فصول من تدمير الجيش العراقي مثلما يرويها ضباط مستقيلون

فصول من تدمير الجيش العراقي مثلما يرويها ضباط مستقيلون

27 ابريل 2017
الجيش العراقي في معركة الموصل (مارتن أيم/Getty)
+ الخط -
كان آخر لقاء جمعه مع قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني نهاية عام 2014، بعدها قرر تقديم استقالته من الجيش العراقي بأشهر قليلة لأسباب صحية، رغم أن وضعه ما زال جيداً ضمن معايير المقاتلين في الميدان إلا أن "الوساطة والعلاقات الشخصية تحقق ما تريد". هكذا ربط العقيد حسين مال الله تقديم استقالته من الجيش وحصوله على تقاعد مناسب حينها وانتقاله بعدها إلى مدينة أربيل، حيث يعيش منذ نحو عامين هناك مع أفراد أسرته، مع تحول الجيش العراقي إلى قوة ثانوية، وعدم احترام القادة من قبل مليشيات "الحشد الشعبي"، وقادة الحرس الثوري الإيراني.


في هذا السياق، بيّن مال الله أن "مشهد قاسم سليماني وجنوده متجولاً بالمدن العراقية كالآمر الناهي، لا يمكن تقبّله، كما أن اقتحام شاب عشريني من مليشيا العصائب أو كتائب حزب الله العراقي لغرفة الضباط في القاعدة العسكرية، واضعاً ساقا على أخرى، وموجّهاً الأوامر، لا يرضاه الضابط الحقيقي". مال الله من بين نحو 700 ضابط عراقي برتب متفاوتة، فضّلوا الاستقالة من الجيش، وبعضهم ترك الخدمة واعتُبر مفصولاً من الجيش، وفق محاكمات عسكرية جرت ببغداد خلال أقل من ثلاث سنوات.

ولفت مال الله في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "سليماني لا يمكن أن يبني العراق لا هو ولا من معه. وهذه حقيقة يعلمها الجميع بمن فيهم حكومة حيدر العبادي، وقادة أحزاب السلطة. تماماً كما أن من المستحيل أن تبني العراق ثلة عصابات همجية مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)". كما وصف مال الله لقاء مع سليماني في أواخر عام 2014 قرب تكريت، حيث دارت معركة استعادة المدينة من "داعش" بأنه "صدفة سيئة للغاية". ونوّه إلى أن "سليماني شتمنا في أرضنا، حين جاء مع أفراد من حمايته بعربات عسكرية وسيارة إسعاف تابعة لوزارة الصحة العراقية مع طبيب إيراني لسحب جثة الجنرال حميد تقوي الذي قتله داعش، بإحدى معارك جنوب سامراء، وقال حرفياً (عرب خونة)، ولم يرد أحد عليه آنذاك، فالوضع كان لا يحتمل أي جدال، وداعش يحاصر وحدات الجيش من كان اتجاه وكأنه كان يحمّلنا مسؤولية مقتله".

الاستقالة بين ضباط الجيش أو ترك الخدمة العسكرية نهائياً، لم تتحول إلى ظاهرة حتى الآن، فعددهم لا يتجاوز مئات على مدار السنوات الثلاث الماضية، وهي عمر القتال الفعلي ضد "داعش". فغالبية من تركوا الخدمة أو استقالوا لهم أسبابهم المتشابهة، كتعرّضهم للإهانة اللفظية، أو الضرب أو عدم احتمالهم التحول إلى ضباط بلا صلاحيات، وهم بالعادة من قادة وضباط الجيش العراقي السابق الذين اضطرهم الوضع الاقتصادي للعودة من أجل المرتب أو حباً بالخدمة الوطنية، وأداء العمل الذي لا يجيدون غيره، إلا أنهم يصرون على ضرورة بدء الحكومة بمعالجة الوضع داخل العراق، ومنع تحول الجيش إلى قوة هامشية مقارنة بقوات "البشمركة" الكردية أو مليشيات "الحشد الشعبي"، إذ تحظى القوتان بدعمٍ عسكريٍ كبيرٍ، فضلاً عن قوة سياسية تدعمهما في بغداد.



