الجزائر: "بروفة" رئاسية مبكرة بين سلال وأويحيى

الجزائر: "بروفة" رئاسية مبكرة بين سلال وأويحيى

01 مايو 2017
أويحيى (يمين) وسلال في مايو 2016 (فاروق بطيش/فرانس برس)
+ الخط -
أتاحت الحملة الدعائية للانتخابات البرلمانية المقررة في الجزائر يوم الخميس المقبل، بروز الملامح الأولى للصراع على الرئاسة، بين قطبي المشهد السياسي الراهن، رئيس الحكومة، عبد المالك سلال، المدعوم من قبل حزب جبهة التحرير الوطني، ورئيس الديوان الرئاسي، أحمد أويحيى، الذي يقود الحزب الرديف للسلطة، التجمع الوطني الديمقراطي. مبكراً بدأت ملامح الانتخابات الرئاسية المقررة في ربيع 2019 ترتسم في الأفق. فبقدر ما شكلت الانتخابات البرلمانية استحقاقاً سياسياً للأحزاب السياسية، بقدر ما شكلت في الوقت ذاته مناسبة لشخصيات سياسية فاعلة لطرح نفسها بصورة أكثر وضوحاً أمام الرأي العام. وقد ينعكس الأمر بشكل أكبر على أكثر شخصيتين سياسيتين تراهن كل منهما على اللقاء بالقدر الرئاسي في 2019، أحمد أويحيى وعبد المالك سلال. فزمنياً يفصلنا عن الموعد الرئاسي أقل من سنتين، وبالنسبة إلى عقارب الساعة السياسية فإن الوقت مناسب للبدء بحملة دعائية ورئاسية مبكرة، ربما استعداداً لأي طارئ سياسي قد تخلقه الأقدار في الجزائر.

بالنسبة إلى أويحيى، كانت الانتخابات فرصة للتخلص كرئيس حزب سياسي من واجب التحفظ والالتزام الذي يحيط به بسبب منصبه كرئيس لديوان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. وكان لافتاً أن أويحيى لا يتحدث بشكل مفرط عن برنامج بوتفليقة، ولا يقدم نفسه وحزبه كواجهة سياسية حصرية لدعم الرئيس، لكنه حرص، خلال التجمعات الشعبية والمقابلات التي أجراها خلال فترة الحملة الانتخابية، على التأكيد أن لحزبه برنامجاً سياسياً واقتصادياً مستقلاً عن برنامج الرئيس، قد يتقاطع معه في كثير من الجوانب لكنه مستقل عنه. وعمد أويحيى أكثر من ذلك إلى تقديم نفسه كرجل دولة، والإعلان عن مواقف سياسية وتصورات اقتصادية واجتماعية تتجاوز تصورات بوتفليقة. كما استغل الحملة الانتخابية لتصحيح الصورة النمطية المعروفة عنه شعبياً بأنه الرجل السياسي صاحب القرارات الاجتماعية القاسية، والتي توصف إعلامياً بـ"القذرة". وتجاوز، خلال الحملة أيضاً بعض المحرمات السياسية والمواقف التي تعاكس الصورة السياسية لشخصه وحزبه، خصوصاً إزاء عناصر الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، من خلال إعلانه عن ضرورة معالجة كافة الملفات العالقة عن فترة الأزمة الأمنية. وظهر برنامج ومواقف أويحيى وكأنه عبارة عن برنامج رئاسي أكثر من كونه برنامجا انتخابيا لاستحقاق برلماني. ويراهن أويحيى، في طموحه الرئاسي، على جملة من العوامل التي تلعب لصالحه كرجل دولة خبر فترات ساخنة من عمر الجزائر في العقدين الأخيرين، وأبدى منذ بروزه، على الساحة السياسية في العام 1997 كرئيس حكومة، التزاماً وانضباطاً سياسياً لافتاً، ناهيك عن علاقاته مع دوائر الحكم العميقة.

