ترهيب انتخابي بالجزائر: أحزاب السلطة تهدد بـ"عشرية الدم"


ترهيب انتخابي بالجزائر: أحزاب السلطة تهدد بـ"عشرية الدم"


15 ابريل 2017
جزائريان أمام ملصقات انتخابية (رياض قرامدي/فرانس برس)
+ الخط -
تجتهد أحزاب السلطة في الجزائر، والموالية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في استعادة ملامح "العشرية السوداء" والفوضى الأمنية التي عاشتها البلاد في التسعينيات، واستغلالها في خطاب انتخابي يتوخى تحذير الناخبين الجزائريين من الربيع العربي وإحداث أي تغيير سياسي، يؤدي، بحسبها، إلى دخول البلاد في مغامرة سياسية. ويعتبر هذا الأمر إشارة واضحة إلى دعوة الناخبين لعدم التصويت لصالح قوى المعارضة التي تطالب بإحداث تغيير سياسي عميق في البلاد، خلال الانتخابات البرلمانية المقررة في الرابع من مايو/أيار المقبل، مع تركيز واضح على نماذج الصراعات في ليبيا وسورية واليمن لتخويف الجزائريين من تغيير التوجه الانتخابي.

وباتت مصطلحات "الفوضى والعشرية الدامية وسنوات الجمر وعدم الأمن وعشرية الدم" الأكثر تداولاً في الخطاب الانتخابي لأحزاب السلطة في الجزائر، خلال الأسبوع الأول من الحملة الدعائية للانتخابات البرلمانية. وحذر الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، الذي يحوز الغالبية في البرلمان، جمال ولد عباس، خلال تجمع في ولاية الشلف قرب العاصمة الجزائرية، من "المتربصين الذين يحاولون إيجاد فرصة لزرع فتنة الربيع العربي في الجزائر". وقال إن "هؤلاء يريدون أن ينغصوا على الجزائر الأمن والاستقرار الذي تحقق بفضل مشروع المصالحة الوطنية، وإعادة الجزائر إلى مربع العشرية السوداء". وكان ولد عباس يشير إلى فترة الأزمة الأمنية التي عرفتها الجزائر في التسعينيات، بعد تدخل الجيش لوقف المسار الانتخابي في أعقاب فوز الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية التي جرت في ديسمبر/كانون الأول 1991، والانقلاب عليهم في يناير/كانون الثاني 1992. وأدت تلك الأزمة إلى اندلاع أعمال عنف دامية، وخلفت أكثر من 120 ألف قتيل و7400 مفقود وتدمير 40 ألف منشأة إنتاجية، وتسريح نصف مليون عامل، ونزوح آلاف العائلات من الأرياف والمناطق النائية، وخسائر مالية قدرت بـ50 مليار دولار.

ملامح "العشرية السوداء" كانت أيضاً حاضرة في خطابات الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، وهو ثاني حزب تستند إليه السلطة، أحمد أويحيى. وقال، في لقاء مع ناخبين في ولاية قالمة شرقي الجزائر، إنه "يتوجب اتقاء العودة إلى الفوضى التي عاشتها البلاد في السابق. من دون الوحدة والأمن والاستقرار، يمكن أن ندخل في حرب أهلية، كما يحصل لبعض جيراننا، كما في ليبيا". وأضاف "الأمن هو المناخ الحقيقي". واعتبر أن "المصالحة الوطنية هي الإسمنت المسلح للوحدة الوطنية التي تمنع عودة سنوات الجمر". وفي السياق ذاته، حذر عمارة بن يونس، الأمين العام للحركة الشعبية الجزائرية، المعارض السابق الذي نجحت السلطة في استدراجه إلى صفها، الناخبين من عودة الجزائر إلى "عشرية الدم" والفوضى الأمنية. وركز، في خطاباته خلال الحملة الدعائية، على أن "الامتناع عن التصويت والعزوف الانتخابي قد يفتح الباب أمام العودة إلى ما عاشته الجزائر في تسعينيات القرن الماضي".

