ماذا وراء "البلطجة" الإسرائيلية تجاه ألمانيا؟

ماذا وراء "البلطجة" الإسرائيلية تجاه ألمانيا؟

03 مايو 2017
غابرييل في القدس في 24 أبريل الماضي (كورينا كيرن/Getty)
+ الخط -
خطفت زيارة وزير الخارجية الألماني، زيغمار غابرييل، إلى إسرائيل، وما نتج عنها من تداعيات وأزمة دبلوماسية بين ألمانيا ودولة الاحتلال، الأضواء في برلين، بعد رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الاجتماع بغابرييل بحجة أن الوزير الألماني رفض الإنذار الذي وجّهه له نتنياهو، بعدم الاجتماع مع ممثلي منظمات المجتمع المدني التي تتهمها الحكومة الاسرائيلية ببث الأكاذيب والدعاية المعادية للجيش الإسرائيلي. لكن المعلومات التي يتم التداول بها في ألمانيا تشير إلى أن هناك أسباباً غير معلنة دفعت نتنياهو لاتخاذ هذا الموقف، الذي وصفه مسؤولون ألمان بالفضيحة، في ظل قلق من أن ينسحب هذا التوتر على الزيارة المرتقبة للرئيس الألماني الجديد، فرانك فالتر شتاينماير، المقررة بين 6 و9 مايو/أيار الحالي.

ويرى خبراء في الشؤون الخارجية الأوروبية، أن الأسباب الحقيقية تكمن في ما يمكن وصفه بـ"الامتعاض الإسرائيلي" من الجانب الألماني على خلفية مواقفه ودعمه للقضية الفلسطينية، والدفع باتجاه حل الدولتين، ورفضه سياسة إسرائيل الاستيطانية بشكل رئيسي. وقد يكون من الأسباب أيضاً وراء رفض اللقاء إقدام السلطات الألمانية أخيراً على إلغاء اجتماعات اللجنة المشتركة التي كان من المقرر عقدها خلال مايو بين ممثلي البلدين، وسبقها إلغاء قمة في فبراير/شباط الماضي كان من المتوقع أن تسفر عن توقيع مذكرة تفاهم لشراء ثلاث غواصات من ألمانيا وبأسعار تفضيلية، على اعتبار أن برلين تساعد تل أبيب في مجال التعاون والمساعدات والدعم العسكري.

وإضافة إلى ما يراه المحللون بأنه هروب لنتنياهو من النقاش حول التضييق الذي يمارسه وحكومته على منظمات المجتمع المدني، فإنهم يشيرون إلى أن إسرائيل لم تستسغ الموقف الألماني الذي دعم توقيع الاتفاق النووي الإيراني في يوليو/تموز 2015، ناهيك عن الإشكالية في العلاقة غير الودية تجاه شخص غابرييل، وزير الاقتصاد السابق، لكونه من السياسيين الأوائل في العالم الذين زاروا إيران بعد الاتفاق، في وقت لا يزال اليمين الإسرائيلي يتحفظ على موقفه بعد زيارة قام بها إلى مدينة الخليل في العام 2012، وقال حينها "هذا هو الفراغ القانوني للفلسطينيين ونظام الفصل العنصري الذي لا يوجد له أي مبرر". بالإضافة إلى ذلك لا يمكن تجاهل الأسباب السياسية الداخلية وراء موقف نتنياهو، وهي أنه يريد أن يبقى مسيطراً على معسكر اليمين، في ظل وجود منافسين آخرين له، كوزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان، ورئيس حزب البيت اليهودي، نفتالي بينت، وإظهار نفسه للرأي العام أنه شخصية فذة، رغم أن تل أبيب تعمل بنظرية الدبلوماسي البريطاني، اللورد بالمرستون، ومفهومها العمل وفق مصالحها فقط وليس لديها صداقات.

وفي ما يتعلق بالسبب الرئيسي الذي يرجّح المحللون أنه يقف خلف موقف نتنياهو فهو كان واضحاً على لسان أكثر من مسؤول ألماني، مع تأكيدهم أنه أضاع فرصة كان من الممكن أن تسمح لألمانيا، أحد أبرز الدول الأوروبية الانخراط في ملف المفاوضات، وأن تؤدي دوراً مستقبلياً في تحقيق مصالح مشتركة تصب في مصلحة الفلسطينيين والإسرائيليين. وكانت ألمانيا أعلنت أخيراً موقفاً صريحاً من هذا الأمر، محذرة من أن استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات في القدس الشرقية والضفة الغربية قد يؤدي إلى تقويض التقدم نحو إيجاد تسوية سياسية. كما كانت هذه القضية موضع اهتمام المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، خلال لقائها في مارس/آذار الماضي، الرئيس الفلسطيني، محمود عباس في برلين، من دون أن تخفي قلقها من التطورات في الضفة الغربية، مؤكدة أنه لا بديل عن حل الدولتين، ومعتبرة أن توسيع الاستيطان لا يؤدي إلا إلى تآكل الحل، وبالتالي لا يمكن لإسرائيل أن تحافظ بهذا النهج على طابعها كدولة يهودية.


