العقوبات الأميركية ضدّ موالين للأسد: تصعيد أم خطوة بلاجدوى؟

عقوبات واشنطن ضد مقربين من الأسد: تصعيدٌ أم خطوة بلا جدوى؟

17 مايو 2017
عقوبات أميركية جديدة ضد مقربين من الأسد(فريدريك ساندبيرغ/فرانس برس)
+ الخط -
يصف بعض المُحللين والمراقبين للملف السوري، العقوبات الأميركية المتعاقبة ضد نشاطات النظام السوري الاقتصادية، بـ"القديمة الجديدة" التي تُعيق أحياناً، لكنها لا تُقيد هذه النشاطات تماماً؛ إذ إن تاريخ فرضها الطويل، الممتد إلى ما قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011، أكسب المتنفذين الكبار في نظام الرئيس بشار الأسد، خبرةً كبيرة في أساليب المناورة، للالتفاف عليها بطرقٍ عدة. سوى أن هذه العقوبات المتتالية، والتي كان آخرها قبل يومين، تُعبر بشكل أو بآخر، عن مواقف الإدارات الأميركية المتعاقبة من النظام السوري، وطريقة تعاطيها معه في أوقاتٍ لها دلالات سياسية.

وطاولت عقوبات وزارة الخزانة الأميركية الأخيرة قبل يومين، خمس مؤسسات وخمس شخصيات، مُتهمة بتسيير مصالح اقتصادية للنظام السوري؛ إذ ضمت القائمة المسؤول عن إدارة شركتي "الأجنحة" في دمشق، و"بارلي أوف شور" في بيروت محمد عباس، وهما شركتان تُستخدمان في "نقل الواردات المالية لرامي مخلوف (ابن خال بشار الأسد) إلى خارج سورية"، بحسب ما أشار بيان الخزانة الأميركية.

كما شملت العقوبات منظمة "البستان" التي يصفها أتباع النظام السوري بـ"الخيرية" ومديرها سمير درويش، لارتباطها كذلك برامي مخلوف (ابن خال الأسد) وأحد اقطاب الدعم الاقتصادي للنظام السوري، والذي وضعته الوزارة الأميركية في قائمة عقوباتها منذ سنوات، فيما أضافت، أمس الإثنين، لهذه القائمة اثنين من إخوته، وهما إياد وإيهاب مخلوف.

وبحسب بيان وزارة الخزانة، فقد ساعد إياد نظام الأسد على "تجنب العقوبات الدولية"، فيما عمل أخوه إيهاب كنائب رئيس مجلس إدارة شركة "سيرياتيل" للاتصالات في سورية التي شملتها العقوبات كذلك.

وبالإضافة إلى ذلك، فقد فرضت واشنطن عقوبات على "بنك الشام" الإسلامي الذي تقع إدارته في العاصمة السورية دمشق، بسبب "تقديمه الدعم لحكومة النظام السوري"، فيما شمل الإدراج مدير العقود في "مركز البحوث والدراسات العلمية"، محمد بن محمد بن فارس قويدر، بسبب ضلوع المركز في تطوير وإنتاج أسلحة غير تقليدية للنظام السوري، حيث إن المركز مدرج في عقوبات سابقة.

ويتعرض بموجب القوانين الأميركية، كل من تفرض عليه العقوبات، إلى حجب جميع ممتلكاته الموجودة في الولايات المتحدة، أو ضمن نطاق صلاحياتها، كذلك يمنع أي أميركي من إجراء أي تعامل مالي معه أو تقديم الدعم والمساعدة لمن تشمله هذه العقوبات، والتي طاولت بالسابق، وعلى امتداد سنوات مضت، وزراء ومؤسسات وبنوكاً وشخصيات أخرى من الحلقة الضيقة لنظام الأسد.

