شمال سورية ليس متطرفاً

شمال سورية ليس متطرفاً

22 ابريل 2017
غالبية السكان يعادون فكر التنظيمات المتطرفة (Getty)
+ الخط -

ساهم الإعلام المحلي، بشقيه النظامي والمعارض، وكل من الإعلام العربي والغربي، بتصدير صورة مشوهة عن توجهات سكان المناطق الشمالية من سورية، وتصويرها كحواضن للفكر المتطرف، من خلال نقل مظاهر حياتية من تلك المناطق توحي بأن غالبية السكان يتبنون ذلك الفكر كعقيدة وقناعة، وأنهم يرون في "الدولة الإسلامية"، على طريقة "داعش" أو "جبهة النصرة"، الخيار الأنسب لهم.

قد يكون جزء من المقاتلين من فئة الشباب، بين 18 و25 عاماً، والذين لا يتجاوز عددهم المئات، قد تمت أدلجته من خلال التيارات المتطرفة، التي استطاعت قراءة احتياجاته الحياتية، وأعطته شيئاً من السلطة من خلال السلاح في ظل ظروف حياتية شبه مستحيلة، من قصف شبه يومي وافتقار إلى أبسط مقومات العيش. إلا أن الغالبية العظمى من سكان تلك المناطق ليسوا مع خيار الدولة المدنية الديمقراطية وحسب، بل يتخذون موقفاً عدائياً ضد كل فكر التنظيمات المتطرفة، وحتى ضد الإسلام السياسي بكل أشكاله، خصوصاً بعد أن عاصروا تجربة حكم تلك التنظيمات لمناطقهم، والتي كانت بالنسبة لهم أسوأ حتى من حكم النظام الذي كان يتدخل بحرياتهم الشخصية بما يخص الشأن السياسي، ليجدوا أنفسهم تحت حكم تنظيمات تتدخل بأدق تفاصيل حياتهم وبطريقة لا تتناسب مع عاداتهم وثقافة مجتمعهم.

قد يوحي المظهر العام لسكان تلك المناطق أن هناك توجهاً عاماً يميل إلى تبني أفكار التنظيمات المتطرفة، لكنه في الواقع بالنسبة لمعظم السكان هو نوع من التماهي مع الأقوى الذي يفرض شروطه على الأرض، وليس تبنياً لفكره. وقد شهدنا تحولات في هذا التماهي، من خلال تحول بعض المناطق من سيطرة جهة إلى سيطرة جهة نقيضة لها، فيتحول المشهد العام للسكان متماهياً مع توجهات الجهة المسيطرة. طبعاً هذا عدا عن أن الأسس التي تحكم بها تلك التنظيمات السكان المدنيين بعيدة كل البعد عن الأسس التي تحكم علاقاتهم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ويمارسون من خلالها شعائرهم الدينية بعيداً عن التشدد. فمن باب مصلحي، وجد الناس أنفسهم تحت حكم أغلق كل الأبواب على المرأة التي كانت عاملاً أساسياً في العمل الزراعي وغيره، فحرم المجتمع من قسم كبير من قوته الاقتصادية. إن وجود النظام هو السبب الوحيد الذي يمنع حتى الآن صداما محتما بين المجتمع المدني في الشمال السوري والتنظيمات المتطرفة.