ووصف المحلل السياسي، مروان لوناس، هذا الأمر بأنه مشهد من "خطاب الإفلاس ومنطق ابتزاز الناخبين وتحذيرهم من مغبة التصويت لغير أحزاب السلطة، على أساس أن الفضل في عودة الاستقرار يعود إليها. وهذا معناه، إما نحن أو الخراب. وهو خطاب جرى توظيفه بكثافة وشراسة في انتخابات الرئاسة الأخيرة، إذ تم تخوين المعارضين والمقاطعين، رغم أن هؤلاء ليسوا أقل حرصاً على أمن واستقرار البلد من السلطة وأحزابها".
التخويف من الفوضى هو أيضاً جزء من الخطاب السياسي الذي يطرحه رئيس تجمع أمل الجزائر، المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين في الجزائر والموالي للسلطة، عمار غول، الذي ركز في خطاباته الدعائية للانتخابات على أن "الجزائر محاطة بدول غير مستقرة أمنياً، لذا يجب على كل الجزائريين التكتل لحماية البلاد. إن أمن واستقرار الجزائر خط أحمر لا يمكن تجاوزه". واتهم بعض الفضائيات التلفزيونية بمحاولة خلق الفوضى في البلاد، و"بث سمومها من الخارج، وفقاً لبعض الأجندات الأجنبية التي تريد زعزعة أمننا واستقرارنا". وحذر من انجرار الشباب وراء مزاعم وسموم هذه الفضائيات. وبرأي رئيس جبهة المستقبل، بلعيد عبد العزيز، فإن ملابسات وظروف الوضع السياسي الحالي تفرض الحذر من "سيطرة مافيا العشرية الحمراء التي كونت ثروتها على حساب الفئات الهشة من الجزائريين".


ووضع الباحث في شؤون الإعلام والخطاب السياسي، محمد بغداد، محاولة أحزاب السلطة استعادة "العشرية السوداء" والتركيز على الوضع الأمني في إطار إفلاسها السياسي. وقال، لـ"العربي الجديد"، "أعتقد أن هذه الأحزاب لا تملك في الحقيقة خطاباً آخر. فأولاً، هي تتبنى برنامج الرئيس، ومهمتها الالتزام بدعم التنفيذ. وثانياً الصدمة البترولية وتداعياتها الخطيرة على كل المستويات. وثالثاً، التخويف سلاح هام، وله تأثيره في مجتمع مثل المجتمع الجزائري الذي تؤدي فيه العاطفة دوراً كبيراً". وأشار إلى أن "ما يشجع أحزاب السلطة على استعادة هذا الخطاب المتصل بمرحلة دامية، يعود أيضاً إلى فشل المعارضة في إنتاج خطاب مخالف، وبلورة رؤية واضحة للواقع والمستقبل".

ولا تركز أحزاب السلطة في الجزائر على التحذير من عودة البلاد إلى مربع الاضطرابات الأمنية وفوضى التسعينيات فقط، لكنها تربط ذلك بطرح منجزات المصالحة الوطنية والأمن والاستقرار النسبي، الذي تزعم أحزاب السلطة، أنها تحققت في عهد بوتفليقة منذ 1999، والدعوة إلى الحفاظ على هذه المكاسب. لكن هذا في التقدير السياسي، هو بمثابة دعوة للناخبين للإبقاء على التركيبة السياسية الراهنة في البلاد، وعدم الاستماع إلى أصوات المعارضة التي تجتهد، من جانبها، في تعداد الإخفاقات الاجتماعية والاقتصادية للسلطة وترهل أحزابها السياسية. وفي هذا السياق، تطرح الأحزاب الموالية لبوتفليقة الحالة المدمرة في سورية والصراع الدائر في ليبيا والحرب الأهلية في اليمن، كوضع ناتج عن مغامرات قوى المعارضة، وتجد فيها صورة دعائية لتحذير الناخبين من التصويت لصالح المعارضة، المتهمة من قبل الأحزاب التابعة إلى السلطة بمحاولة الدفع بالجزائر إلى مثل هذه الأوضاع.

ويقدر مراقبون للخطاب السياسي في الجزائر أن لجوء أحزاب السلطة إلى إعادة استنساخ خطاب التخويف من "عشرية الدم"، هو جزء من الإفلاس السياسي لأحزاب السلطة، التي تراهن على موالاتها لبوتفليقة وعلى الإدارة المشرفة على الانتخابات لأخذ حصتها من المقاعد في البرلمان. ويعتقد الناشط السياسي، عبد الوكيل بلام أن "التخويف بغول العشرية السوداء والتلويح بالعامل الأمني ناتج عن انعدام وجود برنامج واضح لدى معسكر الموالاة أولاً، وثانياً الاقتناع الراسخ لدى دوائر النظام السياسي الجزائري بأن المواطن لم يعد يؤمن بالانتخابات كوسيلة للتغيير جرّاء التزوير، ما قد يدفعه، في حالة اليأس، إلى التفكير باللجوء إلى وسائل أخرى لفرض التغيير". وقال عبد الوكيل، في تصريح لـ "العربي الجديد"، هناك تزامن لافت بين "تزايد الأخبار الأمنية والقضاء على إرهابيين والعثور على مخابئ أسلحة، والتركيز في نشرات أخبار التلفزيون العمومي يومياً وبشكل مكثّف على الوضع الأمني في ليبيا وسورية، مقابل تجاهل نجاح التأسيس للديمقراطية في تونس، وهذا دليل على حرص هذه الدوائر على إبقاء الجزائريين ينظرون إلى ماضيهم الدموي القريب، أو حاضرهم الدموي المزعوم".