القوات الكردية على أبواب الرقة...والعملية التركية ضد "الإقليم" مؤجلة

القوات الكردية على أبواب الرقة...والعملية التركية ضد "الإقليم" مؤجلة

02 مايو 2017
عناصر من "قسد" في سدّ الطبقة (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -


اقتربت "قوات سورية الديمقراطية" من حسم صراع بدأ منذ نحو شهرين على مدينة الطبقة في ريف الرقة الغربي، بفعل تقدمها في أحياء البلدة القديمة، فيما تصاعد القلق التركي من التطورات "الدراماتيكية" في الشمال السوري، التي اتخذت طابعاً عسكرياً مباشراً في الأيام القليلة الماضية، في سياق محاولات رامية إلى ترسيخ إقليم ذي صبغة كردية في شمال سورية، وهو ما تعتبره أنقرة مساساً مباشراً بأمنها القومي.

في هذا الإطار، شهدت مدينة الطبقة معارك طاحنة بين "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، وبين تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الذي بدأ التقهقر في المدينة، ما عزز نفوذ الوحدات التي تعتبرها أنقرة "منظمة إرهابية تشكّل خطراً على أمنها، ومصدر قلق وتوتر على حدودها الجنوبية". وقد أعلنت "قسد" سيطرتها على أحياء جديدة في الطبقة، مضيّقة الخناق أكثر على ما تبقى من مقاتلي التنظيم في سد الفرات، والأحياء القريبة منه. وذكرت مصادر محلية أن "التنظيم بدأ يتخذ من مدنيين دروعاً بشرية، ومن المرجح أن يكونوا طوق نجاة لمقاتليه في حال قرر تسليم المدينة والخروج منها".

وحول المرحلة المقبلة، فبعد أن تخلصت أنقرة من التهديد الذي كان يشكله تنظيم "داعش"، من خلال عملية "درع الفرات" التي دفعت التنظيم بعيداً عن حدودها الجنوبية، كشف مسؤولون أتراك عن نيتهم القيام بأكثر من عملية عسكرية واسعة النطاق في الشمال السوري، وربما انتظار ظروف دولية مواتية هي من يؤخّر انطلاقها في الوقت الراهن. وذلك في ظلّ نشر القوات الأميركية نقاطاً عسكرية متحركة أو ثابتة في مناطق سورية من رأس العين إلى عفرين وعين العرب والقامشلي أخيراً. بالتالي لا يبدو أن تركيا ستقوم في هذه الظروف بخطوة عسكرية، على الأقل إلى حين لقاء الرئيس رجب طيب أردوغان بنظيره الأميركي دونالد ترامب منتصف الشهر الحالي في البيت الأبيض.

مع ذلك، لا يبدو أن أنقرة ستبدي أي مرونة حيال مسألة "إنشاء إقليم كردي في شمال سورية"، وهي ترفض أي وجود للوحدات الكردية في غربي نهر الفرات، لذا فإن بقاء الوحدات التي تُعدّ ذراعاً عسكرية لحزب "الاتحاد الديمقراطي" في مدينة منبج، شمال شرقي حلب، هو مصدر قلق دائم للجيش التركي، لأن وجود الوحدات في منبج يساعدها في إيجاد ممر بري بين مناطق نفوذها في شرقي الفرات، وبين مدينة عفرين شمال غربي حلب، ما يفتح الأبواب أمام ترسيخ إقليم كردي في شمال سورية.

وحالت قوات أميركية مطلع شهر مارس/آذار الماضي، دون دخول قوات للمعارضة السورية تدعمها أنقرة إلى مدينة منبج، ضمن مخطط واشنطن نزع فتيل التوتر للحيلولة دون اندلاع صراع يصرف الأنظار، والجهود عن مقاتلة "داعش" في الرقة، إذ تُعدّ الوحدات الكردية "رأس الحربة" في الهجوم المتواصل على الطبقة في ريف الرقة الغربي.

