تغييرات حكومية سعودية متكررة: إعفاءات من وحي "رؤية 2030"

تغييرات حكومية سعودية متكررة: إعفاءات من وحي "رؤية 2030"

30 ابريل 2017
السعودية أعلنت العام الماضي عن رؤية 2030(فائز نورالدين/فرانس برس)
+ الخط -
لم تشهد الحكومة السعودية تاريخياً تغيرات كبيرة في هيكلتها، كما حدث خلال العامين الماضيين. وفي الوقت الذي اعتاد فيه السعوديون على بقاء الوزراء في مناصبهم سنوات طويلة، تجاوز بعضهم 15 و20 سنة، ويتجاوز متوسطها الأربع أو الخمس سنوات، شهدت الوزارات الخدمية في المملكة خلال عامين تغيرات متلاحقة، حتى أن بعض الوزراء لم يخدموا في وزارتهم أكثر من أشهر معدودة. كما تولى إحدى الوزارات، 6 وزراء ما بين وزير مكلف وآخر معين خلال أقل من خمس سنوات. ووضعت الحكومة، مع إطلاقها، في العام الماضي، "رؤية 2030" التي تهدف إلى "رفع الفاعلية والكفاءة وسرعة اتخاذ القرار"، على رأس أولوياتها. وتتضمن شعارات "رؤية 2030" التأكيد على "الحكومة الفاعلة" في مقابل "المواطنة المسؤولة"، مع وعود بتخفيف البيروقراطية ومكافحة الفساد.

وتأتي التغيرات المتلاحقة في الحكومة لأسباب عدة بحسب مراقبين. بعضها بسبب الانتقادات الموجهة إلى وزراء، خصوصاً في مواقع التواصل الاجتماعي أو لعدم قدرة وزير ما على مواكبة "رؤية 2030"، أو عدم رغبته في ذلك أو للسببين معاً. وجاءت التغييرات الوزارية في أغلبها لتضع كفاءات من خلفيات اقتصادية في الوزارات الخدمية مثل الصحة، والثقافة والإعلام، في سياق سعي الحكومة إلى خصخصة هذه القطاعات ضمن مشاريع "التحول الوطني 2020" و"رؤية 2030".

نظام مجلس الوزراء
ينص نظام مجلس الوزراء السعودي، والصادر عام 1993، على أن "مُدة مجلِس الوزراء لا تزيد عن أربع سنوات يتم خلالها إعادة تشكيله بأمر ملكي، وفي حالة انتهاء المدة قبل إعادة تشكيله يستمر في أداء عمله حتى إعادة التشكيل". وفي أغلب الأحيان، لم تعتبر الحكومة السعودية أن هناك أهمية لإعادة تشكيل المجلس بصورة جذرية. وجرت العادة على تغيير عدد محدود من الوزارات كل فترة، في ظل بقاء وزراء في الخدمة لسنوات طويلة، تتجاوز الأربع سنوات المنصوص عليها في نظام المجلس باعتباره المعدل المتوقع. وتحفل ذاكرة السعوديين بوزراء خدموا في مناصبهم لمدد طويلة جداً، مثل وزير التعليم العالي، خالد العنقري، الذي تولى المنصب لمدة 23 سنة من 1991 وحتى 2014. ووزير المعارف عبدالعزيز الخويطر، الذي خدم بالوزارة لقرابة العقدين ما بين 1975 و1995.

تغييرات سريعة
في عام 2015، دمجت السعودية وزارة التربية والتعليم بوزارة التعليم العالي، لتعيّن عزام الدخيل، أول وزير فيها بمسماها الجديد "وزارة التعليم". إلا أن الدخيل، والذي عمل رئيساً تنفيذياً للمجموعة السعودية للأبحاث والتسويق لسنوات عدة، لم يستمر في المنصب طويلاً. وفي الوقت الذي قضى فيه خالد العنقري 23 سنة في وزارة التعليم، و20 سنة للخويطر في وزارة المعارف (قبل أن يتغير اسمها لوزارة التربية والتعليم)، لم يكمل الدخيل أكثر من سنة في الوزارة، إذ تولاها في 11 يناير/ كانون الثاني 2015 وأعفي منها في 11 ديسمبر/كانون الأول 2015، وتم تعيينه مستشاراً في الديوان الملكي.