وقال الضابط عبد الوهاب فندي العبيدي، الذي فُصل عن الخدمة بعد مغادرته وحدته العسكرية في شهر مارس/آذار الماضي، إنه "ظلّ في الأردن عدة سنوات"، ولم يحتمل الغربة، ومشاهد المعارك وهو جالس أمام زوجته من دون عمل، فقرّر العودة بعد فتح وزارة الدفاع باب العودة لضباط الجيش العراقي السابق. وأضاف أنه "بعد ستة أشهر عدت للأردن وأنا نادم على التجربة، فلم أجد الجيش بالمعنى الحقيقي كما كان". وبيّن أن "أفراداً من حزب الله اللبناني من الذين شاركوا بمعركة الفلوجة كانوا يستخدمون الشتائم أكثر من استخدامهم أسلحتهم، وآخرين من مليشيات الحشد ارتكبوا انتهاكات، ولم نكن قادرين على ردعهم. وكنا نشعر بأننا أمامهم مجرد شكل من دون مضمون، ومسموح لهم فعل أي شيء معنا".

وفي الأول من سبتمبر/أيلول الماضي أطلق زعيم مليشيا "بدر" هادي العامري، تصريحاً أثار غضباً وامتعاضاً واسعاً في العراق، عندما قال في مؤتمر صحافي من مدينة الدور بمحافظة صلاح الدين، إن "قوات بدر أصبحت أقوى من الجيش والشرطة". وأعقبه تصريح لزعيم مليشيا "العصائب" قيس الخزعلي، وصف فيه قوات الجيش بـ"الرديفة"، خلال كلمه له في حشد من عناصر المليشيا في بغداد.

وأثارت تصريحات العامري اعتراضات كبيرة في صفوف الجيش، الذي اعتبرها إهانة للمؤسسة العسكرية، فيما خلا الاستعراض الذي حضره العامري، من أي تمثيل رسمي سواء من محافظة صلاح الدين أو من الحكومة المركزية ببغداد، وقد رُسِم على الأرض، التي مرّ المستعرضون عليها، علم إسرائيل وراية "داعش". كما أن العامري لم يتطرق من قريب أو بعيد إلى الولايات المتحدة التي تحتفظ لنفسها بأكثر من 5 آلاف جندي في العراق، وهم في الغالب منتشرون في صلاح الدين وتخوم الموصل.

ونقلت "رويترز" في تقرير سابق لها عن مسؤولين عسكريين في الجيش الأميركي، قولهم إن "القياديين في مليشيا الحشد أبو مهدي المهندس وهادي العامري، يمارسون نفوذهم على وحدات الجيش في محافظتي ديالى وصلاح الدين"، مؤكدين أنهم "يمارسون دور الإشراف على الجيش العراقي هناك".

وبعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، تمّ حلّ المؤسسة العسكرية العراقية ممثلة بالجيش وجميع المؤسسات التابعة له، كهيئة التصنيع العسكري والوحدات القتالية الخاصة، بقرار من الحاكم الأميركي المدني للعراق بول بريمر. وعلى أثره تم تأسيس جيش جديد نواته مليشيات مسلحة كانت تتواجد في إيران، كأجنحة مسلحة للحركات السياسية المعارضة لحكم صدام حسين.