وجاءت لائحة العقوبات الأخيرة التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية، قبل يومين، على شخصيات ومؤسسات تُسيّر مصالح اقتصادية للنظام السوري، لتكون الثانية لإدارة الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب منذ توليها السلطة، والثالثة لواشنطن منذ بداية هذا العام؛ إذ سبقتها عقوباتٌ طاولت بشكل أساسي ضباطاً بقوات النظام، في الثاني عشر من يناير/كانون الثاني الماضي، وشملت ثمانية عشر عميداً وعقيداً بجيش الأسد وشخصيات أخرى مرتبطة بـ"برنامج أسلحة الدمار الشامل السوري".



وتلت تلك العقوبات لائحة عقوبات كانت الأولى بعد تولي ترامب السلطة في واشنطن، وطاولت في الرابع والعشرين من إبريل/نيسان، 271 من موظفي المركز السوري للبحوث والدراسات العلمية، الذين عملوا على تطوير برنامج أسلحة النظام الكيميائية.

ويصف بعض المحليين المتابعين لتفاصيل الملف السوري، هذه العقوبات، بأوراق ضغطٍ سياسيةٍ تستثمرها واشنطن، ضمن سياسة تعاطيها مع القضية في سورية، لكنها لا تؤثر فعلياً على المصالح الاقتصادية المباشرة للنظام، ولو أنها تدفع المشمولين فيها لاتّباع مناوراتٍ يلتفون من خلالها على هذه العقوبات التي تعيق نشاطاتهم المالية المرتبطة بالبنوك الأميركية.

وكان تحقيق استقصائي نشره "العربي الجديد" بتاريخ الثاني عشر من أغسطس/آب سنة 2015، كشف بالوثائق، عن "إمبراطورية آل مخلوف المالية"، وكيف أنها تملك أهم البنوك وشركات الاتصالات والتعهدات، والمؤسسات العقارية والمصرفية في سورية، وتواصل تسيير أعمالها وتبادلاتها التجارية عبر العالم، من خلال شبكةٍ معقدة، وشركاتٍ وهمية في بلدان مختلفة، تُمرر صفقاتٍ لآل مخلوف ومتنفذين في نظام الأسد، بعيداً عن الرقابة المالية العالمية.

ولكن وغير بعيدٍ عن الجوانب الاقتصادية لهذه العقوبات، التي لا يُمكن فصلها عن الأهداف السياسية لها، فإن رأياً آخر يسود في أوساط المعارضة السورية؛ إذ يعتبر أنصاره أن عقوبات واشنطن الجديدة ضد النظام السوري، تأتي ضمن سلسلة خطواتٍ تصعيدية متسارعة تنتهجها إدارة ترامب ضد نظام الأسد، إذ تُبدي هذه الإدارة جديةً عملية في تعاطيها مع النظام، من خلال تتالي الخطوات الأميركية ضده.

وآخر هذه التحركات، جاء مساء الإثنين الماضي، عندما كشفت الخارجية الأميركية عن أدلةٍ تُثبت إقامة النظام السوري لمحرقةٍ يتم فيها التخلص من جثث المعتقلين الذين تم إعدامهم في سجن صيدنايا (سيئ الصيت)، شمال مدينة دمشق، والذي كان تقريرٍ لمنظمة العفو الدولية صدر بداية فبراير/شباط الماضي، قد وصفه بـ"مسلخ بشري"، تم فيه إعدام ثلاثة عشر ألف معتقل على الأقل خلال خمس سنوات.

وكانت واشنطن فرضت في الرابع والعشرين من الشهر ذاته، عقوباتٍ طاولت 271 من موظفي المركز السوري للبحوث والدراسات العلمية الذين عملوا على تطوير برنامج أسلحة النظام الكيميائية، وذلك بعد أقل من ثلاثة أسابيع على الضربة العسكرية الأميركية التي استهدفت مطار الشعيرات العسكري بريف حمص، في السابع من إبريل/نيسان الماضي، على خلفية قصف النظام لمدينة خان شيخون بغازاتٍ سامة، ما أدى إلى مقتل عشرات المدنيين.

المساهمون