وتعرض الدخيل لانتقادات واسعة في وسائل التواصل الاجتماعي، وبعض مقالات الصحف، باعتباره لا يملك خبرة كافية في مجال التعليم، ولم يتخذ قرارات تشير إلى قدرته على تطوير هذا القطاع الهام الذي يتقاسم السعوديون مع الحكومة الرغبة في تطويره. فتم تعيين أحمد العيسى، الذي تولى مناصب تعليمية عدة، أهمها إدارته كلية اليمامة الأهلية في الرياض، والمتخصص في التعليم (دكتوراه في المناهج وطرق التدريس من الولايات المتحدة)، علاوة على تأليفه كتباً عدة عن إصلاح التعليم في السعودية. لكن الاستبدال السريع للدخيل لم يكن حالة معزولة. فوزير الصحة أحمد الخطيب، الذي تولى المنصب في يناير/كانون الثاني 2015، تم عزله من المنصب في أبريل/نيسان من العام نفسه بسبب مشادة كلامية مع أحد المواطنين، وهي القضية التي تفاعلت في وسائل التواصل الاجتماعي، حتى صدر أمر ملكي بإعفائه من منصبه، في ردة فعل سريعة ومفاجئة حينها.



بعد الإعفاءات السريعة لوزير الصحة، ووزير التعليم، بدا أن حقبة استمرار الوزراء لمناصبهم لسنوات طويلة قد انتهت بالسعودية، حتى أن السعوديين بدأوا بالاعتقاد أن أي حملة ضد وزير في وسائل التواصل قد تؤدي إلى عزله، لكن هذا لم يحدث بطبيعة الحال. وبات الشعور أكثر فأكثر بأن منصب "الوزارة" لم يعد تشريفاً، بل يتطلب العمل على الأقل في إطار "رؤية 2030".

وزارات بمثابة "محرقة"
تاريخياً، تعتبر بعض الوزارات في السعودية بمثابة المحرقة، لصعوبة إدارة ملفاتها أو لضخامتها، أو باعتبارها تمثل حالة الميؤوس منها ويصعب إصلاحها. وتمثل وزارة الصحة إحدى هذه الوزارات التي يمكن وصفها بـ"المنكوبة"، على الرغم من أن القطاع الصحي في السعودية يعتبر من القطاعات الخدمية الجيدة بصورة عامة. إلا أن المشكلات تتعلق بالطاقة الاستيعابية عادة، ما يؤثر في تأخر المواعيد وطبيعة استقبال المرضى.

تاريخياً، خدم وزراء في وزارة الصحة لسنوات طويلة. فقد تسلم هذه الحقيبة فيصل الحجيلان، لقرابة 9 سنوات في الفترة من بين 1984 و1995، وأسامة شبكشي لثماني سنوات ما بين 1995 و2003. إلا أن السنوات الأخيرة لم تكن مستقرة في الوزارة، إذ تعاقب عليها ستة وزراء، ما بين وزير مكلف وآخر معين، خلال الفترة ما بين 2013 و2017. وتم تكليف عادل فقيه في الفترة ما بين 2013 و2014 بتولي وزارة الصحة، ثم تولاها محمد آل هيازع في آواخر 2014، إلا أنه غادر الوزارة بعد أشهر قليلة من توليه المنصب. لاحقاً، تولى الوزارة أحمد الخطيب لأقل من ثلاثة أشهر، ثم كلف محمد آل الشيخ بإدارتها، إلى أن تم تعيين خالد الفالح (رئيس شركة أرامكو) وزيراً للصحة، إلا أن دفة الوزارة استقرت أخيراً، على ما يبدو، بيد توفيق الربيعة.

تفعيل نظام "محاكمة الوزراء"
قبل قرابة الستة عقود، صدر في السعودية نظام "محاكمة الوزراء" الذي لم يتم تفعيله منذ ذلك الحين، إلا الأسبوع الماضي، عندما أمر العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، بإعفاء وزير الخدمة المدنية خالد العرج، وتشكيل لجنة للتحقيق معه في شبهات فساد، وفق نظام محاكمة الوزراء. وهذه السابقة تأتي في سياق تأكيدات الحكومة السعودية مسبقاً، ممثلة في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، والذي يرأسه ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على محاسبة الوزراء ورفع كفاءة الحكومة.

