، فضلاً عن إدارة الأزمات.
وفي ظل هذا الوضع، يراقب التونسيون الجميع، ويستمعون إلى الخطابات المتضاربة، وينتظرون أن يتقدم أحد بحل أو بديل أو اقتراح معقول يقود إلى جواب واحد حول كيفية تخفيف الأعباء المعيشية عن المواطنين وإنهاء معاناتهم الاجتماعية والاقتصادية؟

وفي الأثناء، يبدو أن شباب تطاوين، شأنهم شأن غيرهم في مدن كثيرة، قد نفد صبرهم من الجميع، لذلك التفتوا إلى الصحراء القاحلة ليزرعوها بالأشجار، وليبدأ عمراناً جديداً، بينما يكتفي كثيرون من قادتهم بالكلام ولا شيء غير الكلام...