لكن المجموعة السياسية في السلطة المحسوبة على سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، والتي تملك مقاليد إدارة جبهة التحرير الوطني، بدت منزعجة من أويحيى. وكان ملمح انزعاجها ما عبر عنه الأمين العام لجبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس، الذي حاول جر أويحيى إلى مناوشات سياسية وكلامية. وكان لافتاً أن الأداء السياسي لولد عباس لم يرقَ إلى مستوى منافسة أويحيى، الذي بدا أنه ربح نقاطاً كثيرة لصالحه في هذه الحملة الانتخابية، ما دفع بهذه المجموعة إلى الدفع بمرشحها المحتمل، رئيس الحكومة، عبد المالك سلال، إلى الواجهة، عبر قيامه، في عز الحملة الانتخابية، بسلسلة زيارات ميدانية إلى الولايات، وهو ما لم يكن وارداً في الاستحقاقات الانتخابية السابقة. إذ من المعتاد أن يبقى رئيس الحكومة في الانتخابات مشرفاً على إدارة وتسيير الاستحقاق الانتخابي، على اعتبار أن الزيارات المرتبطة بالتنمية في الولايات ليس موعدها الحملة الانتخابية. وفي السياق عمل سلال على إبراز صورته كأكبر من رئيس حكومة، من خلال خطاب سياسي تجاوز خطاب رئيس حكومة مكلف بتنفيذ برنامج بوتفليقة وتعليماته في القضايا الاجتماعية والاقتصادية.

ويفسر المحلل السياسي، مروان لوناس، زيارات سلال إلى الولايات بنوع من الرد على انتقادات وجهها أويحيى للحكومة بالإخفاق الاقتصادي والاجتماعي. ويقول "ليس خافياً أن زيارات رئيس الوزراء، عبد المالك سلال، إلى عدة محافظات في أيام حملة الانتخابات البرلمانية تحمل أهدافاً غير تلك المعلنة. فهي تدخل في إطار صراع الدوائر داخل النظام، وسعي كل منها إلى تقديم مرشحه المحتمل لخلافة الرئيس المريض على الأقل خلال الانتخابات الرئاسية المنتظرة بعد عامين من الآن". ويضيف "بدا من أول أيام الحملة أن مدير ديوان الرئاسة، أحمد أويحيى، يتحدث بنبرة المرشح الموعود، ويحاول أن يوجه انتقادات إلى الحكومة الحالية، ويضع مسافة بينه وبينها، بشكل جعله أحياناً يقدم خطابات لم تكن معهودة على لسانه. وقد برز بشكل لافت، خصوصاً أن الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس، قدم خطاباً سطحياً مبتذلاً، لا يعكس حجم ولا وزن الحزب الذي يدعي أن بوتفليقة هو رئيسه الشرفي. لذلك جاء دخول سلال على الخط، وتكثيفه للزيارات إلى المحافظات، في محاولة لتعديل الكفة والدفاع عن حكومته وعن نفسه وحتى طموحاته وطموحات من يدعمه".

قبل شهور كان الحديث صاخباً عن الولاية الرئاسية الخامسة لبوتفليقة في انتخابات عام 2019، لكن هذا الحديث تراجع كثيراً أخيراً، ما يؤشر بوضوح إلى أن هناك إقرارا بعدم قدرة بوتفليقة على الاستمرار في الحكم لما بعد إبريل/نيسان 2019، ما يفرض على المجموعة الحاكمة البحث عن البديل مبكراً والبدء في تحضيره، تماماً كما كانت تحاليل سياسية سابقة تتحدث عن أن بوتفليقة ومحيطه بصدد انتقاء الوريث السياسي الذي سيسلم الميراث السياسي له. وعلى هذا الأساس تأخذ الانتخابات البرلمانية الراهنة المقررة في الرابع من مايو/أيار الحالي، سياق السباق نحو الترشح. ويعتقد المحلل السياسي، حسن خلاص أن السلطة، وإزاء الوضع الجديد الذي لا يتيح لبوتفليقة الترشح في 2019، "قد تعمد إلى إجراء انتخابات تمهيدية داخل النظام، وقد تتوسع إلى مرشحين آخرين، وقد نشهد مرحلة انتقاء تمهيدية داخل النظام، لكن في النهاية، فإن المجموعة النافذة في السلطة ستختار مرشحاً واحداً". ويقول خلاص "لا أعتقد أن النظام سيذهب منقسماً إلى انتخابات رئاسية، ولن يسمح بمنافس قوي للنظام، ولن يتيح من التعددية إلا ما يضفي شرعية ديمقراطية لديمومته". ويضيف "واهم من يعتقد أن الصراع بين أقطاب السلطة سيذهب إلى أبعد حد. ومن معتقدات النظام الأساسية أنه فوق الأفراد والاختلافات، لأن انقسام أطرافه يعني انهياره، وانهياره لن يستثني أحداً". "بروفة" رئاسية بين سلال وأويحيى، و"كاستينغ" سياسي تقوم به السلطة لاختيار مرشحها في انتخابات الرئاسة في 2019، إذ لا تبدو السلطة مستعدة لمواجهة صدف أو حالة شغور رئاسي طارئ. وبين قدر أويحيى وطموح سلال، ترتب السلطة بيتها إلى ما أبعد من انتخابات الرابع من مايو 2017، إلى ربيع 2019.