مجالس البلديات الإيرانية تعيد الإصلاحيين والمعتدلين إلى الصدارة

مجالس البلديات الإيرانية تعيد الإصلاحيين والمعتدلين إلى الصدارة

23 مايو 2017
من الاحتفالات بانتصار روحاني (فاطمة بهرامي/الأناضول)
+ الخط -

جرت انتخابات مجالس بلديات المدن والقرى بدورتها الخامسة في إيران بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية، يوم الجمعة الماضي، ومع تحقيق المعتدل المدعوم من الإصلاحيين حسن روحاني لنصره الرئاسي، استطاعت اللوائح المشتركة بين منتمين لكلا التيارين أن تحصد غالبية المقاعد في عدد من المدن الكبرى، وعلى رأسها طهران وهي صاحبة الدائرة الأثقل.

فبعد أن سيطر المحافظون على مجلس طهران لـ14 عاماً تقريباً، حصدت قائمة الأمل المقاعد الـ21 برمّتها، وحل محسن هاشمي، نجل الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني أولاً في هذه الدائرة، فحصل على ما يزيد عن 1.8 مليون صوت تقريباً، وجاء من خلفه كافة أعضاء لائحته.

لائحة الأمل كذلك، فازت في مدينة كرج القريبة من طهران، واحتلت معظم مقاعد شيراز، فضلاً عن أماكن أخرى. وهو ما أعاد الإصلاحيين بفضل الاتحاد مع المعتدلين إلى الواجهة من جديد، وقد بارك المجلس الأعلى للتخطيط والتنسيق الإصلاحي هذه النتائج، معتبراً في بيان رسمي أن ما حصل يعني أن خطاب الإصلاح ما زال يحتفظ بمكانته بين الإيرانيين. وجاء في البيان أيضاً أن مجلس العاصمة طهران لم يستطع التعامل مع المشكلات الحقيقية التي عانى منها المواطنون خلال السنوات الماضية، ما يعني وجود تحديات حقيقية، تتطلب تركيزاً أكبر.

تستمر كل دورة من دورات هذه المجالس الموزعة على آلاف المدن والقرى الإيرانية لأربع سنوات، ويتم انتخاب رؤسائها مرة كل عام بعملية اقتراع داخلي بين الأعضاء، ويضم كل مجلس أعضاء رئيسيين وآخرين بدلاء، وكان ثلاثة آلاف شخص قد سجلوا أسماءهم للتنافس على مقاعد العاصمة طهران، وتقلص هذا العدد بعد أن منحت لجان خاصة أهلية الترشح لعدد منهم.

وكان ما يعادل 280 ألف شخص قد سجلوا أسماءهم في كافة أنحاء البلاد، منهم 17 ألف سيدة، والجدير بالذكر أن اللجان التي تدرس الطلبات، تنفيذية وموزعة في دوائر ومقاطعات حكومية، وهو ما يجعل انتخابات مجالس البلديات تختلف في هذه الناحية عن بقية الاستحقاقات التي تنظر لجنة صيانة الدستور عادة في طلبات مرشحيها. وهي اللجنة التي تضم حقوقيين ورجال دين غالبيتهم من المحافظين، ويترأسهم المتشدد أحمد جنتي، ولعل هذا العامل هو ما ساعد على قبول طلبات كثيرة من المعتدلين، والمحافظين على حد سواء، رغم أن الإصلاحيين تحدثوا في وقت سابق عن إقصاء عدد من مرشحيهم من قبل اللجان التنفيذية، لكن استراتيجية الاتحاد مع المعتدلين، جعلتهم في الصدارة.


هو ذاته السيناريو يتكرر مجدداً، فقد جرت الانتخابات التشريعية بالتزامن وانتخابات مجلس خبراء القيادة العام الماضي، واكتسح المعتدلون والإصلاحيون معاً مقاعد المجلسين، باتباعهم ذات الخطة، وهو ما لم يكن متوقعاً حينها، لكن هؤلاء احتلوا أيضا مقاعد الدائرة الأثقل وهي دائرة طهران، ففاز غالبية المرشحين عن قائمة "رفاق الاعتدال" بمقاعد طهران في مجلس الخبراء. وحل الراحل هاشمي رفسنجاني في المرتبة الأولى، وجاء حسن روحاني في المرتبة الثالثة، لكن لائحة الأمل استطاعت أن تحصل على كافة المقاعد الثلاثين التي تمثل مدينة طهران في البرلمان الإيراني.

ورغم اتساع رقعة إيران وتعدد دوائرها الانتخابية، تبقى لدائرة طهران الحظوة الأكبر، فخلال استحقاق مجالس البلديات الأخير، توزعت الدوائر الانتخابية في أكثر من 3950 نقطة. ومنذ أن تم فرز أصوات 2500 منها، بدا واضحاً انتصار المعتدلين والإصلاحيين، وهو ما جعل صحفاً تابعة لهؤلاء تصف المدن الكبرى بأنها عادت لتكون ذات طابع إصلاحي.

