ما بعد مجزرة المنيا: السيسي يوسّع جبهاته

مجزرة "داعش" في المنيا المصرية: أسباب فتح الجبهة الليبية والوجهة المقبلة

28 مايو 2017
غضب في أوساط الأقباط من العجز عن حمايتهم(العربي الجديد)
+ الخط -
مع استمرار ارتفاع عدد ضحايا المجزرة التي ارتكبها تنظيم "داعش" باستهداف حافلات تقل أقباطاً بين محافظتي بني سويف والمنيا جنوبي القاهرة، يوم الجمعة، ليصل إلى 29 قتيلاً وعشرات الجرحى، ازدادت وتيرة الاستنكار العالمي للجريمة، ومعهما استمرّت القاهرة في محاولة تنفيس الغضب الداخلي المتعاظم، من خلال فتح جبهة عسكرية خارجية، بدءاً من ليبيا، وتحديداً درنة. واستمرت أمس الغارات المصرية لليوم الثاني على مواقع عسكرية ومدنية في ليبيا خاضعة لسلطة فصائل إسلامية معروفة بعدائها الشديد لتنظيم "داعش". ومع هذا التنفيس للغضب الداخلي في الخارج، يحصد الحليف الوثيق للنظام المصري، قائد القوات التابعة لبرلمان طبرق خليفة حفتر، مكاسب عديدة، بما أن المواقع المستهدفة من المقاتلات المصرية كانت تشكل حاجزاً أمام تقدّم قواته في هذه المنطقة من الشرق الليبي.

وفي اليوم الثاني من بدء الغارات المصرية، تنفيذاً لقرار "محاربة الإرهاب في الخارج قبل الداخل"، بناءً على فحوى ما أعلنه الرئيس عبدالفتاح السيسي، أعلن تنظيم "داعش"، في بيان، مسؤوليته عن جريمة المنيا. ولم يسهم مرور يومين على ارتكاب الجريمة، في تخفيف حدّة الغضب الشعبي، خصوصاً في أوساط المصريين الأقباط، لجهة العجز الرسمي عن حمايتهم. وظهر الغضب المتعاظم خلال جنازات الضحايا، وهو الغضب الذي امتد ليشمل عدداً كبيراً من رجال الدين في الكنيسة القبطية.

وأعلنت وزارة الدفاع المصرية، يوم أمس السبت، عن "نجاح" الضربات الجوية التي وجّهتها لـ"مناطق تمركز وتدريب العناصر الإرهابية" المسؤولة عن اعتداء استهدف الأقباط. وأكد بيان على الصفحة الرسمية للمتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة على "فيسبوك" أن "القوات الجوية نفذت عدداً من الضربات المركزة نهاراً وليلاً استهدفت عدداً من العناصر الإرهابية داخل الأراضي الليبية، بعد التنسيق والتدقيق الكامل لكافة المعلومات". وأضاف أن "الضربة أسفرت عن تدمير كامل للأهداف المخططة التي شملت مناطق تمركز وتدريب العناصر الإرهابية التي شاركت في تخطيط وتنفيذ الحادث الإرهابي الغادر". ولم يوضح البيان الأهداف التي وُجّهت إليها هذه الضربات داخل ليبيا، إلا أن القوات التابعة لحفتر أعلنت أنها شاركت في الغارات المصرية على مدينة درنة. من جهته، قال المتحدث باسم "مجلس شورى مجاهدي درنة" محمد المنصوري في شريط فيديو إن غارات الطيران المصري "لم تسفر عن أي استهداف لأي موقع من مواقع المجلس إنما استهدفت مواقع مدنية". وأكد أن "الأضرار كلها مادية، ولم تتسبّب بأضرار بشرية".

