تباينات حول سورية: موسكو تحاول التوسط بين طهران وواشنطن

تباينات حول سورية: موسكو تحاول التوسط بين طهران وواشنطن

12 مايو 2017
ترامب خلال لقائه لافروف أول من أمس (ألكسندر شيرباك/Getty)
+ الخط -
شكل بيان الكرملين الروسي، أمس الخميس، الذي أكد أنه "لا يزال من المبكر الحديث عن تحسن في العلاقات مع الولايات المتحدة"، مؤشراً إضافياً على أن الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى واشنطن، لبحث عدد من الملفات يتقدمها الملف السوري لم تفضِ إلى حصول تقارب بين موسكو وواشنطن بشأن كيفية حل الأزمة السورية، وهو ما كانت أولى ملامحه قد بدأت تظهر يوم الأربعاء إذ أكد البيت البيض عقب انتهاء اللقاء بلافروف أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب حثَّ موسكو على "احتواء" النظام السوري وإيران ووكلاء إيران، فيما لم يعقد لافروف ونظيره الأميركي مؤتمراً صحافياً مشتركاً واكتفى وزير الخارجية الروسي بمؤتمر صحافي عقده في مقر السفارة الروسية تضمن رسائل عدة حول التمسك برئيس النظام السوري. ولا يبدو أن هذا التباين يمنع موسكو من محاولة الوساطة بين إيران من جهة والرياض وواشنطن من جهة ثانية، في الوقت الذي دخلت فيه الأمم المتحدة على خط المباحثات بشأن سورية قبل أيام من استئناف مفاوضات جنيف بقولها إنها تجري محادثات مع إيران وروسيا وتركيا بشأن الجهة التي يفترض أن تسيطر على مناطق "تخفيف التصعيد" في سورية. أما المعارضة السورية فتستعد لجولة المحادثات الجديدة من خلال اجتماعات للهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة اليوم الجمعة في الرياض.

 تريث روسي
وقال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، رداً على سؤال حول ما إذا كان طرأ "دفء" على العلاقات بين القوتين، إنه "من المبكر جداً التوصل إلى استنتاجات" في هذا الشأن، لكنه أضاف إن "مجرد وجود حوار (بين الطرفين) هو أمر إيجابي للغاية. أجرى الرئيسان ثلاث مكالمات هاتفية، والحوار مستمر. استقبلت موسكو ريكس تيلرسون (في إبريل/نيسان الماضي)، واستقبلت واشنطن سيرغي لافروف". وتابع أنه مع ذلك "ينبغي المحافظة على تفاؤل حذر في الوقت الحالي". ولم يلتق ترامب مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بعد رغم تعهدات الرئيس الأميركي، خلال حملة انتخابه، بأنه سيسعى إلى تطبيع علاقات بلاده مع روسيا. لكنهما سيتواجدان في قمة مجموعة العشرين التي ستعقد في السابع والثامن من يوليو/تموز في مدينة هامبورغ الألمانية. وأشار بيسكوف إلى أن القمة ستشكل "فرصة جيدة" ليلتقيا.

وساطة بين طهران وواشنطن والرياض
إلا أن ذلك لم يمنع مبعوث الرئيس الروسي إلى أفريقيا والشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف، الإعلان في مؤتمر صحافي في موسكو أمس الخميس، أن روسيا تحاول التوسط بين طهران وواشنطن وكذلك الرياض حول سورية، مُقراً في الوقت نفسه بأن مواقف الأطراف متناقضة جداً. وأعلن أنه من السابق لأوانه حالياً الحديث عن نشر قوات أميركية في أي من مناطق "خفض التصعيد"، مؤكداً أن ذلك يتطلب في أي حال "تنسيقاً مع الجهات السورية، لأن سورية دولة ذات سيادة ولديها قيادة، لذلك يجب بالطبع إجراء مشاورات معها من أجل الحصول على موافقتها".
وتحدث عن أن حدود مناطق "خفض التصعيد" سيتم تحديدها عن طريق مجموعات العمل، التي تم تشكيلها عقب مفاوضات أستانة، مشيراً إلى أن أميركا والأردن يجب أن تشاركا في المناقشات. وأضاف "يمكن إنشاء مجالس محلية في سورية تسيطر على مختلف المناطق بعد تحريرها من الإرهابيين، بشرط ألا تستبدل هذه المجالس سلطة الحكومة الشرعية في دمشق".

