الثورة وتوزيع الثروة

الثورة وتوزيع الثروة

30 ابريل 2017
يصر شباب تطاوين على العمل في شركات البترول(ناصر تليل/الأناضول)
+ الخط -

لم يتم بعد التوصل إلى اتفاقات تنهي اعتصام الشباب في صحراء تطاوين جنوبي تونس، ولم يتم أصلاً تحديد برنامج أو مقاربة لذلك، ووصل الأمر تقريباً إلى طريق مسدود، لكنه سينفتح في النهاية. غير أن هذا الاعتصام الذي طرح تأويلات سياسية كثيرة، طرح سؤالاً هاماً حول جوهر الاحتجاجات التي تشهدها محافظة تطاوين وأسبابها العميقة، وعاشتها أيضاً مناطق أخرى من تونس، أهمها الحوض المنجمي.

فالشباب هناك يتساءلون، ببراءة وأحقية مزدوجة، كيف ننتج كل ثروات البلاد، ونعيش كل هذا الفقر والبطالة وتردي أوضاع المدن، بينما تنعم جهات أخرى بهذه الخيرات، على قِلَّتِها ومحدوديتها؟ ويكشف إصرار الشباب في تطاوين على العمل في شركات البترول، بسبب ارتفاع أجورها، ودعوتهم إلى تخصيص نسبة 20 في المائة من عائدات البترول للمنطقة، جانباً من هذا الحق المشروع نظرياً، لكنه يحيل إلى سؤال أكبر متعلق بتوزيع الثروات، وهو سؤال الثورة الأهم. لكن الدولة، بما هي كلٌّ لا يتجزأ، لا يمكن أن تعتمد هذه المقاربة، ولا هذا المقياس. ثم إن المجموعة الوطنية التونسية، بأحزابها المعارضة والموالية ومؤسساتها، لم تطرح بجدية سؤال توزيع الثروة في تونس، وترجئه لما بعد مرحلة الاستقرار وإتمام المؤسسات الدستورية، لكنها تتلكأ في إتمام هذه المرحلة التي طاولت وأنهكت الجميع.

ولعل إشارة كاتب الدّولة لأملاك الدّولة والشؤون العقارية، مبروك كورشيد، من أن رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، اتخذ قراراً استثنائياً يتمثل في تكوين لجنة لدراسة ملف البترول في تونس منذ تاريخ الاستقلال حتى اليوم، تعكس أيضاً وعي الحكومة والدولة التونسية بأن هناك أسئلة موضوعية حول هذا الملف، وأن الشباب المنتفض محق بطرحه سؤال الثروة التونسية ونصيبه منها. كورشيد أضاف أيضاً أن هذا القرار سيضع حداً نهائياً للجدل حول إمكانيات تونس في إنتاج البترول، وهي أسئلة طرحت بحدة منذ الأيام الأولى للثورة، وذهبت التخمينات إلى أن تونس تعوم على بحيرة بترولية، مثل ليبيا والجزائر، وصدقها كثيرون، لأنها ولّدت آمالاً جديدة بثروة فجائية، لكن التونسيين يعرفون أن ثروتهم الحقيقية هي "المادة الشخمة" كما يقول الحبيب بورقيبة، أي العقل التونسي المتوازن الذي استطاع أن يحقق أكثر مما حققه البترول. وفي الانتظار على الحكومة أن تجيب عن أسئلة الشباب المشروعة، وبكل صراحة وبأسلوب بيداغوجي لا ينفي أحقية السؤال، لكنه يؤكد على وحدة الوطن.