وتطرح هذه الضربات عدداً من الاحتمالات التي قد تعكس الطريقة التي ستتعامل بها السلطات المصرية مع الأوضاع الميدانية في ليبيا مستقبلاً، أولها أن مصر ستتدخّل عسكرياً بدعوى محاربة الإرهاب لإعادة التوازن العسكري للنزاع الداخلي الليبي لمصلحة قوات حفتر وبرلمان طبرق عموماً، مع إصرار الولايات المتحدة وأوروبا على استمرار حظر توريد الأسلحة لكل الفصائل الليبية بما في ذلك جيش حفتر، على عكس ما يطالب به السيسي ودول حليفة له مثل الإمارات وروسيا. والاحتمال الثاني أن السيسي أسرع بتنفيذ هذه الضربة الجوية بما تيسر للاستخبارات الحربية المصرية من معلومات محدودة حصلت عليها من الاستخبارات الأميركية أو الروسية، على خلفية رغبة محمومة في توجيه ضربة سريعة بهدف الاستعراض الإعلامي، بغضّ النظر عن ارتباط "مجلس شورى درنة" أو غيره من الفصائل بجريمة المنيا بالفعل أو عدمه. وكان لافتاً الاحتفال السريع الظاهر على الصفحات الأولى للصحف المصرية الصادرة أمس السبت بـ"الثأر السريع".

أما الاحتمال الثالث المطروح، فهو أن السيسي قرر على خلفية اتفاق قديم بينه وبين حفتر والإمارات أن يتدخّل بشكل أساسي في الحرب الليبية لتخفيف الضغط على الجبهة الداخلية التي ثبت أنها تتضرر من ضعف التأمين العسكري للحدود المصرية الليبية من جهة، ومن جهة أخرى فرض نفسه كلاعب أساسي في الحرب أمام الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا، ومن جهة ثالثة محاولة إبادة القدرات العسكرية لكل الفصائل الإسلامية المسلحة من دون تمييز، وهو ما عبّر عنه السيسي من قبل أكثر من مرة بالتأكيد أنه لا يوجد فارق بين "داعش" و"القاعدة" و"الإخوان المسلمين"، وهي فكرة محورية في خطاباته بشأن الإرهاب وكررها في القمة العربية-الإسلامية-الأميركية الأسبوع الماضي في الرياض. ولم يحصل السيسي في هذه الضربة الجوية على موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب على الرغم من انعقاده، وذلك يخالف المادة 152 من الدستور. حتى إنه لم يجتمع بمجلس الدفاع الوطني الذي تنص المادة نفسها على وجوب أخذ رأيه أيضاً في شن عمليات حربية في الخارج.


وقارن مصدر أمني مصري رفيع المستوى بين ضربات درنة من جهة، والغارة التي وجّهها عقب المذبحة التي راح ضحيتها 22 قبطياً مصرياً في ليبيا مطلع عام 2015، معتبراً أن "ضربات كهذه لا تؤدي إلى تجفيف منابع الإرهاب، ولن تمنع العمليات الإرهابية التي تحدث في الداخل المصري، لأن داعش انتهى فعلياً من إنشاء خلايا معقدة التكوين في محافظات الصعيد تحت اسم ولاية الصعيد". واعترف المصدر الأمني بفشل الأجهزة المصرية حتى الآن في تتبّع هذه الخلايا، قائلاً إن "هناك عقبتين رئيسيتين: الأولى أن المتهمين الذين يتم القبض عليهم ويثبت انتماؤهم لفكر داعش لا يكونون على علم كامل بباقي الخلايا أو الأهداف التي يرصدها التنظيم، والعقبة الثانية أن هناك مساحة شاسعة في الصحراء الغربية غير مراقبة تماماً من قبل قوات حرس الحدود، بينما قيادات تنظيمي ولاية ليبيا وولاية الصعيد يجيدون استغلال هذه المساحات، بل واستطاعوا تشكيل تحالفات مع عصابات تهريب المخدرات والأسلحة فيها لنقل سيارات الدفع الرباعي وغيرها من وسائل النقل عبر الطرق غير المراقبة والخالية من المراكز العسكرية".