الأمم المتحدة بين جنيف وأستانة

وتزامنت التصريحات الروسية مع إعلان الأمم المتحدة أنها تجري محادثات مع إيران وروسيا وتركيا بشأن الجهة التي يفترض أن تسيطر على مناطق "تخفيف التصعيد" في سورية، وهي نقطة محورية بعد رفض دمشق انتشار أي مراقبين دوليين. ويحاول المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، إسقاط اتفاق أستانة على جنيف، معتبراً أنه يمكن البناء على نتائج اتفاقات أستانة في الجولة الجديدة من مفاوضات جنيف. وأعلن أن "الاتفاق بشأن الإفراج عن سجناء في سورية اكتمل تقريباً، والمفاوضات سارت أسرع من المتوقع". في هذا الوقت، شرعت المعارضة السورية في الاستعداد لجولة سادسة من مفاوضات جنيف، عبر عقد اجتماعات في الرياض اليوم. 

ويأمل دي ميستورا أن يساعد اتفاق أستانة بشأن مناطق "تخفيف التصعيد" في سورية على توفير بيئة ملائمة للجولة السادسة من جنيف، معتبراً، أمس الخميس، أن الاتفاق "خطوة إيجابية واعدة وهامة في الاتجاه الصحيح في عملية وقف تصعيد النزاع". وكرر التأكيد أنه من الممكن البناء على نتائج اتفاقات أستانة في الجولة الجديدة من مفاوضات جنيف المقبلة، لافتاً إلى أنه تجري مناقشة إمكانية ضم مناطق أخرى، غير المناطق المشمولة بالتهدئة التي نص عليها "اتفاق أستانة"، لكنه شدد على أنه يجب أن ينظر للخطة على أنها "ترتيبات مؤقتة"، وليست تمهيداً للتقسيم. ورأى أنّ "الدول الضامنة لاتفاق أستانة، هي من تستطيع فرض تطبيق التهدئة في سورية"، محذراً من تكرار سيناريو حلب، مشيراً إلى أن "أولوية الشعب السوري هي وقف الحرب والقتل في بلاده. كما أن التهدئة ستسمح بإيصال المساعدات الإنسانية". وأعلن أن "الاتفاق بشأن الإفراج عن سجناء في سورية اكتمل تقريباً، والمفاوضات سارت أسرع من المتوقع".


في غضون ذلك، من المتوقع أن تواصل المعارضة رفضها لاتفاق مناطق "تخفيف التوتر" لقطع الطريق أمام شرعنة الوجود الروسي والإيراني في سورية، والتأكيد أنه لا بديل لمسار جنيف في إيجاد حل سياسي للأزمة السورية. وفي السياق، أكد مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سورية، يان إيغلاند، أمس، أن لديه مخاوف اتجاه اتفاق أستانة. وقال، في مؤتمر صحافي، إن الأمم المتحدة لا يزال لديها "مليون سؤال" بشأن الاتفاق، مشيراً إلى أن "قوافل المساعدات لا تزال معطلة بالكامل تقريباً". وأعلنت الأمم المتحدة أنها تجري محادثات مع إيران وروسيا وتركيا بشأن الجهة التي يفترض أن تسيطر على مناطق "تخفيف التصعيد". وأعلن دي ميستورا وإيغلاند أنه من المبكر استبعاد أي سيناريو. وقال إيغلاند "التقيت الموقعين الثلاثة على مذكرة أستانة، وقالوا إن علينا الآن الجلوس للتحادث، وسيقررون من سيضبط الأمن والمراقبة مع أخذ آرائنا في الاعتبار". وأضاف إن أحد الخيارات للمراقبة يقضي بتشكيل قوة من الدول الثلاث، وكذلك من "أطراف أخرى". وأشار دي ميستورا إلى أن الأمم المتحدة "لديها خبرة واسعة" في أعمال مراقبة من هذا القبيل، لكنه رفض الخوض في تفاصيل تطبيق الاتفاق.

