هل يخطط الرئيس التونسي لعزل النهضة؟

هل يخطط الرئيس التونسي لعزل النهضة؟

14 ابريل 2017
"النهضة" قد تكون مجبرة على البحث عن تحالفات جديدة(الأناضول)
+ الخط -
تبدو المواقف الحزبية الأخيرة في تونس، وكأنها تصوّر سباقاً محموماً للفوز بالمقعد المقابل لحركة النهضة، إذ تتنافس مكونات حزبية عديدة على تقديم نفسها للناخبين التونسيين وكأنها الوحيدة القادرة على تغيير المشهد الحالي القائم على التحالف بين "نداء تونس" و"النهضة" وأحزاب أخرى، وتغييره جذرياً وربما النجاح في إزاحة "النهضة" تماماً من المشهد والدفع بها إلى المعارضة. ويبدو أن هذا الخيار السياسي أصبح قاسماً مشتركاً للعديد من الأحزاب والجبهات، وهو إن لم ينقطع أبداً منذ انتخابات 2014، لكن الحماسة إليه ارتفعت بشكل ملحوظ في الأسابيع الأخيرة. ويعود ذلك على الأرجح إلى اقتراب موعد الانتخابات المحلية نهاية هذا العام، أو بسبب صراع التموقع الجديد وولادة مكونات سياسية جديدة، أهمها "جبهة الإنقاذ والتقدم"، والتي تضم أساساً حزبي الوطني الحر ومشروع تونس والغاضبين من نداء تونس، وحزب "تونس البدائل" الذي أسسه رئيس الحكومة الأسبق مهدي جمعة.

ولم يهدأ الصراع مع "النهضة" منذ الانتخابات الماضية، إذ اختارت الجبهة الشعبية اليسارية البقاء في المعارضة وعدم الدخول في تحالف حكومي يضم النهضة، وبقيت أشرس معارضيها على الإطلاق. ولم تمر أشهر قليلة حتى انضمت إليها قيادات بارزة فضلاً عن نواب من حزب "نداء تونس" بسبب خيار الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي التحالف مع "النهضة"، وهو ما قاد إلى حركة الانشقاق الأولى داخل الحزب وتكوين كتلة نيابية جديدة بعد ذلك، أصبحت كتلة الحزب الجديد الذي أسسه محسن مرزوق، أحد أبرز قيادات "النداء".

ومنذ اليوم الأول لتأسيس حزبه الجديد، كان مرزوق واضحاً في تبني خطاب "النداء" الأول السابق للانتخابات ضدّ "النهضة"، على الرغم من أنه كان شاهداً على ولادة التحالف عندما كان في القصر الرئاسي مع السبسي.

كما أن حليف مرزوق الجديد، رئيس الاتحاد الوطني الحر، سليم الرياحي، فاقه بأشواط في هذا المجال، عندما سَخَّر كل خطابه بمناسبة ولادة الجبهة لمهاجمة النهضة وتحميلها كل مسؤوليات الخراب في البلاد، على الرغم من أنه كان سابقاً يدعي أنه مهندس لقاء باريس بين رئيس الحركة راشد الغنوشي والسبسي، وكان من أكبر داعميهما.

وبغض النظر عمّا يسميه البعض في تونس "نفاقاً سياسياً" بامتياز، وشكلاً من أشكال الانتقال الطفوليّ في المواقف السياسية، يبدو المحرك الحقيقي لصراع الفوز بـ"مقعد ضدّ النهضة" هو ما أفرزته نتائج انتخابات 2014، أي استدعاء نفس حالة الاستقطاب بغرض تحقيق نفس النتائج.

ولكن هذا المبرر يبدو ساذجاً سياسياً، لأن انتخابات 2014 نفسها أفرزت حزباً نهضوياً قوياً، لم يكن في المرتبة الأولى، ولكنه بقي حاضراً بقوة، بما أفرزه من نتائج جعلته الحزب الثاني الذي يتحكم في خيوط اللعبة السياسية والحكومية في البلاد. كما أن الحركة الآن أكثر تنظيماً، وستكون أكثر تماسكاً إذا اجتمع ضدها الكل، بِما سيسكت أصواتها الداخلية الغاضبة ويزيد في لحمتها.

ولم يكن تعليق رئيس مجلس شورى الحركة، عبد الكريم الهاروني، بمعزل عن هذه القراءة، حين أكد في تصريح صحافي، أخيراً، أن "النهضة حركة ديمقراطية ولها مؤسسات ناقشت حكومة الوحدة الوطنية داخلها، ولذلك بقيت موحدة وقوية، وهي القوة السياسية الأولى في تونس والكتلة الأولى في البرلمان".

وعلّق الهاروني على المواقف الأخيرة التي هاجمت "النهضة" بالقول إن "الذين فشلوا في أن يديروا أزمة حزب كيف لهم أن ينقذوا أزمة تونس، ومن حقهم أن يكوّنوا جبهة ومن حقهم أن يعارضوا لكن نقول لهم أين برامجكم غير التصريحات المسيئة للنهضة؟".

