طارق الهاشمي لـ"العربي الجديد": اسمي شُطب عن لائحة الإنتربول

طارق الهاشمي لـ"العربي الجديد": اسمي شُطب عن لائحة الإنتربول

07 ابريل 2017
الهاشمي: أقترح أن ندعو لمؤتمر طاولة مستديرة(آدم ألتان/فرانس برس)
+ الخط -
يرى نائب رئيس الجمهورية العراقي السابق (2006-2013)، الأمين العام السابق للحزب الإسلامي العراقي، طارق الهاشمي، في حوار مع "العربي الجديد"، أن النوايا الحقيقية لإصلاح الأوضاع في العراق لا تزال غائبة، ويعرب عن قلقه من استبعاد الحلول المتوازنة والعادلة لمصلحة الإبقاء على الطائفية السياسية والفساد والتبعية لإيران. ويحذر الهاشمي من أنه في ظل غياب مشروع سياسي قائم على الوفاق الوطني، لن تحمل مرحلة ما بعد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) جديداً نوعياً، معتبراً أن الأمور "ستبقى مفتوحة على شتى الاحتمالات". ويدعو النائب السابق للرئيس إلى حوار وطني يقوم على مبادرة تهدف لبناء حكم عادل ونزيه ومتحرر من أية تبعية للخارج، مطالباً الأطراف الحاكمة في العراق اليوم، الموالية لإيران، بإقرار إجراءات حكومية تعزز الثقة مع بقية المكونات العراقية، لا سيما العرب السنة.

ما مدى دقة حذف الإنتربول الدولي اسمكم من لائحة المطلوبين بناءً على المحاكمات الغيابية التي أجريت في زمن الحكومة العراقية السابقة برئاسة نوري المالكي؟

نعم الأمر مؤكد بعدما قيّمت الأدلة المزعومة على الجرائم المفبركة بحقي وراسلت بموجبها وزارة الداخلية العراقية. وقد أصدرت قرارها بغلق الملف وإسقاط التهم وشطب المذكرة الحمراء وعممت قرارها في حينه على الدول الأعضاء بضمنها العراق.

هناك حديث عن صفقة سياسية تتضمن إلغاء أحكام القضاء في عهد المالكي بحقكم وبحق عدد من السياسيين الآخرين. ما مدى صحة ذلك؟

الأوضاع العامة في العراق شاذة ومن بينها ما يتعلق بالحقوق والعدالة. وهناك مبادرات آمل أن تكون مخلصة وصادقة هدفها إنقاذ العراق بحركة إصلاح شاملة قبل أن تضيع الفرصة الأخيرة. ومتى ما حصل ذلك فإن ملف الاستهداف السياسي وتسييس قانون الإرهاب لا بد أن يحظى بالمراجعة بأسبقية. هذا بالتأكيد يشمل ملف حقوق الإنسان ومراجعة مواقف الموقوفين والمحتجزين إضافة للمحكومين بناءً على وشايات كيدية واعترافات تم انتزاعها بالإكراه. وليست هناك صفقة ولست حريصاً على عودتي للوظيفة العامة، لكني لن أتنازل عن حقي وإثبات براءتي أنا وموظفي مكتبي، وحماياتي ومن خلال التقاضي العادل الذي حرمت منه وحرم منه عشرات الآلاف من العرب السنة بناءً على دوافع طائفية. وقضية العدالة المغيّبة في العراق ستبقى شغلي الشاغل ما حييت.

كيف تجدون القضاء العراقي اليوم؟

الانحراف في القضاء الذي عهدناه في زمن نوري المالكي استجابةً لضغوط سياسية لا يزال قائماً، والمظالم لم تحسم حتى اللحظة على الرغم من وجود مؤشرات على نوايا تعيد للقضاء عافيته، واستقلاليته وحياديته. ونحن نبارك هذا التوجه ونأمل أن يتحقق على عجل انطلاقاً من مقولة: "العدل أساس الملك".

برأيكم من يقف خلف استمرار تشتت القيادات العربية والوطنية بالعراق؟

أسباب عديدة داخلية وخارجية، منها بنيوية، ناهيك عن نقص التجربة وضخامة التحديات التي واجهت المساعي في إعادة بناء دولة.

لمّحتم في مقال سابق لكم قبل عدة أشهر، إلى أشبه ما يمكن وصفه بالندم على الدخول في العملية السياسية في عراق ما بعد الاحتلال الأميركي عام 2003؟ لماذا؟

لا بد لمن هو مثلي أن يخرج من هذه التجربة المؤلمة بدروس مستنبطة، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت، ولما وافقت على تكليفي بمنصب حكومي، ولكنت فضلت قيادة جبهة معارضة قوية وكانت الظروف مهيأة لذلك.

