ماذا يحدث في تونس؟

ماذا يحدث في تونس؟

17 ابريل 2017
انضم طلبة الحقوق إلى التظاهرات في العاصمة (ياسين جعيدي/الأناضول)
+ الخط -

ماذا يحدث في تونس؟ سؤال يتداوله الكثير من التونسيين، وهم يتابعون تصاعد الاحتجاجات في أكثر من مكان، ويطالعون مواقف الأحزاب السياسية منها وتبادل التهم بشأنها، بينما ترتفع أصوات من هنا وهناك تتحدث عن قرب سقوط حكومة يوسف الشاهد، بين مُبشِّر بها ومحذّر من حدوثها، وسط مخاوف من دخول البلاد في أزمة جديدة لا أحد يتوقع حلّها، وتقليل من أهمية هذه التوقعات برغم الاعتراف بتزايد منسوب التوتر والاحتقان.

توسّعت رقعة الاحتجاجات بسرعة لافتة، من تطاوين في الجنوب إلى الكاف في الشمال الغربي والقيروان وسط البلاد وصفاقس جنوباً وزغوان قرب العاصمة، وصولاً إلى المكناسي وجلمة في محافظة سيدي بوزيد. وانضم إليها طلبة الحقوق الذين خرجوا للتظاهر في أكثر من مدينة، خصوصاً وسط العاصمة تونس، بالإضافة إلى حرب مستعرة بين مكونات المشهد الإعلامي، وتبادل للتهم بين نواب وهيئات ومسؤولين. كل هذه العوامل رفّعت منسوب الضغط، ورسمت صورة أصبح يعرفها التونسيون جيداً، لأنها حدثت مع كل الحكومات السابقة، قبيل سقوطها.

وجاءت تدوينة للمستشار السابق للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وليد فارس، لتصب الزيت على النار، إذ أشار إلى وجود مخطط بين إسلاميي تونس وليبيا لإسقاط الحكومة، ما يتهدد الحكومة العلمانية. ورغم أنه لا أهمية لهذا الخبر الذي ينم عن جهل بالواقع التونسي، لأن الإسلاميين هم جزء من الحكومة، فضلاً عن كونه مجرد تدوينة على "فيسبوك" ولم يصدر عن جهة رسمية أو تقرير هام، إلا أن البعض تلقّفه بسرعة لإذكاء وقود المعركة. وقد يكون هذا المشهد عبارة عن ترجمة لعلاقة متوترة باستمرار بين الحكومة وائتلافها الحزبي من ناحية، وبقية المعارضات، التي تتهيأ للمعركة الانتخابية، من ناحية أخرى. إلا أنها بدأت تتخذ أبعاداً سياسية خطيرة على الاستقرار الهش، وعلى الوضع الاقتصادي أيضاً قبيل موسم سياحي تنتظره البلاد منذ مدة، لأن تدهور سلمية الاحتجاجات قد يقود إلى إعلان حالة الطوارئ والعودة إلى المربع القديم، ما ينسف كل ما بُذل بشأن الترويج للوجهة الآمنة ورفع قيود السفر على تونس.



وترجمت هذه المخاوف بدعوة الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، "الجميع إلى الاستيقاظ من غيبوبتهم"، والنخبة "إلى الوعي بالوضع الحالي والخروج من الخطاب السلبي"، و"العمل بعيداً عن خطاب الصراع والتجاذبات، وهو خطاب ملّ منه الشعب التونسي الذي يطالب حالياً بخطاب من أجل تونس، من أجل تجسيد الوعود على أرض الواقع". ودعا إلى "ضرورة العمل من أجل الوطن بعيداً عن التوترات الاجتماعية، وإلى أن تكون مصلحة البلاد قبل كل شيء"، مطالباً "الشغالين بالعمل لخلق الثروة". من جانبها، عبّرت منظمة رجال الأعمال عن "انشغالها الكبير بحالة الاحتقان التي تعيشها بعض جهات البلاد". ونبهت "من خطر الانزلاق بالبلاد نحو الفوضى والمجهول، ومن كل محاولات توظيف هذه التحركات لغايات حزبية أو فئوية ضيقة". ودعت إلى "التهدئة والتحلي بالحكمة واعتماد الحوار سبيلاً أوحد لإيجاد الحلول... والأطراف السياسية، المكونة لحكومة الوحدة الوطنية وأعضاء مجلس النواب، إلى تحمّل مسؤولياتهم". واقترحت عودة الأطراف الموقعة على اتفاق قرطاج إلى طاولة الحوار في أقرب وقت ممكن، لتدارس الوضع العام في البلاد، وللمصارحة والبحث عن حلول عاجلة للأزمة التي تعرفها تونس.