ورغم إعلان رئيس الوزراء حيدر العبادي في كلمه له من واشنطن الشهر الماضي، حرصه على إصلاح المؤسسة العسكرية، وإعادة "الهيبة للجندي العراقي"، إلا أن الحال بشكل عام ما زال سيئاً بالنسبة للجيش، مقارنة بما يحصل عليه نظراؤهم في المليشيات (الحشد الشعبي)، أو قوات "البشمركة". كما أن وجود وحدات الحرس الثوري الإيراني يخرج تصنيف الجيش بالنسبة للكثير من العراقيين من خانة الوطنية. وتعهّد العبادي بأن "يكون الجيش للسنة والشيعة والمسيحيين والأكراد، وباقي مكونات الشعب"، وهو ما لم يلمسه المواطن حتى الآن. 
 بدوره، يروي الرائد سعدون أركان القيسي، أحد ضباط الجيش، كيف قدم استقالته من الجيش لـ"كونه لا يحمي"، وذلك بعدما اضطر للخضوع للعرف العشائري (دفع مال أو اعتذار) لعائلة أحد الجنود مطلع العام الحالي. وأوضح القيسي، الذي افتتح أخيراً متجراً لبيع التجهيزات الرياضية في منطقة حافظ القاضي ببغداد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "فوجئ بعد أيام من توجيهه عقوبة لأحد الجنود بسبب شجار مع جندي آخر، باتصال من رجل قدم نفسه أنه شيخ عشيرة، وقال لدينا حق عشائري لأنك أهنت ابننا". وأضاف "بعد حديث طويل رفضت وتعاليت، لكني لم أجد أي دعم أو مساندة واضطررت للذهاب والاعتذار والحمد لله اكتفوا بذلك ولم أدفع أي مال. بعدها قررت أن أترك الجيش فليس من المناسب بعد اليوم التواجد في قاعدة يتواجد فيها هذا الجندي الذي اعتذرت منه على شيء لم أكن فيه مخطئاً".

وحول ذلك قال النائب في البرلمان علي الشويلي لـ"العربي الجديد" إنه "لضمان سلامة العراقيين يجب بعد الانتهاء من تحرير الموصل وما تبقى من بلدات، أن يتم تخيير الفصائل المسلحة بين الانضمام للجيش أو إلقاء سلاحها، فبقاء الحال على ما هو عليه يعني صراعات داخلية وضررا بأمن البلاد". وتابع أنه "يجب أن نعيد هيكلية الجيش ونعيد إليه هيبته كما في السابق، وألا تكون سلطة أعلى من سلطته ولا يكون سلاح أقوى من سلاحه، وأن تكون القوة الضاربة الوحيدة هي الجيش عبر تقويته وبتسليحه بأن يكون تحت ظل الدولة فقط، ولا يكون لأي جهة سلطة أو نفوذ عليه. ذلك لأن إعادة هيبة الجيش تعني عاملا رئيسيا لأمن العراق مستقبلاً وكذلك عامل أمن إقليميا".

وأضاف الشويلي أن "هناك قانونا تم التشريع له هو قانون الحشد الشعبي، جعل الأمر بإمرة رئيس الوزراء، ويجب بعد تحرير العراق من داعش، أن يأمر رئيس الوزراء بدمج الحشد الشعبي والقوات الأمنية ومن يرفض يجب أن يحاسب".

من جانبه، اعتبر القيادي في تحالف القوى النائب محمد نوري العبد ربة لـ "العربي الجديد"، أن "التوجه العام في البرلمان هو رفض تهميش الجيش وتحوّله لقوة ثانوية". ورفض أن "تكون هناك جهات مسلحة خارجه، ونتمنى أن تكون سلطة واحدة في العراق. لذلك في حال رفضت الفصائل الانضمام تحت قوات الجيش بعد انتهاء صفحة داعش، يجب أن تكون الدولة قوية، ويجب أن تتخذ قراراً مهماً بدمج الفصائل مع الجيش، وإنهاء الحالة الآنية التي فرضها وجود التنظيم بالعراق". وختم بالقول "حالياً أعتقد أن اليوم غير مناسب لمثل هذه القرارات، لكن بعد تحرير المناطق يبدأ التفاوض مع هذه الفصائل، لأن مصلحة العراق فوق كل شيء. لا نريد أن تكون الدولة متعسفة بحق قسم من هؤلاء الفصائل الذين قاتلوا، لكن في جميع الأحوال يجب أن يكون للدولة موقف قوي بهذا الاتجاه. وفي المقابل يمكن أن تكون هناك ضغوط دولية بهذا الاتجاه على قادة الفصائل في حال عارضوا إعادة هيبة الجيش والانخراط فيه، وتحديد القيادات والصلاحيات، على أن تكون وزارة الدفاع والداخلية هي من تحكم الأمن".

المساهمون