في المقابل، اشتكى المحافظون مما جرى، فهم لم يعتادوا على إخفاقات متتالية من هذا النوع منذ عقد تقريباً، بل وإن رئيس مجلس بلدية طهران المحافظ مهدي شمران اشتكى من عدم وجود رقابة كافية في بعض المراكز الانتخابية، محملاً البرلمان الإيراني مسؤولية الأمر، ومؤكداً أنه سيقدم شكوى لمتابعة الموضوع.

وردّ عليه عضو لجنة المجالس في البرلمان، عبد الرضا هاشم زايي، نافياً ما جاء على لسان شمران، قائلاً إن "البرلمان أدى واجبه وراقب العملية جيداً من دون أي تحيّزات سياسية". وخاطبه بالقول "إن المحافظين لم يستطيعوا حتى أن يستفيدوا من غياب وإقصاء عدد من الإصلاحيين، فحذفوا من طهران بالكامل".

اللافت في هذه الدورة الانتخابية كان المشاركة، سواء من قبل المرشحين أو حتى من طرف الناخبين، فقد ارتفع عدد من خاضوا السباق هذه المرة بنسبة 14 في المائة عن الدورة الماضية. وقد عزت هيئة الانتخابات الأمر لضم خمسة آلاف قرية للعملية الانتخابية، فتم تشكيل مجالس منفصلة لكل منها، وبات عدد مقاعد هذه المجالس يزيد عن 126 ألفاً، وأهميتها الحقيقية تكمن في مهمتها المتعلقة بانتخاب عمدة كل منطقة، وهو ما يضع طهران في الواجهة من جديد.



هذا المجلس يشرف على عمل بلدية طهران، التي لا تعدّ مؤسسة حكومية رسمية، وليس لديها موازنتها من الحكومة التي يترأسها حسن روحاني، ولكنها تعتمد على مخارجها وعائداتها الخاصة، وسيطرة المعتدلين والإصلاحيين على مقاعد طهران، يعني أن بقاء محمد باقر قاليباف كعمدة بات مهدداً.

قاليباف الذي خاض السباق الرئاسي الأخير وانسحب لصالح المحافظ ابراهيم رئيسي، يجلس على كرسي العمدة في طهران منذ أكثر من عقد، وجلس في هذا المكان من قبله الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد وانتقل من هناك للقصر الرئاسي. وفي الوقت الراهن، يدور الحديث عن احتمال تعيين محسن هاشمي رفسنجاني في هذا المكان، وكان قد ترشح لذات المنصب منذ سنوات لكن قاليباف تغلب عليه بفارق صوت واحد وحسب.

هاشمي من مواليد عام 1961، وهو من أسس قطار الأنفاق في طهران، وتولى رئاسة الإدارة العامة لمؤسسة مترو العاصمة لـ13 عاماً، وحافظ على منصبه حتى حين كان أحمدي نجاد عمدة للمدينة. وقد تولى مناصب هامة في مؤسسات النقل الإيرانية، وفي العام 2011 استقال من منصبه كرئيس لمؤسسة المترو، لكن قاليباف عينه مستشاراً وعضواً في الهيئة الرئاسية لبلدية طهران.

في مقابل كل هذا، فإن النجاح في مجالس البلديات، يعود لمشاركة شعبية تراوحت بين 60 و90 في المائة في كافة المناطق، بل ووصل في بعض القرى إلى 100 في المائة، وقد أدت رسائل السياسيين دوراً كبيراً في إخراج الإيرانيين نحو الصناديق. فالمرشد الأعلى علي خامنئي استطاع جذب غالبية الإيرانيين نحو صناديق الاقتراع، من خلال تأكيده أن نجاح الانتخابات الرئاسية وانتخابات مجالس البلديات يعني انتصاراً لإيران أمام أعدائها.

كذلك تسببت الدعوة المصورة التي جاءت على لسان الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي بذات الصدى، فاستطاع أن يكفل جر الشريحة المؤيدة للإصلاحيين، تحديداً ممن ابتعدوا عن المشهد الانتخابي منذ احتجاجات عام 2009. وأدى هذا لمشاركة شبابية واسعة خلال هذه الدورة الانتخابية، ممن تخوفوا من فوز المحافظ ابراهيم رئيسي على روحاني، ووضعوا أصواتهم كذلك لصالح الجبهة المعتدلة الإصلاحية في صناديق انتخابات مجالس البلديات والتي وضعت على طاولة واحدة إلى جانب صناديق الاقتراع الرئاسي، وهو ما أدى لتصدر هذه الجبهة للنتائج.



دلالات