الحرب الباردة بين القاهرة والخرطوم... بلا أفق حلّ

الحرب الباردة بين القاهرة والخرطوم... بلا أفق حلّ

31 مايو 2017
اتهم البشير مصر بدعم مسلحي دارفور (إبراهيم حميد/الأناضول)
+ الخط -

تصاعدت الأزمة بين السودان ومصر، ووصلت ذروتها باتهام الرئيس السوداني، عمر البشير، للنظام المصري بدعم الحركات السودانية المسلحة، ومساعدتها في تنفيذ عمليات عسكرية في دارفور. وتبعها تهديد غير مباشر من قبل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بملاحقة الإرهابيين داخل السودان، عقب مجزرة المنيا، التي قتل فيها 29 قبطياً، وجرح العشرات، وتبناها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). وأرجأ وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، زيارة مقررة إلى مصر اليوم الأربعاء لبحث القضايا العالقة بين الدولتين، ضمن اجتماعات اللجنة السياسية التشاورية المشتركة. وعزا غندور الخطوة إلى انشغالات داخلية، بينما أكدت مصادر "العربي الجديد" أن خطوة الخارجية تمت بعد توجيهات عليا بإلغاء الزيارة، مؤكدة أن الخارجية واجهت ضغوطات داخلية قوية لإلغاء الزيارة ووقف أية محادثات دبلوماسية مع مصر، لاسيما في ظل اتهام البشير المباشر للقاهرة بدعم العمليات العسكرية التي وقعت في دارفور الأسبوع الماضي.


ولا يستبعد مراقبون أن تتصاعد حدة الأزمة بين البلدين، في ظل تصريحات رئيسي البلدين، وقد تمتد نحو الحدود السودانية الليبية، وتنتهي إلى أزمة إقليمية. وتوقعوا أن توجه مصر ضربة حدودية إلى السودان من دون أن تتطور إلى مواجهات ميدانية. واعتبروا أن الأزمة برمتها مرتبطة بتطور الأوضاع الإقليمية، وتباعد مواقف البلدين، وتناقضها حول القضايا الإقليمية، لاسيما ما يتصل بالحرب في جنوب السودان وليبيا. ويرى المحلل السياسي، أحمد ساتي، أن خطورة الأزمة بين البلدين تكمن في اتهام البشير لمصر بدعم المتمردين بصورة مباشرة، وتهديد السيسي المبطن للسودان بضربه عسكرياً، لا سيما أن لدى القاهرة قناعة بوجود عناصر في جماعة الإخوان المسلمين في السودان وتلقيهم تدريبات هناك. كما أنه سبق أن وجهت اتهامات للسودان بتدريب قوات "حركة سواعد مصر" (حسم) التي تشن عمليات من وقت إلى آخر في مصر. واعتبر أن التصريحات مؤشر لوضع خطير ينتظر البلدين، لاسيما أن الخلافات متراكمة ويصعب حلها، ما ينبئ بمزيد من التصعيد.

وأكدت مصادر حكومية أن السودان يتعامل مع تصريحات السيسي بجدية، خصوصاً في ظل المزاعم المصرية بإيواء الخرطوم لـ"الإخوان"، ومساعدتهم للإضرار بأمنها، رغم نفيها مراراً للخطوة، وتأكيدها رفض الحكومة لأن تصبح البلاد منطلقاً للإضرار بمصر. وأشارت إلى اتخاذ احتياطات عسكرية لمواجهة أي تهديد مصري مرتقب على الحدود، مع رفع حالة الاستعداد. ورأت أن الإجراء طبيعي في مثل تلك الحالات. ويستبعد الخبير في ملف السودان ومصر، عبد المنعم أبو إدريس، تطور الأزمة بين البلدين إلى مواجهة عسكرية، لانشغال كل دولة بقضاياها الداخلية. ورأى أن الأوضاع ستظل في حالة شد وجذب، وقد تصل في أقصاها إلى تخفيض البعثات الدبلوماسية بين البلدين، واستدعاء السفراء للتشاور في حال لم يتفق الطرفان ويتم حل القضايا العالقة بينهما. ورأى أن ما يقف خلف تصاعد الأزمة بين البلدين هو النزاع حول قضية حلايب، والمواقف المتباينة من الوضع في ليبيا وملف سد النهضة الإثيوبي.

