إخوان السيسي وإخوان بوتفليقة

إخوان السيسي وإخوان بوتفليقة

16 مايو 2017
سعت السلطة الجزائرية لمشاركة الإخوان في الانتخابات البرلمانية (Getty)
+ الخط -
يلاحق عبدالفتاح السيسي الإخوان في مصر، وتطاردهم الإمارات، ويفض مجالسهم الأردن، لكن إخوان الجزائر يعانون ملاحقة من نوع آخر، تلاحقهم السلطة دعوة بعد دعوة للمشاركة في الانتخابات البرلمانية، وتلاحقهم بعدها لمشاركتها في الفريق الحكومي لما بعد انتخابات الرابع من مايو/ أيار 2017. تلك مفارقة تُحسب لصالح النظام الجزائري الذي عدّل منذ عقدين مواقفه الشمولية، وتجنّب الانخراط في عولمة الفوبيا من الإسلاميين، وتُحسب إنجازاً سياسياً لصالحهم (إخوان الجزائر) لجهة الإقرار بثقلهم السياسي وجاهزيتهم لخدمة البلد.
كانت الجزائر أول بلد يزوره السيسي بعد وصوله إلى الحكم والانقلاب على الرئيس حينها محمد مرسي، وحين التقى الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة أبلغه رسالة من حاكم خليجي، تتضمن المساعدة على تصنيف الإخوان كتنظيم إرهابي. ورد بوتفليقة أن الجزائر سيدة قرارها والإخوان في الجزائر أبعد ما يكونون عن الإرهاب والعنف. كان يمكن أن يحدث ذلك التصنيف في أي بلد ما عدا أن يحدث في الجزائر، فقد كان الإخوان عضد الدولة الجزائرية في مواجهة الإرهاب في التسعينيات، وسندها السياسي والدبلوماسي في مرحلة جنون العنف وسنوات الدم، وكانوا أنفسهم وزعاماتهم ضحايا للإرهاب الذي حصد 500 من كوادرهم، بمن فيهم الرجل الثاني في التنظيم، محمد بوسليماني، الذي ذُبح ودُفن مرتين.
الآن وفي ما يعبر إخوان مصر المحنة الأكبر في تاريخهم، يمر إخوان الجزائر بمحنة من نوع آخر، تضغط عليهم الأوضاع السياسية والاقتصادية الخانقة ومخاطر التوترات الاجتماعية المحتملة، لقبول عرض بوتفليقة للمشاركة في الحكومة، في مقابل ضغط رافض للمشاركة من القواعد المجروحة من تخريب الانتخابات، وبسبب إكراهات وإخفاق تجربة 17 سنة من المشاركة في الحكومة بين 1995 إلى 2012، رفضت خلالها السلطة تحويل المشاركة في الحكومة إلى شراكة في الحكم وتفاهم على صناعة القرار وتوافق على الخيارات الكبرى، إذ أبقي الإسلاميون في مستوى "مدح المقهى وتوزيع القهوة من دون أن يكونوا شركاء في صنع القهوة".
بالتأكيد إن دعوة الرئاسة الجزائرية لإخوان الجزائر للمشاركة في الحكومة ليست هدية سلطة، فقد أسدت حركة إخوان الجزائر (حركة مجتمع السلم) ما تستحق به أن تكون طرفاً في المجموعة الوطنية، وبذلت جيلاً كاملاً في غياهب المشاركة في الفريق الحكومي من دون الحكم. وبالتأكيد لا يملك إخوان الجزائر سترة لإنقاذ النظام الجزائري من مآزقه المتعددة والأزمات في الأفق، وليس بينهم من يشق بعصاه البحر أو يبرئ الأعمى، إلا إذا كانت السلطة في الجزائر تتوخى تحميلهم جزءاً من وزر تداعيات أزمة اقتصادية واجتماعية، لم يكن لهم نصيب في اختلاقها. والظاهر أن الأنظمة العربية تخرج من مأزق واحد بشكل سيان، يُستدعى الإسلاميون في الأزمات، ويُغيَّبون في المكاسب والمغانم.