سأصوّت لـ"فيكتور 6000"!

سأصوّت لـ"فيكتور 6000"!

23 ابريل 2017
صبر الناس في تونس بدأ ينفد (ياسين جعيدي/الأناضول)
+ الخط -

تبلغ التناقضات اليومية حداً يصعب معه أحياناً التحكم بالثوابت، وتتلاعب الأحداث المتضادة بمشاعرنا إلى حد مرهق للأعصاب ومثير لحاسة التحليل ولما يتعلق بها من محاولة أخذ مسافة من الأحداث للتمكن من تناولها بشيء من الموضوعية.

وفيما تحاول أن تهرب إلى "فقاعة" ظرفية تتحصن بها ليلاً من أحداث اليوم الطويل، يقسو عليك "الريموت كونترول" ويدمّر أعصابك ويتلاعب بك كما يشاء، إذ يدفعك دفعاً إلى ما تهرب منه باستمرار: أن تقارن نفسك بـ"الأمم الحيّة" والشعوب المرفهة والمجتمعات التي حسمت مشاكلها والتفتت إلى ما هو هام، أو لعله الأهم: الحياة في تفاصيلها الصغيرة.

كنت أتابع على قناة تونسية مشهداً سوريالياً لرئيس حزب تونسي ومرشح سابق للرئاسة، قطع البرنامج التلفزيوني وبدأ يشتم الجمهور ويغادر الاستديو. ذهب بي زر "الريموت" إلى المشهد الموالي، إلى "فيكتور 6000"، وهو فريق بحث فرنسي صمم واحداً من أكبر "الروبوتات" تحت المائية في العالم، ومهمته أن ينزل عدة كيلومترات تحت سطح المحيطات، إلى البراكين البحرية، حيث تتجاوز الحرارة مئات الدرجات، وتكشف مستقبل البشرية، عبر الكشف عن آلاف الأطنان من المعادن الثمينة، من رصاص ونحاس وذهب، يمكن أن تلبي احتياجات الصناعة البشرية لسنوات طويلة، بينما بدأت شركات كندية فعلاً بوضع المنشآت البحرية التي ستشرع في استخراج هذه الطاقات المخفية وتحويلها على متن مراكب عملاقة، هي في الحقيقة مصانع عائمة فوق المحيط.

وبين صاحبنا المهووس بأن يصبح رئيساً للتونسيين و"فيكتور 6000" مسافة ضوئية، محسوم أمر الاختيار بينهما. لكن هذا الإحساس والخيار متقاسم بين أبناء بلد يملأ الطموح أبناءه وبناته، ويغمرهم شعور قديم متجدد بقدرتهم على تحويل هذا البلد الصغير إلى شيء جميل للغاية، ولعلها رسالة غير مضمونة الوصول إلى نخبة سياسية ينبغي أن تنصت لطموحات شعبها، وتفهم أخيراً أن السجالات السياسية طالت أكثر من اللازم، وأن صبر الناس بدأ ينفد... وفي الأخير سؤال قد يبدو غبياً أو خارج الزمن: متى ينظم حزب تونسي أو عربي ندوة صحافية لا يشتم أحد فيها، ويقدم مشروعا لسكة حديد أو مركز بحث تكنولوجي، أو مصنع لتحويل مواد نلقي بها في القمامة، بينما يحولها غيرنا إلى مادة تجدد حياة وتنقذ مرضى؟

دلالات

المساهمون