"العربي الجديد" بـتطاوين: غضب مكتوم من جور الدولة والإعلام

"العربي الجديد" في تطاوين: غضب مكتوم من جور الدولة وشبابها يتولى تأمينها

24 مايو 2017
تطاوين تبدو هادئة وآمنة (العربي الجديد)
+ الخط -
تبدو مدينة تطاوين آمنة في هذه الأثناء؛ فعلاوة عن تولي الجيش تأمين الشوارع وتمشيطها على امتداد ليلة أمس واليوم وفق ما لاحظه "العربي الجديد" من عين المكان، فإن شبابها وكهولها أمضوا ليلة أمس في تأمين منطقة وإقليم الحرس الوطني. ولم يتبق من آثار الاحتجاجات داخل المدينة، إلا بقايا العجلات المطاطية والحواجز التي ركزها شباب المنطقة، وكثير من الغيض في نفوسهم مما وصفوه بـ"جور الدولة والإعلام".

وساد الهدوء صباح اليوم شوارع مدينة تطاوين وتواصلت الحياة بشكل طبيعي، رغم الشائعات التي تطرأ بين وقت وآخر حول وفاة الشاب عبد الله العواي الذي أصيب خلال الاحتجاجات بالكامور أول من أمس، والتي قد تفجر الغضب الكامن في نفوس أبناء المنطقة وقد تعيدهم إلى الشارع مجدداً للاحتجاج، برغم أن الأخبار تفيد باستقرار وضعه الصحي إلى حد الآن.

ولا يخفى على الوافدين على المكان، إحساس عارم بالغضب والغيض لدى أبناء المنطقة إزاء ما يرون أنه ظلم من الدولة ومن الإعلام أيضاً. ويؤكد الشاب سفيان في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ تطاوين تتعرض إلى ظلم يعادل ذلك الذي مورس عليها لستين سنة إثر الاستقلال، بشيطنة حراكها السلمي ودفع أبنائها للعنف وتصويرهم كمخربين متحالفين مع الإرهاب.

ويفسر ذلك بما اعتبره هجمة إعلامية ممنهجة استهدفت الحراك الذي تميز بسلميته طيلة شهرين متواصلين، ولم يصل إلى العنف إلا إثر استفزاز متعمد من الدولة. وأضاف المتحدث ذاته لـ"العربي الجديد" أن الروايات الرسمية التي قدمت حول أحداث العنف لا أساس لها من الصحة، بل على العكس تماماً، فإن شباب تطاوين، إحدى أكثر محافظات البلاد ثراء بثرواتها الطبيعية وقيمتها السياحية، يعاني التهميش ويتنافس على أعلى نسبة بطالة مع محافظات أخرى تناستها الدولة لعقود.

ولم يكن في بال سفيان أبداً التظاهر أو الاحتجاج أو الخروج إلى الشارع، واقتصر في الأيام الماضية على زيارة أقربائه المعتصمين في الكامور، بيد أن ما وصفه بمحاولة السلطات الأمنية استفزاز المعتصمين وإفساد مفاوضاتهم مع الجيش الوطني حول إغلاق مضخة البترول هناك، هي التي دفعت إلى العنف وذهب ضحيته شابٌ من أبناء تطاوين ولم يعد آنذاك للعقل أو المنطق أي تحكيم في الأمر.

الرواية ذاتها قدمها جعفر لـ"العربي الجديد" وهو شاب مصاب على مستوى الرقبة والوجه إثر تعرضه للضرب من قبل أمني أثناء الاحتجاجات وفق حديثه. وأبرز جعفر أن خروج أبناء تطاوين إثر قتل شاب منهم كان عفوياً وردة فعل طبيعية على سقوط ضحية خرج للمطالبة بالشغل. بيد أن محدث "العربي الجديد" يصرّ على ألا ثقة لأهالي المنطقة في الحكومة اليوم، إذ لم تعد وعودها عملة متداولة هنا، وكل ما يطلب منها اليوم هو الكف عن تجريم حراكهم وتقديم إجراءات ملموسة في مقدمتها ضمان عيش كريم لعائلة "شهيد الحراك الاجتماعي" هناك، أنور السكرافي.



وبدت استقالة محافظ تطاوين، محمد علي البرهومي، التي أعلن عنها صباح اليوم الأربعاء غير ذات أهمية بتاتاً لدى الأهالي، الذين عبروا عن عزمهم مطالبته بالرحيل سيما وأنه لم يكن حلقة ربط فاعلة بينهم وبين الحكومة، على حد تقديرهم.

في المقابل، اعتبر النائب عن المحافظة عن حزب "نداء تونس"، الطيب المدني في حديث لـ"العربي الجديد" أن استقالة المحافظ مبررة وليست قفزاً من سفينة تشارف على الغرق، بل خلافاً لذلك جاءت إثر انعدام كل وسائل العمل في هذا المنصب، إضافة إلى مطالبته سابقاً بإقالة إطار أمني بالجهة عمد لرفع تقارير مغلوطة لوزارة الداخلية حول الوضع، وله ارتباطات مشبوهة، كما أنه يعد المسؤول الأول عن تأجيج الأوضاع وتأزمها لتؤول إلى حالة الاحتقان الحالية.

وإذ لا ينفك طيف واسع من الأهالي ممن التقاهم "العربي الجديد" على التأكيد على أن الأحزاب الحاكمة تخلت عنهم ولم تدافع عن قضية الجهة الحقيقية وهي حقها في التنمية، فإن المدني يؤكد أن ابتعاد الأحزاب عن الحراك كان بطلبٍ من المحتجين، وتولى النواب المفاوضة في العاصمة مع الحكومة وتوصلوا لإبرام اتفاق معها تضمن 64 نقطة لم تكن الجهة لتنعم بها لولا حراك أهاليها. وكشف المدني أن جلسة ستجمع غداً وزير التشغيل والتكوين المهني، عماد الحمامي، بمختلف الحساسيات بتطاوين من أجل تدارس حلول سريعة قد تكون عاملاً للتهدئة وخفض الاحتقان.

دلالات