هل ترون أن هناك احتمالاً لنجاح مساعي المالكي بالعودة إلى سدة الحكم مجدداً؟

النفوذ الأجنبي مع الأسف الشديد يؤدي دوراً لا يستهان به في المحاصصة الطائفية، ويتدخل في تسمية الرئاسات الثلاث ونتائج صندوق الاقتراع ليست حاكمة. أما نوري المالكي فلم يكن أصلاً مؤهلاً للمنصب الذي شغله على مدى ثماني سنوات لولا التوافق الأميركي الإيراني. بمعنى آخر، إن النفوذ الأجنبي هو الذي أوصله لسدة الحكم وسيبقى العراق لسنوات مقبلة أسيراً لهذا النفوذ. لكن الزمن تعداه وبسبب فشله الذريع في إدارة الدولة والملفات الكبيرة التي ستلاحقه طول حياته، فإن المالكي بات، سياسياً، ورقة محروقة.

كيف ترون مرحلة ما بعد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وما هي أبرز مخاوفكم؟

في ظل غياب توافق وطني عراقي، وإذا ما تواصل الظلم والتهجير والفشل، فإن هذه الصفحة ستبقى مفتوحة على شتى الاحتمالات. وهي لذلك تدعو لقلق بالغ، إذ يمكن أن ينزلق فيها العراق للفوضى ومزيد من العنف الذي قد يقود للتقسيم. لهذا، أدعو عاجلاً إلى مؤتمر على غرار مؤتمرات القاهرة ومكة لمراجعة تجربة العراق على مدى ثلاث عشرة سنة (بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003) والاتفاق على شكل نظام الحكم مستقبلاً.

من خلال تجربتكم في موقع نائب رئيس جمهورية سابقاً، كيف تقيمون وتقدرون حجم النفوذ الإيراني في العراق؟

تفاقَمَ النفوذ الإيراني مع مرور الوقت حتى أصبحت إيران هي المرجع في إدارة الحكم في العراق، ولم يعد العراقيون أحراراً في صناعة قرارهم السيادي. لا أبالغ في ذلك وما يصرح به المسؤولون الإيرانيون من وقت لآخر يؤكد هذه الحقيقة.

هل ساهمت إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، في زيادة النفوذ الإيراني بالعراق؟ وهل تعولون على الإدارة الأميركية الجديدة؟

الخدمات الأميركية-الإيرانية المتبادلة، انطلقت منذ الإعداد للغزو بشكل فعلي عام 2002. وبقيت قائمة ربما حتى اللحظة. وتزايدت في ظل رئاسة أوباما، والشواهد عديدة لعل أبرزها عندما بَارَكْت الولايات المتحدة وشاركت في حرمان القائمة العراقية الفائزة في انتخابات عام 2010 من حقها الدستوري في تشكيل الحكومة، استجابةً لرغبة طهران. وكذلك عندما أعطت الضوء الأخضر للمالكي باستهداف نائب رئيس الجمهورية السنّي في اليوم التالي لمغادرة آخر جندي أميركي من العراق، في 17 ديسمبر/كانون الأول من عام 2011، استجابة لرغبات إيرانية على الرغم من الآثار الكارثية التي كانت متوقعة والتي تحققت لاحقاً، كدليل آخر على تفاهمات استراتيجية بين الولايات المتحدة وإيران في إدارة الملف العراقي لفترة ما بعد الغزو.

هل التقيتم مع قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني؟ لماذا؟ وما أبرز ما تناوله اللقاء؟

نعم مرة واحدة في زيارتي اليتيمة لطهران في مارس/آذار 2007، وشاركه في اللقاء مسؤول ملف العراق في الحرس الثوري في حينها، أحمد فروزندة. ولقائي وحواري معه بشكل حصري حول النفوذ الإيراني كان السبب الرئيسي للزيارة بعدما اعتذر السفير الإيراني في العراق، حسن قمي، من عدم قدرته الإجابة على أسئلتي واستفساراتي المتكررة حول العديد من الملفات وأحداث العنف الغامضة التي كنت أشك أن لإيران يداً فيها وهي تديرها بشكل خفي، مثل ملف نشاط تنظيم "القاعدة"، و"جيش المهدي"، ودعم بعض فصائل المقاومة مع الاشتراط عليهم بقتال الأميركيين في المناطق السنية فحسب. وأكد قاسم سليماني أن إيران تدير ملف العنف في العراق ولديها تفاهمات وتنسيق مع جميع الأطراف دون استثناء وبما يخدم الأمن القومي الإيراني.

في ما يتعلق بالانفتاح السعودي الأخير على العراق، كيف تقيمونه وهل هو مناكفة لإيران أم محاولة لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح؟

السعودية دولة لها سياساتها ورؤيتها الخاصة بمصالحها ونحن نحترم خياراتها، لكني كررت مراراً أن الغياب العربي في العراق لم يضر هذا البلد فحسب بل سبّب ضرراً عربياً استراتيجياً لن يكون من السهل علاجه أو تداركه.



هناك دعوات لـ"فدرلة" العراق، هل تعتقد أن الفدرالية نظام حكم مناسب للعراق حالياً؟

العراق يعاني من أزمات متنوعة: أزمة حكم، أزمة قيم، أزمة علاقات مجتمعية، أزمة هوية... لهذا، العراق بحاجة إلى أجندة للتغيير في مختلف المجالات وليس فقط في مجال الحكم والإدارة على الرغم من أهمية هذه المسألة. لكن الاقتصار عليها فحسب لن يضع حداً لمعاناة العراقيين حتى لو توسعنا في اللامركزية واعتمدنا الفدرالية. ربما العراق سيكون أفضل في ظل حكومة مركزية ناجحة؟ لكن هذا الخيار في ضوء الحقائق الماثلة على الأرض، ولعل أبرزها النفوذ الإيراني الطاغي، بات حلماً.

