اليسار الراديكالي الفرنسي: أيّهما يدعم ماكرون أم لوبان؟

اليسار الراديكالي الفرنسي: أيّهما يدعم ماكرون أم لوبان؟

27 ابريل 2017
ميلانشون يخلق الحدث كعادته (Guillaume Souvant/ فرانس برس)
+ الخط -

بينما تشتد المنافسة بين المتأهلين للدور الثاني في الانتخابات الفرنسية، بين مرشح "إلى الأمام" إيمانويل ماكرون، ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، يثير مرشَّح اليسار الراديكالي، جان لوك ميلانشون، الكثير من الجدل في الساحة السياسية الفرنسية، بسبب امتناعه عن توجيه أي توصية إلى أنصار حركته "فرنسا غير الخاضعة" لقطع الطريق على صعود لوبان.


ويحاول كل من ماكرون ولوبان أن يجلبا قاعدة عريضة في التصويت النهائي، وتظهر في وسائل الإعلام بعض "المآسي الصغيرة"، من قبيل ما يكرره سياسيون كُثر، من اليمين واليسار، ومن بينهم رئيس الجمهورية فرانسوا هولاند، من وجود خطر حقيقي في وصول لوبان إلى الإليزيه، وهو ما يسارع ماكرون لتأكيده، عبر إظهار "حزنه" و"أسفه" من موقف ميلانشون، الذي لم يفعل ما فعله كثيرون، من توجيه دعوة صريحة للتصويت لصالحه.

وفي هذه الفترة، التي يختلف فيها كثير من ممثلي اليسار في اتخاذ موقف واحد، بسبب القراءات التي يمكن أن يخضع لها أي موقف، خصوصاً وأن ثمة انتخابات تشريعية قريبة، سيدخل فيها ممثلو اليسار خصوماً لِكلا المرشحين، بما في ذلك ماكرون، الأوفر حظاً. وإن أي موقف يتخذ، الآن، لن يخلو من تشويش على كثير من ناخبي اليسار، المعارضين لاتجاه مارين العنصري والهوياتي والشعبوي وأيضاً لاتجاه ماكرون الليبرالي وبرنامجه الغامض في كثير من القضايا.

وليست التظاهرات الشبابية التي اندلعت بعد ظهور نتيجة الدورة الأولى، المُعارِضة لكلا المرشحين، إلا دليلاً على أنّ الحال، الآن، ليس هو حال 2002، وإن كانت توجد بعض التشابهات.



ومن هنا حاولت حركة "فرنسا غير الخاضعة" أن تحدد موقفها، بشكل يقطع مع أي محاولة من قبل لوبان للاستفادة من بعض أصوات أنصار ميلانشون. وكان الناطق باسم ميلانشون، أليكسي كوربيير، واضحاً في التعبير عن أمله في "ألا تستفيد مارين لوبان من أي صوت من أصوات فرنسا غير الخاضعة".

وأضاف منتقداً الصحافة الليبرالية: "لم ألتق بأحد في هذه الحملة الانتخابية صوّت لصالح لوبان بسبب ميلانشون، ولكني على العكس، رأيتُ أناساً صوّتوا لمارين لوبان بسبب ساركوزي وهولاند".

وتابع: "لن نعلن عن أي تعليمات بالتصويت. ولا يوجد أي خيار لاأخلاقي بين التصويت لماكرون والامتناع عن التصويت. ونحن لم نَقُل، أبداً، بأن التصويت لصالح ماكرون أو لصالح لوبان هو نفس الشيء". وختم بالقول: "القوة الوحيدة التي تكافح ضد الجبهة الوطنية هي فرنسا غير الخاضعة"، وأشار، بفخر إلى "هؤلاء الناس الذين، من دوننا، كانوا سيصوتون لصالح لوبان، والذين بفضلنا، صوّتوا لصالح برنامج إنساني وإيكولوجي".

هذه الصعوبة في اتخاذ موقف من التصويت في 7 مايو/ أيار، والذي عبّر عنه ميلانشون بموقفه الرافض لكشف "ورقة تصويته"، حاولت مجلة ليزانروكيبتيبل، الأسبوعية اليسارية، أن تجيب عنه في ملفها، بعنوان: "7 مايو/أيار، سترحل مارين لوبان، وبعدها ماذا سنفعل؟"
وجاء في افتتاحية المجلة: "لنقل الأمر، دفعة واحدة، يجب التصويت يوم 7 مايو/أيار ضد اليمين المتطرف، ويجب، من أجل هذا، منح الأصوات لإيمانويل ماكرون"، وتضيف: "لا نعرف، لحدّ الآن، بشكل جيد، ماذا يشبه مشروع ماكرون .. ولكننا نعرف أن ماكرون، من دون شك، هو حل جمهوريّ مقبول لمعارضة لوبان"، ثم تتساءل: "لنا الحق في التساؤل حول النتائج، على المدى القصير، لهذه الصورة الرئاسية 2017، غير المريحة؟".