وسط هذه الأجواء المشحونة، وما رافقها من تشكيك في دعم الائتلاف الحاكم لحكومة يوسف الشاهد، خرج مسؤولو حركة النهضة للتأكيد على استمرار دعمهم للحكومة، وهو ما أكده رئيس "النهضة"، راشد الغنوشي، نفسه، خلال لقاء جمعه مع الرئيس الباجي قائد السبسي. وجددت الكتلة البرلمانية لحزب نداء تونس أيضاً دعمها لحكومة الوحدة الوطنية. ودعت، في بيان إثر اجتماع برئاسة المدير التنفيذي للحزب، حافظ قائد السبسي، إلى "الابتعاد عن محاولات خلق أزمات وهمية بين حزب حركة نداء تونس وحكومة يوسف الشاهد". وطالبت الكتلة البرلمانية كل الأحزاب المشاركة في الحكومة "بضرورة تفعيل آلية التضامن الحكومي الذي تفرضه الأرضية المشتركة لوثيقة قرطاج". وشهدت الساحة السياسية سيلاً من تبادل التهم حول الجهات التي تقف وراء الاحتجاجات، أو التي تحاول استغلالها سياسياً. واعتبر النائب وليد جلاد، أن الاحتجاجات التي تعرفها البلاد اليوم "ستؤدي إلى فوضى". وأشار إلى أن "هناك اتجاهاً لاستعمال الشباب المحتج من أجل مطالب شرعية، بغاية إما عودة دكتاتورية جديدة في تونس أو معسكر قديم بشكل آخر". وأضاف جلاد، في حوار إذاعي على "راديو شمس"، في رسالة لقواعد حزب حراك تونس الإرادة، "إذا كنتم تعتقدون أنكم ستسقطون حكومة الشاهد وتمسكون بالحكم فأنتم واهمون، ستُستعملون لعبة".

وردّ الأمين العام للحراك، عدنان منصر، في تدوينة نشرها على صفحته على "فيسبوك"، بالقول: "أما تهمة محاولة إسقاط الحكومة، فالحقيقة أننا لا نرى حكومة حتى نسعى لإسقاطها. ستسقط الحكومة بعد بضعة أسابيع على الأكثر". وأضاف "أما أن الحراك هو وراء الاحتجاجات فهذا شرف لا ندعيه، ولو كان الأمر كذلك لما خجلنا، بل لافتخرنا. هي احتجاجات نفتخر أنها تتم بمثل هذا الرقي والسلمية والوعي والقوة... ساندنا هذه التحركات ونساندها، طالما كانت سلمية ومشروعة، وهي سلمية ومشروعة، ليس في تطاوين فقط، بل في كل مكان يرفع فيه الناس قبضاتهم من أجل حقوقهم، وفي احترام كامل للأملاك العامة والخاصة". وأمام هذه الصورة المتسمة بالتوتر الشديد، ينتظر المراقبون خروج السبسي والشاهد لمصارحة التونسيين حول حقيقة الوضع، ومحاولة نزع فتيل الأزمة بالحوار أولاً مع المحتجين في كل مكان، لكن هذا يستوجب حلولاً حقيقية قد لا تكون بالضرورة موجودة بين أيدي الحكومة بفعل الوضع الاقتصادي الصعب جداً، ما يستوجب مزيداً من الصبر، لكن هذا الصبر نفد منذ مدة، وقد يكون يحتاج إلى خطاب سياسي جديد يتقاسم الأعباء والآمال في الوقت ذاته.