الحرب اليمنية تنذر بنقل الصراع إلى مربع الطائفية

الحرب اليمنية تنذر بنقل الصراع إلى مربع الطائفية

12 ابريل 2017
مسلح حوثي بصنعاء في يناير الماضي (محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -

شهدت الحرب اليمنية العديد من التطورات البعيدة عن الجوانب السياسية والعسكرية، لتعلن عن ميلاد الصراع المذهبي، الذي بات يهدد التعايش المعروف بين مختلف المذاهب في المجتمع اليمني. وبدأت حرب الشعارات المذهبية في اليمن بالتسلل إلى معسكرات الجيش، ما يمثل بادرة خطيرة، من شأنها القضاء على حلم اليمنيين في بناء جيش وطني. فبعد أن تحوّل الجيش العائلي، الذي بناه الرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، إلى وسيلة لخدمة جماعة الحوثيين وأهدافها والدفاع عنها في انقلابها الذي نفّذته ضد الدولة، وبعد أن بات هذا الجيش يردد صرخة الحوثيين كشعار رسمي له، بعد أن فرضته الجماعة في المدارس والمساجد، في المناطق التي تسيطر عليها، بدأت الشعارات المذهبية المناهضة بالتسلل نحو معسكرات الجيش الوليد الموالي للشرعية، ما يثير مخاوف من تحوّل الصراع السياسي إلى صراع مذهبي، داخل مجتمع اشتهر بالتعايش لقرون طويلة.

الصحافي والمحلل السياسي، فخر العزب، يرى، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "ضعف أداء الأحزاب السياسية المدنية، ونكوصها عن القيام بدورها في العمل المدني، أضعف دور الحراك السياسي في توجيه بوصلة الأحداث، كما أنه ترك الساحة مفتوحة أمام الجماعات والأحزاب الدينية والمذهبية لتقوم بتحوير الصراع، وتحويله من صراع سياسي على السلطة إلى صراع مذهبي، وهو نفس السلوك الذي سلكه الانقلابيون. وتجلّى ذلك حين قام أحد قادة الأحزاب الدينية، التي تقف في صف الشرعية، بوصف الطرف الآخر بأوصاف مذهبية. ولعل هذا الخطاب هو أكبر ما يهدد مستقبل اليمن. وإذا استمر، فإنه سيقود البلاد إلى جولات صراع جديدة لا تنتهي، لأن المجتمع اليمني مجتمع متديّن بطبعه، وأي خطاب ديني سيكون من شأنه جر البلاد إلى المستنقع المذهبي الذي سيقضي على الهوية الوطنية الجامعة لصالح الهويات الدينية والمذهبية".

ومنذ نشأتها في العام 1992، تحت مسمى "حركة الشباب المؤمن"، فقد عملت جماعة الحوثي على نشر مذهبها، من خلال تصدير أفكاره وشعاراته، ومنها شعار الصرخة "الله أكبر، الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام". وبدأ ترديد الصرخة في اليمن، في 17 يناير/كانون الثاني 2002، خلال محاضرة لحسين بدر الدين الحوثي، في مدرسة الهادي في منطقة مران، بعنوان "الصرخة في وجه المستكبرين". وكانت هذه الصرخة السبب في اندلاع الحرب الأولى بين الدولة والحوثيين في العام 2004، بعد أن تم ترديدها في الجامع الكبير في صنعاء القديمة.

وبعد انقلاب الحوثي وصالح على الدولة، تم فرض شعار الصرخة، ليتم ترديده في المعسكرات والمدارس، وكذلك خلال خطبة الجمعة في المساجد. وبعد انطلاق الحرب في اليمن، التي شنتها قوات التحالف العربي المساندة لشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، ظهر لاعبون جدد على الساحة السياسية في اليمن، مثل الجماعات السلفية، التي تعتبر أن حربها ضد الانقلابيين هي حرب دينية، وهذا ما جعل هذه الجماعات تقاتل في صف شرعية هادي، جنباً إلى جنب مع بقية القوى والمكونات السياسية والاجتماعية الرافضة للانقلاب، لكن الجماعات الدينية كانت الأوفر حظاً في الحصول على الدعم الخارجي الذي جعلها تتصدر الموقف. وخلال تنفيذ الحكومة الشرعية خطوات دمج المقاومة في الجيش، انضمت معظم هذه الحركات الدينية إلى صفوف الجيش، ونالت النصيب الأبرز من الحصص، ومنها حزب التجمع اليمني للإصلاح، ذو التوجه الإسلامي. ومع سيطرة الأحزاب والحركات الدينية على معظم معسكرات جيش الشرعية، عاودت الشعارات المذهبية الظهور، لكن هذه المرة من داخل معسكرات الحكومة الشرعية.

