أرباب العمل الفرنسيون يختارون مرشحيهم في الانتخابات الرئاسية

أرباب العمل الفرنسيون يختارون مرشحيهم في الانتخابات الرئاسية

10 ابريل 2017
أداء المرشحين ما زال متقارباً (فرانس برس)
+ الخط -

 

يقترب موعد الاستحقاق الانتخابي ويصبح معه كلّ دعم لهذا المرشح وذاك مُرحَّباً به بقوة، خصوصا وأن أداء أربعة مرشحين (لوبان، ماكرون، ميلانشون وفيون) يظل متقاربا، ولا يتحرك كثيرا.

وإذا كان اليسار ممثلا في جان- لوك ميلانشون يحقّق نتائج غير متوقعة، ويصل وفق آخر استطلاع للرأي، إلى المرتبة الثالثة، متجاوزا مرشح اليمين والوسط، فرانسوا فيون، وفي ظل إصرار المرشح اليساري الآخر، بونوا هامون، على المضيّ في ترشحه حتى النهاية، فإن الدعم الذي يمكن أن يحصل عليه كلا المرشحين من بعض النقابات العمالية، حتى لا نتحدث عن كل النقابات، يمكن أن يجد نفسه موزَّعا بين المرشحين، ولن يكون له تأثير كبير وحاسمٌ.

يضاف إلى ذلك خشية إحدى كبريات النقابات العمالية، "سي جي تي"، من الإعلان عن مرشحها المفضل، بسبب تصويتها في انتخابات 2012 لصالح المرشح الاشتراكي، فرانسوا هولاند،  ثم دخولها على الفور في حرب معه طيلة ولايته الرئاسية، انتهت بقطيعة كاملة، بسبب فرض قانون الشغل الجديد.

وتجدر الإشارة إلى أن الموالاة ثم الصراع، جلبا لها تراجعاً كبيراً في تمثيلية الطبقة العاملة الفرنسية. فقد حلّت ثانيةً في آخر انتخابات عمالية، في تمثيلية العمال في القطاع الخاص، خلف نقابة "سي إف دي تي"، الأكثر إصلاحية وقابلية لعقد صفقات مع الحكومة ومع أرباب العمل، وقد ثبت ذلك جليا في موافقتها على قانون الشغل الجديد المثير للجدل، رغم اعتراض معظم النقابات العمالية وقطاع عريض من الرأي العام الفرنسي.       

ومن بين المواقف السياسية القليلة الذي عبّرت عنها نقابة "سي جي تي"، التي لا تزال الأقوى في قطاع الوظيفة العمومية، رفضها لأفكار اليمين المتطرف وتصميمها على محاربتها، وهنا يقول الأمين العام للنقابة، فيليب مارتينيز، إن "التصويت ضد مرشح ما لا يعني بالضرورة، تصويتا لفائدة الآخَر"، إضافة إلى تصميمها على العمل على إلغاء قانون الشغل الجديد، وهو ما يعني نوعا من التوافُق مع المرشحَيْن اليساريَين الكبيرين، ميلانشون وهامون، اللذين وَعَدا في حال فوزهما بإلغاء هذا القانون.

وهذا ما يعني أنه لن يَصدُر من المركزية النقابية، في الدورة الأولى من الانتخابات، أيّ موقف ينادي بالتصويت لفائدة هذا المرشح أو ذاك، عدا التصويت ضد مارين لوبان، ويظل بالتالي متروكا لكل مناضل نقابي أن يصوّت وفق قناعاته. وهذا ما فهمه جان- لوك ميلانشون، الذي حظي في الدورة الأولى من انتخابات 2012 بدعم غير مسبوق من "سي جي تي"، بأن طالب بألاَّ تظهَرَ في تجمعاته الانتخابية سوى الأعلام الوطنية الفرنسية، وهذا ما يعني وفق تفسيره، أنه يخاطب الشعب كله وبشكل مباشر، متجاوزاً كلّ الأجهزة الحزبية والنقابية.

