"حرب" ترامب على المهاجرين بمرسوم الحظر: مقارنات وملاحظات

"حرب" ترامب على المهاجرين بمرسوم الحظر: مقارنات وملاحظات

08 مارس 2017
أميركيون يتظاهرون ضد ترامب في كاليفورنيا (ساندي هوفاكر/فرانس برس)
+ الخط -


أعاد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، نقاش حظر دخول مواطني دول إسلامية إلى الولايات المتحدة إلى الواجهة من جديد، بعد توقيعه نسخة أخرى من قرار "حماية الأمة من دخول الإرهابيين الأجانب إلى الولايات المتحدة"، بعد النسخة الأولى التي وقُعت في 27 يناير/كانون الثاني الماضي، وأوقف قاض فيدرالي العمل بها.

ويستثني القرار التنفيذي الجديد العراق من قرار الحظر، بينما يمنع دخول مواطني ست دول إسلامية إلى الولايات المتحدة، وهي إيران وسورية والسودان وليبيا واليمن والصومال، ممن لم تصدر لهم تأشيرات دخول قبل 27 يناير/كانون الثاني. وجدد الديمقراطيون رفضهم القرار، في الوقت الذي وصف فيه السناتور، بيرني ساندرز، القرار بـ"العنصري والمعادي للإسلام". ووصفه زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، بـ"غير العادل والمنافي للمبادئ الأميركية". ويختلف القرار الجديد عن القرار الأول الذي جمدت محكمة فيدرالية تنفيذه في عدة نقاط، في الوقت الذي يضع استثناء العراق من قرار الحظر الكثير من علامات الاستفهام حول دوافع القرار، الذي تؤكد الإدارة الأميركية أنه لحماية الأميركيين من الإرهاب.

تعديلات هامة لا تمس جوهر القرار

ويمكن اعتبار استثناء العراق أبرز التعديلات على القرار التنفيذي الجديد، إلا أن تغييرات أخرى هامة أُجريت عليه، بعضها لتجنب إشكاليات قانونية، أو إبعاد الشبهة حول اعتبار القرار "حظراً للمسلمين"، وأخرى لضمان تطبيق القرار بفاعلية وتجنب الفوضى التي رافقت القانون الأول. فهذا القانون يلغي إعطاء أولوية للأقليات الدينية في قبول طلبات الهجرة إلى الولايات المتحدة، في الوقت الذي كان فيه القرار الأول ينص على منح "الأقليات المضطهدة" أولوية في قبول طلبات الهجرة من الدول السبع ذات الغالبية المسلمة. وكان القرار التنفيذي الأول المجمد يسير باتجاه تصريحات ترامب حول "الإرهاب الإسلامي" و"حظر دخول المسلمين"، عندما أكد أنه يرغب في "إتاحة المجال للاجئين المسيحيين لدخول الولايات المتحدة"، مؤكداً أن قوانين الهجرة السابقة لا تفعل ذلك. ويأتي إلغاء النص على أولوية قبول المنتمين إلى أقليات، ليبعد الشبهة عن اعتبار أن القرار يستهدف المسلمين فقط، مما يرفع حظوظ تطبيق القرار من دون اعتراض المحاكم الأميركية، التي أخذت بعين الاعتبار في تجميدها القرار الأول تصريحات ترامب حول "حظر دخول المسلمين" والتي نادى بها في أثناء حملته الانتخابية. وينص القرار الثاني صراحة على إعفاء من يملكون إقامات دائمة (غرين كارد)، أو تأشيرات دخول سارية المفعول صادرة قبل 27 يناير من قرار الحظر، إضافة إلى إعفاء من صدرت قرارات قبول هجرتهم إلى الولايات المتحدة، أو مزدوجي الجنسية ممن يملكون جوازات سفر لدول يسمح لحامليها بدخول الولايات المتحدة.

ويحاول القرار الجديد أن يتجنب الفوضى في تنفيذه، من خلال إتاحة مهلة عشرة أيام، إذ إنه من المفترض أن يطبق القرار في 16 مارس/آذار الحالي، بينما تم تطبيق القرار التنفيذي الأول بصورة فورية، ما أدى إلى فوضى عارمة في المطارات الأميركية، إضافة إلى احتجاجات واسعة توازياً مع منع مواطني الدول المحظورة من دخول الأراضي الأميركية، حتى صدر قرار التجميد من المحكمة الفيدرالية في سياتل في 4 فبراير/شباط الماضي، بعد نحو أسبوع من توقيعه. ومن التغييرات التي أجريت على القرار الجديد، أنه يحظر دخول اللاجئين بصورة عامة الولايات المتحدة، من دون تحديد دول بعينها، في الوقت الذي يحدد حظر دخول المواطنين من الدول الإسلامية الست لمدة 90 يوماً، فيما كان القرار السابق ينص على منع دخول اللاجئين السوريين إلى أجل غير مسمى، ما يعني أن حظر دخول اللاجئين السوريين ما زال قائماً، لكن ضمن حظر دخول لجميع اللاجئين، من دون النص عليهم. وكان المدعي العام ووزير العدل، جيف سيشنز، قد أكد الإثنين الماضي أن الولايات المتحدة ليست في صدد الدخول في تسويات في ما يتعلق بأمنها "من خلال السماح للزوار بدخولها في الوقت الذي لا تستطيع فيه حكوماتهم، أو لا تريد، تزويدنا بالمعلومات التي نحتاجها، أو تلك الحكومات التي تدعم الإرهاب بصورة نشطة". ويمكن اعتبار وجود سيشنز، المعين حديثاً في منصب المدعي العام، نقطة أخرى لصالح ترامب في السجال المرتقب مع المحاكم للدفاع عن القرار التنفيذي الجديد. وكان ترامب قد أقال، في 31 يناير/كانون الثاني الماضي، وزيرة العدل بالوكالة سالي يايتس، بعد إعلان رفضها الدفاع عن القرار التنفيذي الأول الذي أصدره ترامب باعتباره "غير مقنع"، كما أمرت المدعين العامين في الولايات المتحدة بعدم تنفيذ القرار.