ويرى الكاتب السوداني، الطيب زين العابدين، أن الأزمة بين السودان ومصر ستظل قائمة، بالنظر إلى تباعد مواقف الطرفين في ملف حلايب وسد النهضة، وصعوبة تغيير أي طرف من مواقفه، لكنه استبعد تطورها إلى مواجهات عسكرية. وقال "أي خطوة مصرية بإشعال حرب ضد السودان ستكون بمثابة خطأ كبير، سيدخل القاهرة في مشاكل حقيقية، إذ يمكن أن يستخدم السودان مياه النيل كورقة ضغط ضدها". واعتبر أنهما "سيتعايشان مع بعضهما البعض، رغم غياب الود. كما أن العلاقات لن تعود إلى وضعها الطبيعي قريباً، وقد تقع مناوشات وتوترات واحتكاكات على الحدود من دون أن تتطور إلى عمليات عسكرية حقيقية، خصوصاً أن الوضع معقد حالياً، ومن شأن تحالفات كل دولة أن تعقد الأزمة أكثر في حال الحرب، فضلاً عن عدم رغبة مصر الدخول في حروب خارجية، منذ تدخلها في اليمن في القرن الماضي وتكبدها خسائر هناك". ورجح أن "تعمل مصر بشكل منظم على دعم الحركات المسلحة السودانية خلال الفترة المقبلة".


ووفق المصادر فإن السودان بدأ فعلياً في تحريك ملف الاستفادة المصرية من حصة السودان المائية طوال الفترات السابقة من دون وجه حق، إذ اتضح أن القاهرة استفادت بأكثر من 600 مليار متر مكعب من المياه السودانية منذ العام 1979. وأكدت أن السودان يستفيد حالياً من 12 مليار متر مكعب من حصته، فيما تسيطر مصر على 6.5 مليارات متر مكعب من حصته. كما أن الخرطوم اكتشفت الخداع المصري بشأن حجم المياه الإضافية في السد العالي، إذ اتضح أن النسبة التي تقتسمها مصر مع السودان، منذ إنشاء السد، تخالف تماماً النسبة الحقيقية. وأكدت المصادر أن الماء هو أساس عدم رغبة مصر باستقرار الوضع في السودان واستغلال حصته كاملة، وفتح أراضيه أمام المستثمرين للزراعة.

داخلياً، تصاعدت الأصوات الداعية للتصعيد مع مصر، خصوصاً داخل حزب المؤتمر الوطني الحاكم، الذي قاد حملات قوية خلال الفترة الماضية لعرقلة اجتماعات اللجنة التشاورية السياسية، برئاسة وزيري خارجية السودان، إبراهيم غندور، ومصر سامح شكري، لا سيما أن الخارجية السودانية كانت ترغب في عقد الاجتماعات لتهدئة الأوضاع بين البلدين وامتصاص التوتر. وقال مصدر في وزارة الخارجية السودانية إن تأجيل زيارة غندور إلى القاهرة جاء بتوجيهات وتقديرات عليا بتعليق الاجتماعات، احتجاجاً على الخطوة المصرية بدعم المتمردين في دارفور. وأشار إلى أن الخارجية أبلغت الجانب المصري طلبها إرجاء الاجتماع إلى موعد آخر يتفق عليه، وذلك للانشغال بظروف خارجية. وأكد المصدر أن وزارتي الخارجية في مصر والسودان تديران عملية التشاور بينهما بمهنية وسلاسة. ورأت أن مشكلة السودان الأساسية هي مع الاستخبارات المصرية والاستخبارات العسكرية، فضلاً عن القرارات الرئاسية الاستعلائية.

وكان الصراع بين السودان ومصر تصاعد بعد فترة قصيرة من تحسن في العلاقات، أدى إلى مشاركة السيسي في حفل تنصيب البشير رئيساً في 2015، فضلاً عن مشاركته في ختام فعاليات مؤتمر الحوار الوطني في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، رغم التحفظات الإقليمية والدولية على الحوار السوداني. وأسهم التحرك المصري باتجاه جنوب السودان وأوغندا، خلال الأشهر الماضية، فضلاً عن الدعم العسكري المصري المباشر إلى جنوب السودان، في تصاعد الأزمة بين البلدين، واتجاه الخرطوم للتعامل بندية مع القاهرة، واتخاذ مواقف مخالفة لما انتهجته بعد اتفاق الحريات الأربع الموقعة في العام 2004، إذ ظلت مصر تشترط منح تأشيرة دخول للسودانيين بين 18 و49 سنة للرجال، وتستثني النساء والأطفال، بينما التزم السودان بتنفيذ اتفاق الحريات من دون شرط، قبل أن يتراجع أخيراً ويفرض تأشيرات وإقامات على المصريين في إطار المعاملة بالمثل. وأعلن غندور، أمام البرلمان أخيراً، أنه سيتم تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل تجاه أية خطوات مصرية حيال السودان.