وكشف المصدر أن السيسي سبق أن أمر بتغيير العديد من قيادات إدارة الأمن الحربي خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة على خلفية حوادث مشابهة، بعضها لم يتم الإعلان عنها، كانت تستهدف الجيش والشرطة وليس المواطنين الأقباط، موضحاً أن هناك تقارير تم إعدادها تؤكد حاجة المنطقة الغربية العسكرية وقوات حرس الحدود لإعادة تأهيل تدريبي وتقني وتسليحي.
وذكّر المصدر أن منطقة الصحراء الغربية نشط فيها خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة عدد من الجماعات الإرهابية، بداية بتنظيم "أنصار بيت المقدس" قبل أن ينقسم داخلياً بين مجموعة "ولاية سيناء" الموالية لـ"داعش"، ومجموعة الضابط هشام علي عشماوي الذي أسس في ما بعد تنظيم "المرابطين" الذي مارس أنشطته بين ليبيا وبين مصر. ثم برز تنظيم "أجناد مصر" الذي حاول اختراق هذه المنطقة بعد التضييق عليه في الداخل المصري، ثم تنظيم "ولاية ليبيا" الداعشي الذي نفذ بعض العمليات حول منطقة مطروح، وأخيراً تنظيم "ولاية الصعيد" الذي يبدو أنه سيكثّف عملياته انتقاماً لتحريك أولى القضايا الجنائية أخيراً ضد أفراد ينتمون إليه.

وعن الجهة المنوط بها جمع المعلومات ومراقبة هذه المنطقة وكيفية التعاون بين الأجهزة الأمنية المختلفة في مصر، أوضح المصدر أن هناك تداخلاً "غير صحي" بين مهام الاستخبارات العامة والاستخبارات الحربية والأمن الوطني (أمن الدولة) والأمن العام، لافتاً إلى أن بعض الأجهزة تصل بالفعل في كثير من الأحيان إلى معلومات مؤكدة وموثوقة عن عمليات إرهابية يتم التخطيط لها، لكنها تصطدم بتكذيب أو تهوين أجهزة أخرى، لا سيما مع اعتماد السيسي في المقام الأول على الاستخبارات الحربية في جمع المعلومات عن هذه المنطقة.

وبالإضافة إلى اهتمام السلطات المصرية بالتركيز على أولوية ضرب "الإرهاب الآتي من ليبيا"، لا يستبعد كثيرون أن يكون السودان مشمولاً في لائحة الدول التي تنوي مصر الرسمية التصعيد ضدها تحت عنوان أنها "تأوي وتدعم إرهابيين". وقال مصدر دبلوماسي مصري لـ"العربي الجديد" إن السيسي، في كلمته يوم الجمعة، "لم يكن يتحدث عن ليبيا فقط لأنها تعيش مرحلة اللادولة، بل كان يقصد أيضاً السودان الذي أصبح يمثّل صداعاً في ما يتعلق بقضية مثلث حلايب وشلاتين المتنازع عليه، مع تقاربه السياسي مع دول غير مفضّلة للسيسي كقطر وإثيوبيا".

وتوقّع المصدر الدبلوماسي ألا تدوم التهدئة بين نظامي مصر والسودان طويلاً، وأن يخرج الحديث الذي كان يدور في الغرف المغلقة عن إيواء السودان "عناصر إرهابية" سواء من جماعة "الإخوان" أو تنظيمات أخرى، إلى العلن، كرد فعل على الضغط السوداني المتصاعد في ملف حلايب وشلاتين. وأوضح المصدر المقيم في نيويورك لـ"العربي الجديد" أنه من المحتمل أن يلعب السيسي، في حال استمرار السودان في تصعيده بملف حلايب وشلاتين، بورقة اتهامها بإيواء عناصر إرهابية، للإساءة لصورة الخرطوم أكثر في الأوساط الأميركية والأوروبية، خصوصاً أن الإدارة الأميركية الجديدة مستعدة للتعاطي مع مثل هذه الطروحات التي تضع في كفة واحدة كل المنتمين للحركات الإسلامية بمختلف درجات تشددها.