علاقات تل أبيب وأبوظبي: أبعد من العداء لطهران

علاقات تل أبيب وأبوظبي: أبعد من العداء لطهران

31 مايو 2017
يوسف العتيبة (اليمين) علاقاته "ممتازة" مع السفير الإسرائيلي (Getty)
+ الخط -
أعادت تصريحات وخطابات رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الأسبوع الماضي، التي رافقت زيارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى المنطقة، واختتمها بخطاب صهيوني في متحف إسرائيل، الضوء مجدداً للعلاقات بين حكومة الاحتلال وبين دول عربية خليجية ألمح نتنياهو، في تصريحاته الأخيرة، إلى أنها تعرض التطبيع الكامل على تل أبيب. وواكب ذلك نشر صحف إسرائيلية تقارير كتبت أن أبو ظبي أبدت استعدادها، ومعها الرياض، للخوض في عمليات تطبيع علني مع إسرائيل، بمجرد ظهور إشارات أولية لتحرك سياسي إقليمي لا يعتمد القضية الفلسطينية كمحور أساسي، وإنما في سياق مبادرة لسلام إقليمي شامل، تصاحبه مفاوضات مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين. 

وأعادت هذه التصريحات والتحليلات الإسرائيلية من جديد إلى دائرة الضوء، نسيج العلاقات الخاصة بين أبو ظبي وتل أبيب، بما يفوق كليشيهات إسرائيلية عن القاسم المشترك بين إسرائيل ودول الخليج العربي، في مواجهة إيران. وهو ما تزامن في الوقت ذاته مع إطلاق حملة شيطنة وتحريض ضد قطر. ويبدو العداء المشترك بين أبو ظبي وتل أبيب لـ حركة "حماس"، عامل تقارب كبير وعلني بين الطرفين، حتى أن التصريحات الصادرة عن حكام الدولة الخليجية، والمسؤولين الإسرائيليين تجاه "حركة المقاومة الإسلامية"، تتشابه إلى درجة التماثل أحياناً. عداء آخر يجمع العاصمتين موجه لمفكر وباحث مثل عزمي بشارة، الذي خرج منذ عشر سنوات إلى المنفى، نتيجة حملات تحريض وملاحقات قضائية أمنية إسرائيلية وتهم بدعم المقاومة، ولا تزال دوائر حكومية في كل من تل أبيب وأبو ظبي تشنّ حملات ضده، أيضاً بما يوحي بوجود تنسيق أو على الأقل تناغم لا تسعيان إلى إخفائه.

وتبرز قضية مشاركة سلاح الجو الإماراتي في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، في المناورات الأميركية ــ العسكرية المعروفة باسم "العلم الأحمر" التي تهدف لتنظيم مناورات مشتركة للقوات العسكرية، التي يفترض فيها أن تكون جزءاً من ائتلاف عسكري عند ساعة الصفر. وفي هذا السياق، لم يخف قائد سلاح الجو الإسرائيلي الأسبق، الجنرال احتياط إيتان بن إلياهو، أن "السماح لإسرائيل بالمشاركة في هذه المناورات، إلى جانب مشاركين آخرين، وليس الأميركيين أو دول صديقة فقط، مثل باكستان والإمارات، هو جديد في هذا السياق"، وأن "المشاركة في مثل هذه المناورات سبقتها لقاءات وتنسيق مسبق في مختلف أبعاد المناورات العسكرية التي تمت". وبحسب بن إلياهو، فإن هذه السابقة تلمح إلى "احتمالات تشكيل ائتلاف مشترك يضم، إلى جانب الولايات المتحدة، إسرائيل مع دول أخرى من الخليج، وهو ما لم يكن مطروحاً أو مقبولاً في الماضي"، لافتاً إلى أن "النشر عن مشاركة إسرائيل في المناورات مع كل من الإمارات وباكستان لم يكن ليتم بدون موافقة أميركية، كما أن هذه المشاركة تؤشر إلى فرص تشكيل تحالفات مستقبلية في مواجهة دول مثل إيران".