كما بات في حكم المؤكد أن نقابة "سي إف دي تي"، التي رأت دورها يتعاظَم في الانتخابات العمالية الأخيرة، لن تصوّت لأي مرشح يريد التراجع عن قانون الشغل الجديد، وهو إعلان مُوجَّه لميلانشون وهامون.

ولن تكون هذه النقابة الإصلاحية، التي غالبا ما احتفظت بعلاقات هادئة مع كل الحكومات المتعاقبة، وحدها من يوزع النقاط الحسنة على المرشحين الذين تعهدوا بالدفاع عن قانون الشغل الجديد، أي مرشح اليمين والوسط، فيون ومرشح "ماضون قدما"، إيمانويل ماكرون. فأرباب العمل الفرنسيون لم يخفوا ذلك. وهو ما دأب عليه بيير غاتاز، رئيس أرباب العمل، منذ أشهر، في كيل المديح للمرشحَين فرانسوا فيون وإيمانويل ماكرون ولبرنامجيهما الاقتصادي، وإن كان من حين لآخر يحابي أحدهما على الآخر. 

وفي آخر تصريحاته ، أمس الأحد، 9 أبريل/ نيسان، أعلن صراحة أن "التصويت لفائدة ميلانشون ولوبان وهامون، هو إفلاس ويأس وخراب". وإذا كان يعتبر برنامج مارين لوبان بأنه "تدمير للاقتصاد الفرنسي"، فهو يسخر من مقترح هامون عن "الراتب العام لكل الفرنسيين"، ويقول: "إن شباب الضواحي الذين ألتقي بهم يسخرون ويقولون: لسنا في حاجة إلى راتب عام، بل نريد أن نصبح مُقاولين"، وفي التصريح، انحياز أكبر للمرشح فيون، الذي يَعد "بتوفير الشغل للجميع وبأن تصبح فرنسا القوة الاقتصادية الأولى في أوروبا"، ويعترف بأن برنامج ماكرون "يسير في الاتجاه الصحيح"، فهو "يريد أن تهبط معدلات البطالة إلى 7 في المائة سنة 2022. وهو شيء جيد، في حد ذاته. لولا أنه لا يريد السير بالإصلاحات إلى نهايتها".

هذه التصريحات والمواقف الداعمة لهذا المرشح أو ذاك، ضرورة حاسمة لأسباب عديدة، منها أن الفرق بين المرشحين القادرين على الفوز، لا يزال ضئيلا ومتحركا. وهذا ما يجعل مارين لوبان وإيمانويل ماكرون قلقين على وضعيتهما، في حين أنه يمنح بعض الأمل لفرانسوا فيون وجان- لوك ميلانشون. وهذا الدعم مُهمّ، أيضا، لأنّ نسبة مهمة من الناخبين الفرنسيين (ما بين الرُبع عند بعض المرشحين والنصف عند بعضهم الآخَر) لم تَحسم أمرَها بعدُ. فإذا عدنا إلى آخر استطلاع للرأي، ونشر اليوم الإثنين 10 أبريل/ نيسان، فسوف نجد أن 24 في المائة من ناخبي مارين لوبان يعترفون بأنهم غير واثقين لمن يمنحون أصواتهم، و25 في المائة من ناخبي اليمين والوسط ليسوا متأكدين بعد إن كانوا سيصوتون لفائدة فرانسوا فيون، وتصل الأمور إلى مستويات مقلقة عند إيمانويل ماكرون، حيث إن 45 في المائة من الذين يفترض أن يصوتوا لفائدته، لا يزالون مترددين، والتردد أيضا يلاحق نحو 39 في المائة من أنصار جان لوك ميلانشون، ثم يصل التردد إلى الأوج لدى ناخبي اليسار الاشتراكي، حيث لا يزال بونوا هامون غيرَ متأكد من حصد أصوات نحو 52 في المائة من ناخبيه.

كل شيء ممكن، إذن، في ظل انتخابات يتابعها 80 في المائة من الفرنسيين، 42 في المائة منهم بشوق جارف، ولا تخلو من مفاجآت، ولو أن الوقت بدأ يضيق.