السلطة تحاصر غزة: الأهالي يخشون الأسوأ وتحذيرات من انفجار

السلطة تحاصر غزة: الأهالي يخشون الأسوأ وتحذيرات من انفجار

28 ابريل 2017
يشبّه الناس بغزة حياتهم بالموت سريرياً(عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -


لم يعد الحديث عن إجراءات عقابية من السلطة الفلسطينية تجاه قطاع غزة دعاية، أو أخباراً كاذبة، ولا حتى أمنيات لدى الاحتلال الإسرائيلي أو حتى بعض الفلسطينيين، لكنه بات واقعاً مع تعمّق الأزمات في القطاع المحاصر منذ أكثر من أحد عشر عاماً، عاش خلالها السكان حياة قاسية أعادتهم لعصور غابرة.
في غزة، يبدو الناس مصدومين من هول الأزمة التي صُنعت فجأة قبل أقل من شهر، والتي تدحرجت بدءاً من خصم 30 في المائة من قيمة رواتب موظفي السلطة الفلسطينية في القطاع، ومن ثم أزمة الكهرباء المستفحلة وعدم قدرة من يدير غزة على دفع أثمان الضرائب المفروضة على الوقود، ومن ثم الحديث عن تقليص الخدمات الطبية المرسلة من رام الله إلى غزة.
واجهت حركة "حماس" هذا النفس الجديد في التصعيد تجاه غزة بتصعيد مشابه، عبر الشارع والإعلام، لكنها لم تنجح في حلحلة شيء، بل حُمّلت مزيداً من الضغط على الضغط الذي تعيشه، وهو إجراء ينعكس طبيعياً على مليوني فلسطيني يعيشون وطأة حصار قاسٍ ومشدد في القطاع.
في الشارع الغزّي، تتخبط الأفكار، وبات حديث المواطنين مختلفاً عما سبق، وباتوا يُمنون أنفسهم ببقاء جدول الكهرباء 6 ساعات يومياً مقابل قطعها 12 ساعة، نتيجة إعلان الاحتلال الإسرائيلي إبلاغ السلطة الفلسطينية له بوقف تمويل إمداد غزة بالكهرباء. ويزود الاحتلال غزة بالكهرباء عبر 10 خطوط تنتج 125 ميغاواطاً وتشكّل نحو ربع الكهرباء الثابتة في القطاع، وتقول جهات الاختصاص في غزة إنّ إسرائيل تأخذ ثمن الكهرباء من المقاصة الضريبية، التي تجريها بدلاً عن السلطة في معابر الاحتلال التي ترتبط بغزة.
وسرعان ما انتشرت أخبار التهديدات لغزة، وتحوّل بعضها إلى واقع ملموس، حتى اصطفت عشرات السيارات على محطات الوقود في مناطق مختلفة من القطاع، ما تسبب في أزمة، لم تنجح معها التطمينات الحكومية في غزة بعدم وجود أزمة في الوقود وتوفّره بما يكفي لحاجة السكان من إنهائها، ما أدى إلى نفاد كميات الوقود من المحطات المحلية.
ويشبّه الناس في غزة حياتهم الآن بالموت سريرياً، في انتظار إنعاشهم أو إتمام مراسم دفنهم، وباتوا يتوقعون خيارات صعبة لمن يحكم غزة، ومن يحاصرها. ويقول نعيم أبو خوصة، من بيت لاهيا شمال القطاع، إنّ السلطة ستخسر كثيراً إذا استمرت في نهج خلق الأزمات في غزة، فالمتضرر ليس "حماس" وحدها، وإنما مليونا مواطن فلسطيني، قد يُجبرون على خيارات صعبة وقاسية. بالنسبة لأبو خوصة، الذي توقف عن العمل قبل 17 عاماً داخل الأراضي المحتلة، فهو يعيش حياة قاسية منذ ذلك الوقت، أي قبل مجيء "حماس" للحكم، ولكنه سرعان ما تأقلم مع المساعدات الإغاثية التي تُقدّم له، والوظيفة التي حصل عليها نجله في السلطة الفلسطينية. أبو خوصة الابن خُصم منه ثلث راتبه الذي يتقاضاه من السلطة الفلسطينية الشهر الماضي، ومع اقتراب حصوله على راتب الشهر الحالي، يخشى من استمرار التقليص الذي بات أكيداً، لأنّ حياته انقلبت رأساً على عقب، ولم يستطع الوفاء بكثير من الالتزامات المترتبة عليه.


