مسلم البراك... زعيم تاريخي للمعارضة في الكويت

مسلم البراك... زعيم تاريخي للمعارضة في الكويت

21 ابريل 2017
أصبح البراك رمزاً للمعارضة في الكويت (جابر عبد الخالق/الأناضول)
+ الخط -
أنهى أحد أبرز قادة المعارضة الكويتية، النائب السابق في مجلس الأمة مسلم البراك، حكماً بالسجن لعامين، بعد اتهامه بإهانة الذات الأميرية في خطابه الشهير "كفى عبثاً".

وألقى البراك الخطاب، في ساحة الإرادة مقابل مجلس الأمة، في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2012، وطالب خلاله بوقف تعديل قانون الانتخابات.

ولد البراك في الكويت عام 1956، لأسرة سياسية مرموقة تنتمي إلى إحدى أكبر القبائل في البلاد، وهي قبيلة مطير. وكان جدّه حمد البراك أحد وجهاء الكويت، ووالده محمد البراك نائباً سابقاً في مجلس الأمة الكويتي لأربع دورات متتالية، وشقيقه براك البراك مرشحاً في انتخابات المجلس الوطني عام 1990.

تخرّج مسلّم من قسم الجغرافيا في جامعة الكويت، وعمل مراقباً للأغذية في البلدية، قبل أن ينخرط في العمل النقابي والإطفاء، ويترأس معهد الثقافة العمالية الكويتي.

وبعد قرار حل مجلس الأمة عام 1986 وتعليق الدستور، شارك البراك في احتجاجات "ديوانيات الاثنين" الشهيرة، وساهم في تنسيق اللجان الشعبية فيها، وخاض أول انتخابات برلمانية عام 1992 بعد تحرير البلاد من الغزو العراقي، وإعادة العمل بدستور عام 1962، لكنّه فشل في الحصول على مقعد برلماني، وحاز على المركز الثالث بينما وصل الأول والثاني إلى المجلس. وعاد البراك ليخوض انتخابات عام 1996، بعد تغيير دائرته الانتخابية، ليصل إلى مجلس الأمة للمرة الأولى.

وعاد وحافظ البراك على وجوده في البرلمان في انتخابات 1999 إذ أسّس في هذا المجلس برفقة الزعيم السياسي البارز أحمد السعدون، وعدد آخر من النواب، كتلة "العمل الشعبي"، والتي تطورت فيما بعد لتصبح "الحركة الشعبية الدستورية" (حشد). وهي كتلة شعبية معارضة، تتبنّى خطاباً سياسياً يدور حول منح المزيد من الرفاهية للمواطنين، ومحاربة الفساد السياسي والمالي وتسلط الدولة على مفاصل الحياتين الاقتصادية والسياسية.

أسس البراك والسعدون كتلة "العمل الشعبي" (ياسر الزيات/فرانس برس) 

وعاد البراك لينتصر في انتخابات أعوام 2003 و 2006 و2009، ويحقّق رقماً قياسياً انتخابياً في انتخابات مجلس 2012 المبطل، بعد تجاوزه حاجز 30 ألف صوت، وهو رقم لم يسبق لنائب برلماني الحصول عليه في تاريخ الكويت.

لمع نجم البراك في عمله النيابي بعد استجوابه وزير النفط الشيخ علي الجراح الصباح في 2007، على خلفية تجاوزات مالية في وزارته واتهامات بتورّطه في قضية سرقة الناقلات النفطية، أثناء الاحتلال العراقي للبلاد.

وفي أعقاب تفجر فضيحة "شيكات رئيس مجلس الوزراء" والإيداعات المليونية، في مجلس عام 2009، والتي اتهم البراك ونواب معارضون آخرون الحكومة بتقديمها لنواب موالين لها، ساهم البراك في تأسيس كتلة نيابية أطلق عليها "إلا الدستور".

حقّق البراك رقماً قياسياً بانتخابات 2012 (ياسر الزيات/فرانس برس) 

في أوائل عام 2010، اقتحمت القوات الخاصة، ندوة كانت كتلة "إلا الدستور"، تقيمها في ديوان النائب الحالي جمعان الحربش، واعتدت على نواب مجلس الأمة، ومن بينهم رئيس المجلس الحالي مرزوق الغانم، بالضرب.

