اسألوا حارس المرمى

اسألوا حارس المرمى

04 ابريل 2017
هدد الشاهد بوقف البطولة إذا تواصل العنف(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -


حتى كرة القدم في تونس لم تسلم، وتحوّلت إلى حلبة صراع سياسي أيضاً لتلتحق بكل ما اعتقدنا أنه بعيد عن السياسة: المرضى والمستشفيات، وإنتاج كوابل السيارات، والمهرجانات والبطاطا والحليب... كل شيء في تونس قابل للانفجار والتجارة السياسية من أفواه عطشى تتلقف كل شيء لتحوّله إلى منابر الصراعات الأسبوعية التي أثقلتنا بها قنوات التلفزيون. منذ أيام، دعا رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد وزيرة الرياضة ورئيس جامعة كرة القدم ليهددهما بإيقاف البطولة إذا تواصلت موجات العنف بهذا الشكل الخطير، وهو على حق في هذا، فقد بلغت أحداث المباريات الأخيرة حداً لا يمكن السكوت والتغافل عنه، وأصبحت ملاعب كرة القدم فضاءً جديداً للصراعات المناطقية والشخصية، ونزاع مراكز القوى، ولاذت كل جهة برئيسها، وخرجت تظاهرات وتوقفت مقابلات ودخل مصابون إلى المستشفيات، بسبب مباراة في كرة قدم تحولت إلى كرة ألم ودم.
ولا يبدو الموضوع خارج دائرة التوتر والتشنج السياسي، وربما هو نفس ما تصدعت به رؤوسنا: ضرورات الانتقال الديمقراطي، إذ لا شيء يدفع إلى استبدال الكلمات بالحجارة والقنابل المسيلة للدموع، ولا شيء يفرض علينا أن نستعير مصطلحات النعرات المناطقية التي خلنا أنها ولّت مع الزمن. ولكن الحقيقة أن ما يحدث مرتبط بمفهومنا للديمقراطية، إذ يجري التدرب على الخسارة وقبول المنتصر وانتظار الردّ في الانتخابات المقبلة، والثأر السلمي والاحتكام إلى منطق الشعب. ولكن يبدو أن فاتورة هذا الدرب باهظة جداً ومستنزفة للأعصاب، والغريب أن حزباً تونسياً واحداً لم يخرج ليكلم الناس في الشوارع وينذر بأن ما يحدث غريب وخطير ولا داعي له، وأن إدارة المنافسات بكل أشكالها تستند إلى قوانين الربح والخسارة لأنها قوانين الحياة.
ولكن ممن تنتظر ذلك وقد دخل الصراع الجسدي إلى رحاب النخبة داخل البرلمان، وتبادل نواب الشعب كلاماً لا يليق بالشعب المسكين، وكاد يصل إلى أكثر من ذلك، لولا تدخل البعض لفض الاشتباك؟ مشكلة التونسيين هذه الأيام هي أننا لا نفهم وربما لا نحب أن نفهم أن باب الديمقراطية يبدأ من سجال حول أغنية ونقاش حول فيلم، وخلاف حول كتاب، وتعادل في مقابلة كرة، يقبل فيها حارس المرمى أن المهاجم المقابل أكثر ذكاء، ولنفهم فعلاً ما تعنيه الديمقراطية ينبغي أن نسأل حارس المرمى إن كان مستعداً لذلك... اسألوا حارس المرمى!

المساهمون