أما أبو علاء توفيق، فيشير إلى أنّ الحصار الذي يتوعد الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، به غزة لن يكون أقسى من الحصار الذي تعيشه حالياً، لكنه يوضح أنّ زيادة الضغط على غزة ستولد الانفجار حتماً، والانفجار سيكون في كل الاتجاهات لأن الشعب ملّ من الوعود ويريد خلاصاً من واقعه الحالي.
أبو علاء أصيبت ابنته بمرض في الكلى، وباتت حياتها متعلقة بجهاز غسيل الكلى في مجمع الشفاء الطبي، ويخشى من أن تؤثر الخطوات القاسية التي تتوعد السلطة بها غزة على أدوية وأدوات أجهزة غسيل الكلى، وهو ما يعني فقدان ابنته الشابة حياتها. ويرجو أبو علاء، ومثله آلاف الفلسطينيين الذين كتبوا على مواقع التواصل الاجتماعي، تدخّل "أهل الخير" والدول الصديقة لتقريب وجهات النظر بين "حماس" والسلطة الفلسطينية، والسعي الحثيث لإنهاء الانقسام السياسي والمجتمعي، والبدء بمرحلة جديدة من العلاقات.
وليس بعيداً عن نبض الشارع، كتب المحلل السياسي، إبراهيم المدهون، على صفحته في "فيسبوك": "السلطة بقراراتها تدفع قطاع غزة نحو الاحتلال، إما فتح قنوات أو انفجار، وأعتقد أن جميع الخيارات مفتوحة، فليس عيباً أن يتم التفاوض مع الاحتلال مباشرة في ظل تأزم الموقف، ويمكن عبر وسيط كمصر أو تركيا وقطر". وأضاف المدهون: "بعد تنكّر السلطة عن مسؤولياتها، هناك من يراه (التفاوض) أفضل حالاً من المواجهة العسكرية، وأدعو حماس للتفكير ملياً بذلك، فواقع غزة أقرب للاستقرار من الانفجار".
ولفت المدهون إلى أنّ "استجابة الاحتلال لطلب السلطة بقطع الكهرباء نهائياً عن غزة، وتأزيم المؤزم، سيحصر حماس والمقاومة وأهالي قطاع غزة في خيار الانفجار فقط أو ما يشابهه من خيارات". وعاد المدهون ليذكر بأنّ "خيار العدوان على غزة واقتراب الحرب بات ممكناً، ويبدو أننا على مشارفها، وهذا العدوان إن حدث سيكون الأصعب والأقسى. حماس لن تبدأ أي حرب ولن تبادر بتاتاً، ولكن باعتقادي إذا ما تمت مباغتتها فستصبر وتصمد وستواجه العدوان ببسالة واحتساب". وحمّل المدهون الرئيس محمود عباس مسؤولية "الدماء التي ستراق من الفلسطينيين في غزة إذا حدث العدوان وانفجر الوضع لأي سبب من الأسباب".
وكان عضو في اللجنة المركزية لحركة "فتح"، طلب عدم ذكر اسمه، قد قال لـ"العربي الجديد" إن القيادة الفلسطينية مستمرة في خطواتها نحو حركة "حماس" لكنها لن تلجأ لأي تصعيد حتى لقاء عباس المرتقب بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في الثالث من الشهر المقبل، معتبراً أن "حماس" لم تجب حتى الآن على النقاط التي قدمتها "فتح".
وترافق ذلك مع إعلان اللجنة المركزية لـ"فتح"، بعد اجتماع لها مساء الأربعاء برئاسة عباس، "رفضها محاولات حماس شرعنة الانقسام من خلال تشكيل ما يسمى باللجنة الإدارية، ورفضها استمرار الوضع القائم في غزة بكل ما تقوم به حماس من مخالفات قانونية ووطنية بما في ذلك بحق شعبنا هناك"، على حد وصفها. وأكدت "تصميمها على إنهاء الانقسام، ودحر مشروع الكيان المنفصل في غزة، وتصميمها في هذا المجال على اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك".

المساهمون