الموقف نفسه عبر عنه أيضاً عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني، يوهان فاديبول، الذي اعتبر، في حديث تلفزيوني، أن ما قام به نتنياهو يدعو إلى الخيبة، لأن بين البلدين علاقات تاريخية. وقال "يبدو أن حكومة نتنياهو لديها موقف متشدد إزاء حل الدولتين، والموقف الذي تدعمه ألمانيا انطلاقاً من أن سياسة الاستيطان تخالف القانون الدولي". وشدد على أن بلاده لا تخجل من التعبير عن ذلك بوضوح، وعلى إسرائيل أن تتقبل النقد، وعلى الجميع السعي لتحريك عملية السلام، وسنضع الطرفين أمام مسؤولياتهما والتعبير للجانب الإسرائيلي بضرورة تبديل موقفه، كما وعلى الفلسطينيين تقديم بعض التنازلات. وأضاف أن "موقف الاتحاد الأوروبي وسياسة ألمانيا واضحتان في هذا المجال، والجهود منكبة لتحقيق هذا الحل وسنبلغ ذلك لواشنطن".

من هنا، يرى باحثون في الشؤون السياسية أن على الاتحاد الأوروبي أن يتخذ موقفاً موحداً وأن يكون شريكاً في دفع عملية السلام، لا سيما أنه يتكفل بجزء من موازنة السلطة الوطنية الفلسطينية وملفات إعادة الإعمار، ويقدم الدعم للحكومة ولمنظمات المجتمع المدني داخل إسرائيل، وأنه يجب على أوروبا ألا تبقى أسيرة القرار الأميركي، وأن تؤدي دورها في عملية صنع القرار، وعدم الاكتفاء بمنطق أن الدور التنموي والاقتصادي يتحمله الأوروبي فيما السياسي يخضع للإملاءات الأميركية. مع العلم أن إسرائيل تحاول فرض واقع "جيوسياسي" عبر بناء المزيد من المستوطنات، وترفض أي وساطة تقوم بها ألمانيا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو ما عبر عنه السفير الإسرائيلي لدى ألمانيا، يعكوف هداس هندلسمان، في حديث لوكالة الأنباء الألمانية: "لا نريد وسطاء. الطرفان يعرفان بعضهما بعضاً جيداً، والمطلوب من المجتمع الدولي، إذا ما أراد المساعدة، أن يدفع الفلسطينيين للعودة غير المشروطة إلى طاولة المفاوضات". وأضاف أن "الفلسطينيين يعتقدون أن بإمكانهم الحصول على الكثير من الضمانات والمزايا من دون مقابل".

ويرى مراقبون، أن قرار الحكومة الإسرائيلية في بناء المستوطنات لا يشكل حجر عثرة على طريق تقدم عملية السلام. ويشدد هؤلاء على أن إسرائيل كانت أبلغت ألمانيا، قبل الزيارة عبر هندلسمان، برفضها للقاءات التي سيجريها غابرييل مع منظمات المجتمع المدني، والتي قيل إنها أجريت في منزل السفير الألماني، وبينها "حركة السلام الآن" و"كسر الصمت" و"بتسيلم"، التي تعتبرها حكومة نتنياهو أنها تشوه سمعة إسرائيل في العالم، وأن نشاطاتها موجهة ضد الجيش، والحكومة منزعجة من دورها وتجاوزها للخطوط الحمراء في العلاقات الدولية، علماً أن هامش الحركة لديها كبير لأنها تتلقى معظم ميزانيتها من أوروبا. ويرى محللون أن تصرف نتنياهو سيعرض العلاقات بين ألمانيا وإسرائيل لبعض الضرر، إلا أنه من السهل إصلاحه، خصوصاً وأن هناك الكثير من المصالح والروابط المشتركة التي تجمع البلدين. وتعتبر ألمانيا ثاني أكبر شريك لإسرائيل في أوروبا، وهي تدعم تل أبيب بالغواصات والأسلحة بأسعار تفضيلية، تصل إلى ثلث الثمن الأصلي. يشار إلى أن بعض وسائل الإعلام الألمانية وصفت زيارة غابرييل بالفاشلة وأنها تسببت بأزمة دبلوماسية، وكان عليه أن يكون أكثر هدوءًا ويملك الكثير من الثقة، وتفادي لقاء المنظمات غير الحكومية المناهضة للحكومة، وبالتالي عدم التأثير سلباً على أجواء الزيارة، كونه كان يعلم سلفاً تحفظاتِ مضيفه على اللقاءات.