وكانت الولايات المتحدة قد سيّرت منذ أيام دوريات مشتركة مع الوحدات الكردية على الحدود السورية التركية في شمال شرقي سورية، إثر توتر بين الجيش التركي والوحدات الكردية في منطقة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، أفضى إلى مقتل عدد من مسلحي الوحدات بقصف مدفعي تركي. واعتبر الرئيس التركي هذا الأمر "محزناً"، داعيا واشنطن إلى "عدم الاعتماد على تنظيمات إرهابية لمقاتلة داعش"، مشيراً إلى أن "توحيد قوى كل من تركيا والولايات المتحدة والتحالف من شانه تحويل الرقة إلى مقبرة لمقاتلي داعش".



وسبق أن أكدت مصادر إعلامية تركية لـ "العربي الجديد" أن "الجيش التركي يستعد لعملية عسكرية، تتضمن إعادة رفات سليمان شاه، جد مؤسس الدولة العثمانية إلى مكانه السابق في منطقة قره قوزاق، شرقي نهر الفرات، الواقعة الآن تحت سيطرة الوحدات الكردية". وأشارت المصادر إلى أن "المنطقة التي كان مدفوناً فيها سليمان شاه هي أرض تركية، وفق اتفاقيات دولية، وأن الحكومة لن تستأذن أحداً عندما تقرر القيام بالعملية".

في سياق متصل، يلتقي أردوغان نظيره الروسي فلاديمير بوتين، غداً الأربعاء، في مدينة سوتشي الروسية، قبيل زيارة مقررة إلى الولايات المتحدة منتصف الشهر الحالي. وسيكون الملف السوري في مقدمة العديد من الملفات الساخنة التي يناقشها الرئيس التركي في روسيا والولايات المتحدة، في ظل توتر في العلاقات الروسية الأميركية على خلفية ما يجري في سورية، إذ لا تزال موسكو مصرة على موقفها الرافض الإطاحة بحليفها، رئيس النظام، بشار الأسد، وهو ما يعيق التوصل لحل سياسي. ولا يبدو أن لدى الإدارة الأميركية استراتيجية متماسكة من أجل القضاء على "داعش" في سورية والعراق، وهو ما يشكّل مصدر قلق لأنقرة.

وتشترط أنقرة استبعاد الوحدات الكردية من عملية انتزاع السيطرة على الرقة، من أجل المشاركة في طرد "داعش" من معقله الأبرز في سورية، وهو ما لم توافق عليه الإدارة الأميركية حتى الآن، إذ لا تزال تصر على وجود الوحدات الكردية في عملية "غضب الفرات" في معركة تحرير مدينة الطبقة من "داعش"، وهو ما يطرح تساؤلات حول قدرتها على استرداد الرقة بمفردها.

كما تحولت مدينة عفرين شمال شرقي حلب التي تسيطر عليها الوحدات الكردية، غير بعيد عن الحدود التركية إلى مصدر قلق لأنقرة، وإلى معقل بارز لهذه الوحدات التي تعتبرها أنقرة الذراع السوري لحزب "العمال" الكردستاني. ولكن من المستبعد أن تشن أنقرة عملية عسكرية باتجاه عفرين، في حال أبدت الوحدات مرونة في مفاوضات تفضي إلى خروجها من مدينة تل رفعت، ومحيطها في شمال حلب، وتسليمها للمعارضة السورية المسلحة.

وذكرت مصادر لـ "العربي الجديد"، أن "تركيا تدفع باتجاه خروج الوحدات الكردية من مناطق شرقي الفرات، التي يشكّل العرب أغلبية فيها، تحديداً بلدات الشيوخ فوقاتي، والشيوخ تحتاني، وبلدة صرين، والقرى المحيطة بها، والتي هُجّر سكانها إلى مناطق غربي النهر".

وأضافت المصادر أن "أنقرة تسعى إلى خروج الوحدات الكردية من مدينة تل أبيض شمال الرقة، والتي يشكّل العرب والتركمان أغلبية أهلها، وبذلك تتم عملية فصل جغرافي بين مناطق نفوذ الوحدات الكردية في شمال شرقي حلب حيث مدينة عين العرب، ومحافظة الحسكة في أقصى شمال شرقي سورية".



المساهمون