وبعدما تكثفت الخطابات المستهدفة للنهضة في الأسابيع الأخيرة بشكل ملحوظ، أصدرت الحركة بياناً مطولاً قالت فيه إن بعض الأطراف تعمل على "استعادة خطاب الاستقطاب والعودة بالأجواء في بلادنا إلى ما قبل انتخابات 2014، وما صاحبها من دعوات لتقسيم التونسيين ومن استعداء صارخ لحركة النهضة ومحاولة شيطنة قياداتها وخياراتها إلى حد الافتراء عليها وتلفيق التهم والتخويف منها، ولم ينقذ بلادنا من مخاطر وويلات هذا الخطاب إلا خيار الحوار الوطني أولا ثم سياسة التوافق بين الحزبين الأكبرين النهضة والنداء ثانياً".

وقال البيان إن النهضة "لن تضع نفسها وإمكاناتها إلا في ساحة العمل والفعل من أجل تحقيق مصلحة تونس وتحسين مستوى عيش التونسيين، وأنها حريصة في ذلك على التعاون مع كل من يقف معها على هذه الأرضية، بعيداً عن خطابات الشحن والتقسيم وعن محاولات البعض في استدعاء مقاربة بائسة جرّبها النظام البائد لأكثر من عقدين تقوم على التعامل مع طرف سياسي في حجم حركة النهضة باعتباره حالة أمنية، فقامت ثورة الحرية والكرامة وأبانت للتونسيين حقيقة حركة النهضة باعتبارها طرفاً سياسياً وازناً ومهمّاً يجتهد من أجل تحقيق استحقاقات الثورة وبناء الجمهورية الثانية".

واعتبر القيادي البارز في الحركة، النائب عبد اللطيف المكي، أن هذا البيان جاء استجابة لقواعد وأنصار الحركة من أجل الرد الحاسم. ولفت إلى أن قيادة الحركة كانت تحبذ التجاهل والسكوت. وأضاف في تصريح اذاعي، أن هذا الخطاب المعادي للحركة كان "موقف بن علي ضد حركة النهضة والمعارضات الجادة، لأن بن علي في 1991 أغرى العديد من الأطراف السياسية وقال لهم نتفق ضد النهضة لأنها ضد الديمقراطية والتطور والتقدم ونقيم ديمقراطية بيننا وإثر ذلك لحقوا بنا في السجن".

غير أن الاحتمال الذي قد يتداوله النهضويون سراً هو أن تجد الحركة نفسها وحيدة في الامتحانات المقبلة، فتحالفها مع "نداء تونس" قائم على مصلحة مرحلية مؤقتة فرضها سياق الانتخابات الماضية وظروف البلاد، والحليف الحالي "نداء تونس" ليس متشبثاً كثيراً بهذا "الزواج القسري" إذا وجد بديلاً عنه. وربما يكون بصدد البحث عنه فعلاً.

وكشف تصريح وافد جديد على الحزب، هو أحد الشخصيات الدينية المعروفة في تونس، فريد الباجي، رغبة "النداء" في التخلص من حليفه، عندما أكد قبل أيام خلال اجتماع المجلس الجهوي الموسع للحركة في القيروان أن "رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي تعهد له حرفياً بإزاحة النهضة من تونس". ونبه فريد الباجي إلى أن "إزاحة النهضة من البلاد لن تكون بالطريقة العسكرية مثلما جرى في مصر بل بسياسة (الحبيب) بورقيبة المعروفة، أي عبر مراحل". وقال الباجي إن السبسي شبّه ما سيحدث للنهضة "بإزالة الخاتم من إصبعه"، مؤكداً "أن رئيس الجمهورية يريد ذوبان النهضة من تونس نهائياً"، بحسب قوله.

وعلى الرغم من أن هذا الخطاب لا يعكس موقف الحزب ككل، لأن بعض قياداته المهمة تؤمن فعلاً بضرورة استمرار التحالف مع النهضة لأسباب كثيرة، فإنه يوجه رسائل مهمة لـ"النهضة" التي قد تكون مجبرة على البحث عن تحالفات جديدة حتى لا تجد نفسها في عزلة كاملة في المشهد السياسي الجديد. وهو أمر قد يتغيّر قبيل الانتخابات الرئاسية تحديداً، إذا قررت الحركة دعم مرشح من خارجها، ما يعني أن طابور المتقربين منها سيكون أطول من انتخابات 2014، وسيكشف حقيقة أعدائها من أصدقائها.

ولكن بالنظر إلى المواقف الحالية، فإن خيارات النهضة ليست كثيرة وربما تدفعها هذه المواقف الجامعة على منافستها وقواعدها، وبعض قياداتها، إلى التفكير في تجديد صداقات قديمة سقطت في الطريق.

 

المساهمون