العراق ... الاستثناء ينسف "حجة الإرهاب"

ويؤكد ترامب أن الغاية الأساسية من قرار الحظر حماية أمن المواطنين الأميركيين. وتم تقسيم الدول التي يحظر دخول أفرادها إلى دول راعية للإرهاب (إيران وسورية والسودان)، ودول تمثل مأوى لإرهابيين (الصومال)، أو دول تدور بها نزاعات عسكرية وتمثل تهديداً أمنياً كبيراً (اليمن وليبيا). لكن استثناء العراق من القرار يطرح الكثير من الأسئلة حول الدوافع الرئيسية لإقراره. وجاء استثناء العراق من القرار الجديد، بتوصية من وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، ووزير الدفاع، جيمس ماتيس، ومستشار الأمن القومي، هربرت ماكماستر. وكان تيلرسون قد أكد أن قرار إزالة العراق من قرار الحظر جاء بعد تواصل وزارة الخارجية مع الحكومة العراقية، التي تتعاون مع الولايات المتحدة في "التدقيق" بمواطنيها الراغبين في السفر إلى أميركا. كما أضافت مصادر أميركية أن عدم إدراج العراق في الحظر يأتي نتيجة لتعاون الحكومة العراقية مع الأميركيين في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، في عمليات التحالف الدول ضد التنظيم، والذي تقوده الولايات المتحدة منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2014.

لكن استثناء العراق يعزز حجة من يعتبر أن القرار التنفيذي لا يستهدف مواجهة الإرهاب، وإنما الحد من هجرة ودخول المسلمين إلى الولايات المتحدة. فالعراق تنطبق عليه كل الحجج الثلاث التي يذكرها القرار التنفيذي للحظر، فهو "منطقة نزاع مسلح" و"مأوى لإرهابيين" إضافة إلى ضعف الدولة وسيطرة مليشيات "الحشد الشعبي" عليها، الأمر الذي يشير القرار إليه بصورة غير مباشرة، إذ ينص على أن إيران "تدعم مجموعات إرهابية في العراق"، في إشارة إلى "الحشد الشعبي" الذي تتعاون الولايات المتحدة الأميركية معه لمحاربة "داعش" الذي يتحدر الآلاف من مقاتليه، من العراق نفسه. ويرى مراقبون أن السبب الحقيقي لاستثناء العراق من قرار الحظر، هو العدد الكبير من العراقيين المتعاونين مع الاحتلال الأميركي، والذي ما زال الآلاف منهم في العراق، وسط تهديدات تمس حياتهم وعائلاتهم. ويقدر عدد هؤلاء بقرابة 3500 عراقي، ينتظرون إنهاء إجراءات اللجوء إلى الولايات المتحدة. وكانت وزارة الدفاع الأميركية قد أكدت مراراً أهمية حماية المتعاونين مع الجيش الأميركي.

وترتفع الأصوات المعارضة للقرار باعتباره موجها ضد المسلمين، لا لحماية الولايات المتحدة من الإرهابيين. وكان الرئيس الأميركي قد أكد، في مقابلة مع قناة "سي إن إن" في أثناء حملته الانتخابية في مارس/آذار 2016، أن "الإسلام يكرهنا". كما يُعرف عن كبير استراتيجيي البيت الأبيض، ستيف بانون، كراهيته للمهاجرين بصورة عامة، وغير المسيحيين بصورة خاصة. كما أنه تحدث مراراً، في برنامج إذاعي يديره قبل التحاقه بحملة ترامب الانتخابية، عن أهمية الحد من الهجرة إلى أميركا، واستهداف الآسيويين في "سيليكون فالي". وأكد موقع "ذا ناشيونال" أمس أن هدف بانون هو "جعل أميركا بيضاء، ومسيحية مرة أخرى"، في سجال مع شعار ترامب "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى". وما يعزز شبهة أن المستهدف هو الهجرة من الدول الإسلامية، لا مواجهة الإرهاب، أن الدول التي تم حظرها هي الدول التي ينزع مواطنوها إلى الهجرة واللجوء بسبب الحروب، أو الحكومات المتطرفة، فيما كانت غالبية العمليات الإرهابية، التي استهدفت الولايات المتحدة أخيراً، من تنفيذ مواطنين أميركيين.