في ما يتعلق بمؤتمر أنقرة لقوى وأحزاب عراقية، كيف تنظرون لهذا الحراك؟ هل هو متأخر أم يمكن من خلاله ترتيب البيت العربي السني؟

ترتيب البيت العربي السني تأخر كثيراً دون مبرر، والدعوة ليست جديدة إنما انطلقت لأول مرة في إسطنبول في مايو/أيار 2012. وأعقب ذلك اجتماعات متوالية في أربيل لكنها لم تصل إلى نتيجة، وبالتالي أعتبر اجتماعات أنقرة الأخيرة تصب في هذا الاتجاه وآمل أن يحالفها التوفيق هذه المرة. لا بد من ترتيب البيت العربي السني إسوة ببقية المكونات المجتمعية لا سعياً وراء المزيد من الاستقطاب بل من أجل تخليص البيت من الفوضى وتصارع الأهواء والأغراض وتنوع الرؤى والأفكار...، وهو ما يجعل الحوار مع العرب السنة من جانب الأطراف الأخرى مستحيلاً بل ويعقد بدوره المشهد على الصعيد الوطني.

أمام العرب السنة مهمة عاجلة تكمن في توحيد الرؤية حول اهتمامات الوطن واهتمامات الأهل. لا بد من أن تكون لنا رؤية في كيفية إدارة محافظاتنا المدمرة لمرحلة ما بعد "داعش"، وتحقيق الأمن وإصلاح الخدمات وإعمار البنى التحتية من جهة، ومساعدة النازحين والمهجرين في عودتهم لحياتهم الطبيعية من جهة أخرى. أما على صعيد الوطن، فلا بد أن يكون لنا مشروعنا الخاص ورؤيتنا في إنقاذ العراق. وفي هذا المجال، لا بد أن تكون لدينا بدائل وخيارات إذ في ظل الانقسام والتشرذم الوطني سيكون من الصعب التوافق على خيار معين. وأنصح بألا تختزل مهمة المؤتمرات (التي تعقد) بمجرد الاستعداد للانتخابات في السنة المقبلة، وإلا سنكون كمن يقر بموافقته على الأوضاع الشاذة القائمة ويكرر الخطأ لا غير.

ما هو رأيك بالتسوية التي طرحها الائتلاف الوطني العراقي؟

هي مبادرة ولدت ميتة إذ لا مستقبل لها ولا أمل في نجاحها. هي من جهة غير جديرة بإزالة المظالم التي تراكمت على مدى سنوات، على العرب السنة، كما أنها ليست كافية لعلاج العديد من الأمراض التي أصابت جسد العراق. ولا أعتقد أن هناك نوايا حقيقة لإصلاح الأوضاع الشاذة في العراق بل يبدو المطلوب هو تكريس هذه الأوضاع من خلال معالجات ترقيعية والإبقاء على الطائفية السياسية والمحاصصة والفشل في إدارة الدولة والنهب المنظم والتبعية لإيران. لو كان التحالف الموالي لإيران صادقاً في ما يطرحه، لكان مهّد لذلك بإجراءات تعزز الثقة وأوقف الإبادة الجماعية في الموصل بحجة محاربة الإرهاب وسمح بإعادة العائلات المهجرة إلى مساكنها وأطلق دون قيود ميزانيات إعادة الإعمار، ولكان وضع حداً لديوان الوقف الشيعي بالهيمنة على المزيد من مساجد السنة وأطلق سراح أولادنا ونسائنا المحتجزات ظلماً وعدواناً، ولكان وضع حداً لإرهاب المليشيات وهي تعيث فساداً في الأرض خطفاً وقتلاً وتهجيراً وابتزازاً. ولكان لاحق كبار الفاسدين وعمل بجد على استعادة الأموال المنهوبة، ولكان قدّم المسؤولين عن سقوط الموصل عام 2014 إلى المحاكمة...، فعن أية تسوية يتحدثون؟ لا نريد تسوية، نريد مبادرة تؤسس لحكم عادل ونزيه وغير خاضع أو تابع لأحد، ويمهد لها بإجراءات حكومية تعزز الثقة. لهذا أقترح أن ندعو لمؤتمر طاولة مستديرة.

*******************

طارق أحمد بكر الهاشمي، ولد في بغداد عام 1942. نائب رئيس الجمهورية العراقي السابق خلال الفترة الممتدة من 2006 إلى 2013، والأمين العام للحزب الإسلامي العراقي (الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين في العراق) بين 2004 وأيلول/سبتمبر 2009. وهو من الوجوه السياسية البارزة في العراق خلال العقد الماضي. وفقَدَ ثلاثة من إخوته بين إبريل/نيسان ويوليو/تموز عام 2006 خلال العنف الطائفي الذي شهده العراق آنذاك.