وتضمنت وعود "رؤية 2030" تخفيف "الإجراءات البيروقراطية الطويلة" وتوسيع "دائرة الخدمات الإلكترونية" إضافة إلى اعتماد "الشفافية والمحاسبة الفورية" الأمر الذي يرى مراقبون بدء تطبيقه، بإعفاء وزير الخدمة المدنية خالد العرج، ووزير الثقافة والإعلام عادل الطريفي، والذي وُجهت إليه انتقادات واسعة من داخل الوزارة وخارجها، في الوقت الذي تولى الطريفي المنصب لقرابة العامين من بدايات 2015 إلى أبريل/نيسان 2017. وجاء ضمن "رؤية 2030" أنه "لن نتهاون أو نتسامح مطلقاً مع الفساد بكل مستوياته، سواء أكان مالياً أم إدارياً. وسنستفيد من أفضل الممارسات العالمية لتحقيق أعلى مستويات الشفافية والحوكمة الرشيدة في جميع القطاعات".

خصخصة الخدمات
جاءت التعيينات الوزارية في السعودية منذ 2015 بنكهة اقتصادية، حتى في قطاعات نُظر إليها على نطاق واسع باعتبارها بعيدة عن الخبرات الاقتصادية والمالية، مثل وزارة التعليم (لم يستمر عزام الدخيل صاحب الخلفية الاقتصادية في الوزراء لفترة طويلة). وتأتي التعيينات الوزارية الأخيرة لتسير في هذا الاتجاه، لتصب في خصخصة القطاعات الخدمية، وهو ما تعتزم الحكومة السعودية القيام به كما تصرح في مشاريع "التحول الوطني 2020" و"رؤية 2030". ويتولى توفيق الربيعة وزارة الصحة، وعواد العواد وزارة الثقافة والإعلام، وعبدالله السواحه وزارة الاتصالات، ليكونوا جميعاً أمثلة على وزارات خدمية يتولاها قادمون من القطاع المالي والاقتصادي.

فوزير الاتصالات، عبدالله السواحه، صاحب خبرة عملية وتخصصية واسعة في تكنولوجيا الاتصالات، لكنه أيضاً عمل في القطاع الخاص، تولى إدارة شركة "سيسكو" بعد العمل بها لقرابة العشر سنوات، كما أنه اجتاز البرنامج التنفيذي في جامعة "هارفرد" لإدارة الأعمال. ووزير الصحة، توفيق الربيعة، هو من خلفية اقتصادية، إذ كان وزيراً للتجارة والاستثمار، ومديراً لهيئة المدن الصناعية. أما دراسياً، فهو متخصص في الإدارة المالية (بكالوريوس) وعلم المعلومات (ماجستير) والحاسب الآلي (دكتوراه). أما وزير الثقافة والإعلام، عواد العواد، فهو من خلفية اقتصادية أيضاً. فقد حاز درجة الدكتوراه في أنظمة الأسواق المالية، والماجستير في العمليات المصرفية، والبكالوريوس من كلية العلوم الإدارية بجامعة الملك سعود. وعمل في مؤسسة النقد السعودي، وشغل منصب نائب محافظ الهيئة العامة للاستثمار، إضافةً لعمله مستشاراً للشؤون المالية والاقتصادية بالمكتب الخاص للعاهل السعودي، عندما كان ولياً للعهد.

الخلفية الاقتصادية قيمة عامة في مجلس الوزراء السعودي حالياً. فوزير الدولة لشؤون الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان، والذي يمتلك خبرة واسعة في الطاقة من خلال عمله لقرابة الثلاثة عقود في وزارة النفط والثروة المعدنية (قبل تغيير اسمها) متخصص في إدارة الأعمال أيضاً، إضافةً إلى تخصصه في الإدارة الصناعية. وفي الوقت الذي لا يبدو فيه واضحاً إلى أي مدى ستتم خصخصة قطاعات التعليم والصحة، إلا أن الحكومة ماضية في زيادة فاعلية القطاع الخاصة في الدولة، لمواكبة مشاريعها لتنويع مصادر الدخل من جهة، ومواجهة البطالة، في ظل انخفاض أسعار النفط.

وكانت "رؤية 2030" قد أكدت أهمية تغيير هيكلية الحكومة بصورة مستمرة. وجاء فيها أنه "سنعمل على إعادة هيكلة مستمرة ومرنة لأجهزتنا الحكومية، تلغي الأدوار المتكررة وتسعى إلى توحيد الجهود وتسهيل الإجراءات وتحديد الاختصاصات بشكل واضح وتفعيل مسؤولية الجهات في تسلم مهماتها بشكل يسمح لها بالتنفيذ ويمكّن المساءلة، ويضمن استمرارية العمل والمرونة في مواجهة التحديات"، الأمر الذي يبدو أن الحكومة السعودية جادة في القيام به.