وكانت إسرائيل قد احتفت على نحو بارز في عام 2015، بافتتاح ممثلية لها في أبو ظبي ضمن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، بعد أن كانت قد صوتت في الأمم المتحدة لصالح اختيار العاصمة الإماراتية مقرا للمنظمة المذكورة في عام 2009، بتنسيق مسبق مع حكومتها، بحيث يتم فتح الممثلية الدبلوماسية الإسرائيلية تحت غطاء المنظمة الدولية. وبرزت أبو ظبي في هذا الشأن بخروجها عن الموقف العام في دول الخليج التي قطعت علاقاتها وأغلقت مكاتب المصالح التجارية لإسرائيل فيها، بعد اندلاع الانتفاضة الثانية ومحاصرة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في المقاطعة في رام الله خلال عدوان السور الواقي عام 2002. ولم تقم أي من الدول في الخليج بإعادة الدفء للعلاقات مع إسرائيل، ما عدا أبو ظبي. وأشارت الصحف الإسرائيلية في هذا السياق، آنذاك، إلى أن فتح الممثلية كان نتاج الجهد الخاص الذي أولاه وزير الخارجية الإسرائيلية آنذاك، ووزير الأمن اليوم، أفيغدور ليبرمان، لملف العلاقات الإسرائيلية مع دول الخليج مع تركيز على الإمارات تحديداً. كما أبرزت الصحف وجود علاقات أمنية وتعاون أمني بين تل أبيب وأبو ظبي، واستعادة دفء هذا التعاون الذي كان قد تضرر عندما قام "الموساد" بتصفية واغتيال المسؤل البارز في حركة "حماس"، محمود المبحوح في 2010.


ووفقاً للصحف الإسرائيلية، فإنه منذ ذلك الوقت، عاد الدفء لعلاقات أبو ظبي بتل أبيب، وهو ما ترجم بزيارة وزير البنى التحتية الإسرائيلي السابق عوزي لنداو إلى هذه العاصمة الخليجية. وتشير التقارير الإسرائيلية في هذا السياق إلى العلاقات الخاصة التي نسجتها وزيرة الخارجية الإسرائيلية، تسيبي ليفني، مع نظيرها الإماراتي في تلك الفترة، الشيخ عبد الله بن زايد، وفقاً لما تم تسريبه في إحدى وثائق "ويكيليكس" على لسان السفير الإسرائيلي، يعقوف هيدس، والتي أبلغ فيها دبلوماسيين أميركيين بأن "الشيخ زايد بن خليفة طور علاقات شخصية جيدة مع وزيرة الخارجية، تسيبي ليفني، لكن الإمارات غير مستعدة للقيام علنا بما تقوم به سراً". ثم، مع الإعلان عن فتح الممثلية الإسرائيلية في أبو ظبي، أشار موقع "والا" الإسرائيلي، نقلاً عن موقع "هافينغتون بوست"، في بروفايل خاص نشره عن السفير الإسرائيلي في واشنطن رون دريمر، أن الأخير يحتفظ بعلاقات ممتازة مع سفير أبو ظبي في واشنطن، يوسف العتيبة، وأن هناك تعاونا دائماً بين الطرفين. ونقل الموقع الأميركي عن مسؤول أميركي رفيع المستوى وصفه للعلاقة بين الرجلين بأنهما "مقربان للغاية، ويتفقان على كل شيء ما عدا في الموضوع الفلسطيني".

مع ذلك، يشكّل الملف الفلسطيني وتعقيداته موضوع قاسم مشترك آخر بين أبو ظبي وتل أبيب، لا سيما لجهة رغبة أبو ظبي، بالتنسيق مع النظام المصري ودوائر فاعلة في الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، لفرض إعادة المسؤول الأمني المفصول من حركة "فتح"، محمد دحلان، إلى تكريسه زعيماً للسلطة الفلسطينية بعد مرحلة محمود عباس، وهو ما سبّب في العام الماضي أزمة في العلاقات بين السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير من جهة، وأطراف اللجنة الرباعية العربية من جهة ثانية، أزمة ربما لم تنتهِ حتى اليوم مع أبو ظبي، إذ أشارت تقارير صحافية غربية، إلى أن سفيرها في واشنطن، يوسف العتيبة، سعى جاهداً لتخريب استقبال عباس في البيت الأبيض. ولا تخفي الصحف الإسرائيلية ولا المسؤولون في إسرائيل، عادةً، وجود علاقات تنسيق أمني بين دولة الاحتلال وأبو ظبي ودول أخرى في منطقة الخليج، عبر الاختباء وراء نسب ذلك إلى "تقارير أجنبية". ويحرص نتنياهو غالباً على عدم تسمية دول بعينها في حديثه الدائم عن محور "الدول السنية المعتدلة"، المستعد للتعاون مع دولة الاحتلال في وجه إيران.