ساهمت هذه الحادثة في زيادة الحنق ضد الحكومة، وتجييش الشارع ضدها، وجعل البراك، وهو أحد الذين اعتدت عليهم القوات الخاصة بالضرب، رمزاً للمعارضة. وحاولت قيادات وزارة الداخلية آنذاك، الخروج على التلفزيون الرسمي، ونفي حادثة الاعتداء على النواب في مجلس الحربش.

بعد هذه الحادثة، تحوّل البراك من مجرد نائب يستخدم أدواته الدستورية داخل البرلمان، إلى معارض في الشارع، خصوصاً مع تصاعد موجة الربيع العربي أوائل 2011، حيث نظّمت كتل المعارضة مظاهرات حاشدة، في ساحة الإرادة وسط العاصمة الكويت، وتمكّنت في إحداها من اقتحام مجلس الأمة، في أواخر عام 2011، مطالبة بإقالة رئيس مجلس الوزراء المتهم بقضايا الفساد الشيخ ناصر المحمد الصباح، في حدث وصفه أمير البلاد بـ"اليوم الأسود".

واستجاب أمير البلاد فيما بعد لمطالب المتظاهرين، وأعفى رئيس الوزراء من منصبه، وحلّ مجلس عام 2009، ودعا إلى انتخابات مبكرة في فبراير/ شباط عام 2012.

ولم يكتف البراك بالحصول على المركز الأول في الدائرة الرابعة بهذه الانتخابات، وكسره حاجز 30 ألف صوت، بل عمد إلى تشكيل "كتلة الأغلبية" داخل مجلس الأمة، بانتظام 35 نائباً من أصل 50 في هذا التكتل، والذي استطاع إعادة قائد تاريخي آخر في المعارضة، هو أحمد السعدون، إلى رئاسة مجلس الأمة، بعد أن كان قد انتزعها منه السياسي الراحل المقرّب من الحكومة جاسم الخرافي.

تظاهر البراك بالشارع بالربيع العربي 2011 (ياسر الزيات/فرانس برس) 

وبعد قيام أمير البلاد بحل مجلس عام 2012، وإقرار مرسوم الصوت الواحد للانتخابات، بدلاً من الأربعة أصوات، قاد البراك حملة مقاطعة شرسة للانتخابات البرلمانية، هي الأكبر في تاريخ الكويت.

كما شارك وقاد مسيرات شعبية، عرفت باسم "كرامة وطن"، وشارك في الاحتجاجات التي اندلعت في مناطق متفرقة من الكويت، وعلى رأسها منطقة صباح الناصر، مركز قاعدته الانتخابية.

وألقى البراك عدة خطابات تطالب بإلغاء قانون الانتخابات، وتمكين حكومة منتخبة في البلاد، لكنّ الأمور انفجرت حينما ألقى في أواخر عام 2012، خطاباً عُرف باسم "كفى عبثاً" وجّهه مباشرة إلى أمير البلاد، مؤكداً أنّ المعارضة "لن تسمح بالحكم الفردي في البلاد".

ولم يسبق لأي سياسي في الكويت، أن وجهّ خطاباً بهذه الحدّة إلى أمير البلاد، والذي يعدّ وفق الدستور "أب السلطات" وقائداً عاماً للدولة، وذاته مصونة يمنع مسّها أو انتقاد أفعالها علناً.


أدى هذا الخطاب إلى الحكم على مسلم البراك بالسجن سنتين مع الشغل والنفاذ، واعتقلته السلطات الكويتية في منتصف 2015، أثناء تناوله لوجبة العشاء رفقة مجموعة من مؤيديه، واقتادته إلى السجن المركزي، ليقضي مدة محكوميته هناك.

رفض البراك من داخل السجن، تقديم أي تنازل أو استرحام للسلطات السياسية، مقابل إخراجه من السجن نظراً لحالته الصحية، مؤكداً أنّه أدى عمله بتوجيهه النصح لأمير البلاد فيما يخصّ شؤون الدولة.

رفض البراك تقديم استرحام للسلطات السياسية (ياسر الزيات/فرانس برس) 

قبل خروجه من السجن بأقل من شهرين، تعرّض البراك لاعتداء من قبل أحد السجناء مدمني المخدرات، إذ كان السجين ينوي قتل البراك في حادثة اعتبرت "الحركة الشعبية" التي ينتمي إليها البراك أنّها "مدبرة"، خصوصاً بعد "انتحار" المعتدي داخل الحبس الانفرادي بعد الحادثة، بأسبوعين فقط.

دلالات