عز الدين محمد، أحد الجنود الذين انضموا أخيراً إلى صفوف جيش الشرعية في محافظة تعز، يقول، لـ"العربي الجديد"، إنه "خلال التدريبات في المعسكر التدريبي الذي انضممنا إليه بعد مشاركتنا بالقتال في صفوف المقاومة، لاحظنا في المعسكر أنهم يأتون لنا بمحاضرين متخصصين في التربية العقائدية، قال بعضهم لنا إننا سنواجه الروافض في كل مكان"، مضيفاً: "نستغرب أننا لم نسمع خطاباً وطنياً يتحدث عن الوطن والدولة المدنية والحوار الوطني، ولا عن الشرعية التي نقاتل في صفوفها".

ويؤكد الباحث الاجتماعي، حمود العودي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المشاريع الدينية والطائفية فشلت في أزمان سابقة، فكيف لها أن تنجح في زمن الحداثة والتطور والتكنولوجيا؟"، مضيفاً: "لن تنجح الطائفية اليوم بمشروعها المتخلف المتناقض مع المذهب الزيدي نفسه، ومحاولة فرض المشروع الفارسي في اليمن، فهذا المشروع ليس له مستقبل، وكذلك المشاريع الأخرى المتطرفة التي لا تقل سوءاً عنهم، وهي القاعدة والدواعش والإسلام السياسي". ويعتبر العودي أن اليمنيين تجاوزوا شعار "الحق الإلهي بالحكم" لفئة أو طائفة معينة، لكن هناك انتكاسات وتراجعات اليوم، إذ تحاول أطراف الصراع استرجاع الشعارات الطائفية، التي كانت دُفنت وهمشت، وذلك من أجل تعزيز صراعاتها السياسية، في محاولة لتجاوز الأدوات الحديثة التي تحكم العصر، مثل الديمقراطية والدولة المدنية الحديثة". ويضيف: "هذه المحاولات الطائفية تجتهد للدفع بالصراع في اليمن إلى مربع ما يحصل في العراق وسورية وليبيا. ورغم أن الصراع لا يتجزأ في الوطن العربي، لكن النفَس الطائفي أقل حدة في اليمن، بل يمكن القول إنه لا يوجد صراع طائفي، وإنما صراع أيديولوجي سياسي بامتياز"، لافتاً إلى أن "محاولة إحياء الطائفية تأتي من قبل القشرة الدينية الهشة المفتعلة والمزيفة ضعيفة، ولا أظن أنها ستطول".


ويشدد العودي على أن "فوضى التطرف الطائفي والديني قد تؤثر على البسطاء، الذين باتوا يبحثون عن لقمة العيش. ومع ذلك، تجد، من بين 30 مليون يمني، قلة يمكن أن تستجيب لهذه المشاريع الدينية التخريبية، التي تحاول تمزيق المجتمع". ويوضح أنه رغم محاولات استدعاء النفَس الطائفي، إلا أنه غير متشائم، لأنه يدرك صحة ضمير الشعب اليمني، كما أن "التكوين النفسي والاجتماعي لليمني تجعله لا يستسلم للغلو الديني والطائفي"، معتبراً أن "الذي يجري اليوم فتنة ومحاولة لتدمير اليمن وتمزيق المجتمع. ومهما حصل من تدمير وتجويع وقتل لليمنيين، فإن أي طرف سياسي لا يستطيع، سواء باسم حق إلهي مقدس من السماء أو حق وراثي من الأرض، أن يحكم ويحسم الصراع القائم لصالحه، والتجارب التاريخية تثبت ذلك".

المساهمون