فترة صعبة يعيشها اليسار الفرنسي، ومن أجل إعادة بناء يسار الغد، تدعو المجلة ميلانشون إلى "أن يحدد موقفه من الدورة الثانية، حتى يُثبّت نفسَه، بشكل واضح، باعتباره المُلهِم الممكن ليسار اليسار، الذي يستطيع، (لِمَ لا؟) أن يُوحّد من كريستيان توبيرا إلى أوليفيي بيزانسون، مروراً ببعض الإيكولوجيين الذين لا يزالون واقفين". وتنتهي الافتتاحية: "هذا التاريخ الجديد يمكن أن يبدأ في الثامن من مايو/ أيار، بمجرد هزيمة اليمين المتطرف. يمكن للعمل حينئذ أن يبدأ، انطلاقاً من لا شيء، تقريباً".

وليس بعيداً منه موقف مجلة "بوليتيس" الأسبوعية التي كرَّست غلاف عددها اليوم، لـ"اليسار، الانبثاق الجديد".

ففي افتتاحيته، يقول رئيس التحرير، دونيس سيفير، "لا شيء حُسِم بعد في ما يخصّ 7 مايو/أيار. والجبهة الوطنية لن تعوزها الأدلة. ففي مرات عديدة قالت مارين لوبان إنها ترى في ماكرون الخصم المثالي لها في الدورة الثانية. النظام ضد القطيعة. التصويت الشعبي ضد النُّخَب. القروي والقريب من المدن ضد وسط المدن".

وشدد سييفير، أيضاً، على أن "كل شيء في منطق مارين صحيح. وإنَّ ماكرون هو كلّ ما حاربناه في مجلتنا منذ سنوات. ومع ذلك، فلن يَصدُر عنّا أي تردد، لأن النقاش يوجد في مستوى آخر. فلا يمكن أن نلعب مع المخاطر الفاشية. ولن نستهين بالتهديدات التي تستهدف الحريات العمومية ولا بالمحظورات الثقافية ..".

وختم بأن الأمر لا يتعلق بقضية برامج. "إذ توجد أسلحة أخرى لمحاربة سياسة ماكرون، غير الامتناع عن التصويت الذي يمكن أن يحمل مارين لوبان إلى السلطة".

ويرى سييفير أن يساراً جديداً يمكن تشييده، من الآن، "أن نجاح ميلانشون- الذي لا يمكن إنكاره، رغم الرنة الجنائزية لخطاب الأحد، مساء- يجعل من (فرنسا غير الخاضعة)، فاعلاً لا غنى عنه في المشهد الجديد"، و"لكن كاريزما الخطيب ميلانشون لا تكفي. وهو ما يمنحه مسؤوليات كبرى. وهو ما سيمر عبر اتفاقيات مع الشيوعيين وربما مع الناجين من أنصار بونوا هامون، ومع الإيكولوجيين. يتعلق الأمر بذهنية اتحادية يجب ابتكارها".

وهذه الروح المتفائلة يؤكدها الصحافي ميشيل سودي، حين يتوقع بأن "اتفاقاً بين الحزب الشيوعي وفرنسا غير الخاضعة يمكن أن يساهم في انتخاب 212 نائباً برلمانياً".

انتخاب يوم 7 مايو/أيار صعبٌ، لأن له ما بعده. وبالتالي سيكون صعباً التوفيق بين "الدعوة لإلحاق أكبر هزيمة بمارين لوبان يوم 7 مايو/أيار، عبر استخدام ورقة ماكرون، وبين دعوة اليسار لهزيمة إيمانويل ماكرون في الانتخابات التشريعية، في كل مكان، يكون فيه الأمر ممكناً"، كما يأمُل الأمين العام للحزب الشيوعي الفرنسي، بيير لوران.

وبهذا المعنى فإن نتائج انتخابات 2017 استثنائية ومفتوحة على كل المفاجآت.

المساهمون