المعارضة تستعد لجنيف

وشرعت المعارضة السورية في الاستعداد لجولة سادسة من مفاوضات جنيف مع النظام، مدفوعة بموقف أميركي يبدو هذه المرة جاداً في رفض أي وجود إيراني في سورية، وهو ما يتقاطع مع موقف المعارضة التي تعتبر إيران دولة معتدية، واضعة وجودها كدولة ضامنة للسلام في سورية في خانة "الكوميديا السوداء"، مطالبة بتصعيد أميركي أكبر اتجاه وجود إيراني يتجلى بعشرات المليشيات الطائفية. ورفضت المعارضة السورية مخرجات "أستانة 4"، واعتبار مسار أستانة بديلاً عن مسار جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة، ويعتمد قرارات دولية تدعو إلى انتقال سياسي جاد. وفي هذا الصدد، ترى عضوة وفد المعارضة المفاوض، بسمة قضماني أن سورية "لن تنتهي من مشكلة تمدد إيران ومليشياتها إلا بضغط أميركي جاد"، مضيفة، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "روسيا غير قادرة على لجم إيران، وقد يخدم هذا الضغط الأميركي مصلحة روسيا، وهذا يشكل بداية الحل في سورية"، وفق قولها. من جانبه، قال عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري، أسامة تلجو، "لم نشاهد نتيجة حقيقية للموقف الأميركي". وأضاف، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "إيران، العدو الواضح للشعب السوري، تتحول إلى ضامن وراع للسلام، وفي الوقت ذاته تشكل فصائل طائفية جديدة في سورية، مثل رعد المهدي، ولم نشاهد رداً أميركياً واضحاً على هذا السلوك السياسي والعسكري". وكان ناشطون نشروا صوراً لأفراد مليشيا تحمل اسم "رعد المهدي"، ترعاها إيران، في مدينة منبج في ريف حلب الشرقي، والتي تقع تحت سيطرة "قوات سورية الديمقراطية".

وتعقد الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة اليوم الجمعة اجتماعات في مقر الهيئة في العاصمة السعودية الرياض. وقال المتحدث باسم الهيئة، رياض نعسان آغا، لـ"العربي الجديد"، إن المجتمعين سيناقشون اتفاقية أستانة الخاصة بما سُمي بـ "مناطق خفض التصعيد"، والتي لا تزال تثير جدلاً واسعاً في أوساط المعارضة السورية. وكانت الهيئة العليا للمفاوضات رفضت اتفاق "أستانة 4"، معتبرة، في بيان، أنه "يفتقر إلى أدنى مقومات الشرعية"، وتم إبرامه "في منأى عن الشعب السوري". وأشار نعسان آغا إلى أن أعضاء الهيئة "سيناقشون آفاق جولة جنيف المقبلة، إضافة إلى الأنشطة السياسية التي قامت بها الهيئة أخيراً". وكان مصدر في الائتلاف الوطني السوري قال، لـ "العربي الجديد"، إن "الجولة السادسة من مسار جنيف ستدوم أربعة أيام، وسيصل وفد المعارضة إلى جنيف قبل يوم من بدء المفاوضات".

وأكدت مصادر في الهيئة العليا للمفاوضات، لـ"العربي الجديد"، أن "أولويات المعارضة لم تتبدل، والوفد سيصرّ على إنجاز الانتقال السياسي وفق القرارات الدولية، والذي يقوم على تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات قبل الانتقال للتفاوض على السلال الأخرى". ومن المتوقع ألا تشهد جولة جنيف السادسة أي اختراقات هامة على صعيد جوهر التفاوض، وهو الانتقال السياسي، الذي يقوم على تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات تدير مرحلة انتقالية من دون الأسد، تنتهي بانتخابات وفق دستور جديد. إذ لا يزال النظام وحلفاؤه عند موقفهم الرافض لاستبعاد الأسد من أي حل سياسي في البلاد، مقدمين بدل ذلك خيار تشكيل ما يُسمّى بـ"حكومة وحدة وطنية" برئاسة الأسد تقوم بتغيير الدستور، لتجري على أساسه انتخابات يشارك بها بشار الأسد، وهو ما ترفضه المعارضة، داعية لتقديمه إلى محاكمة دولية جراء ما اقترفه من جرائم منذ 2011، العام الذي شهد انطلاق الثورة السورية.