معاملات أول "طلاق" أوروبي تبدأ اليوم

معاملات أول "طلاق" أوروبي تبدأ اليوم

29 مارس 2017
ستسلّم الرسالة التي وقّعتها ماي إلى بروكسل (كريستوفر فرلونغ/Getty)
+ الخط -

من المفترض أن يقدّم الممثل الدائم لبريطانيا لدى الاتحاد الأوروبي تيموثي بارو، اليوم الأربعاء، مظروفاً إلى رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك، يحمل ربما، الرسالة الأكثر فرادة وأهمية في التاريخ الحديث للاتحاد الأوروبي: وثيقة من رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، تعلن فيها تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة، التي تعني رسمياً طلب لندن مغادرة الاتحاد. رسالة تعلن عملياً الطلاق بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بعد أكثر من 40 سنة من الزواج.

ووقّعت ماي الرسالة الرسمية التي ستسلمها لندن إلى بروكسل، اليوم الأربعاء، لإطلاق مفاوضات "بريكست"، كما أظهرت صورة وزّعها داونينغ ستريت، مساء الثلاثاء.

وفي الصورة الرسمية التي نشرتها رئاسة الوزراء، في الساعة 21.00 بتوقيت غرينتش، تظهر ماي وهي توقّع رسالة تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة، والتي سيتم تسليمها، عصر الأربعاء، إلى توسك في بروكسل.

وتبدو رئيسة الوزراء في الصورة، وهي جالسة أمام طاولة وقّعت عليها الوثيقة، وبدت خلفها مدفأة تعلوها صورة لرئيس الوزراء الأسبق روبرت والبول.

وأرفق "داونينغ ستريت" هذه الصورة، بمقتطفات من الخطاب الذي ستلقيه رئيسة الوزراء أمام البرلمان، ظهر اليوم الأربعاء، عندما ستعلن تفعيل "بريكست" رسمياً.

وستقول ماي بحسب هذه المقتطفات، والتي أوردتها "فرانس برس"، "عندما سأجلس إلى مائدة المفاوضات خلال الأشهر المقبلة، سأمثّل كل الناس في المملكة المتحدة، الشباب والعجزة، الأغنياء والفقراء... وأجل، المواطنين الأوروبيين الذين اتخذوا من هذا البلد منزلاً لهم".

وستضيف "إزاء الفرص التي ستتاح أمامنا خلال هذه الرحلة التي ستدخل الذاكرة، يمكن لا بل يجب على قيمنا المشتركة ومصالحنا وطموحاتنا أن تجمعنا"، مؤكدة أنّها تريد أن تكون بريطانيا بلداً "آمناً لأطفالنا وأحفادنا". وستقول أيضاً "نريد جميعاً أن نعيش في بريطانيا تكون عالمية حقاً وتخرج وتبني علاقات مع أصدقائها القدامى، وحلفائها الجدد حول العالم".

وبهذا التوقيع، تكون بريطانيا قد أطلقت رسمياً، مفاوضات يتوقع أن تستمر عامين لإنهاء عضويتها المستمرة منذ 44 عاماً في الاتحاد الأوروبي.

وبعد حوالي تسعة أشهر من تصويت البريطانيين على الخروج من الاتحاد الأوروبي، وبعد مجموعة من التوترات بين لندن وبروكسل، كانت رئيسة الوزراء البريطانية قد أعلنت في العشرين من هذا الشهر، أنها ستُفعّل المادة 50 من معاهدة لشبونة للبدء في إجراءات الانفصال.

قرار جاء بعد أن كانت لندن تعامل في الآونة الأخيرة، من قبل الدول الأعضاء كما المؤسسات الأوروبية، عملياً، كدولة غير عضو في الاتحاد الأوروبي. وعُقدت مجموعة من الاجتماعات والقمم من دون حضور بريطانيا. غير أنّ التوصّل إلى اتفاق بشأن عملية الخروج المعقدة يحتاج إلى تضافر جهود الجانبين وتقديم تنازلات.

في هذا السياق، غرّد رئيس الوزراء البلجيكي، شارل ميشال، على موقع "تويتر"، قائلاً: "الجميع لديهم مصلحة في الوضوح، أخيراً ستبدأ مفاوضات الانفصال"، كتلخيص للشعور السائد في الاتحاد الأوروبي. وقد كرر رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك، ما سبق أن قاله في قمة الاتحاد الأوروبي التي انعقدت في 9 و10 مارس/آذار الحالي أنه "في غضون 48 ساعة من تفعيل بريطانيا للمادة 50 سأقدم مشروعاً يضم المبادئ التوجيهية للانفصال للدول الأعضاء الـ27 في الاتحاد الأوروبي".

وفي المجلس الأوروبي، تمّ اختيار الدبلوماسي البلجيكي، ديديه سيووس، المدير السابق لمكتب هيرمان فان رومبوي، عندما كان رئيساً للمجلس الأوروبي، لضمان وحدة مواقف الدول الـ27 في مواجهة لندن. أما المفاوضات فسيتابعها الفرنسي ميشال بارنييه، المفوض الأوروبي السابق للشؤون المالية، بصفته منصب كبير المفاوضين. أما النائب الأوروبي البلجيكي عن كتلة الليبراليين، غي فيرهوفشتات، فسيكون كبير المفاوضين لتمثيل البرلمان الأوروبي الذي يريد المشاركة بشكل كامل في المفاوضات، التي ستخضع لموافقته عبر التصويت.

ولا يبدو أن الطلاق بين لندن وبروكسل سيكون سهلاً تحديداً في شقه المالي، فقرار بريطانيا مغادرة الاتحاد الأوروبي سيقود البلد إلى فقدان 58 مليار يورو، كما كشف رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، في مقابلة صحافية الأسبوع الماضي. وشدد على أنه "على الرغم من أن المسؤولين الأوروبيين لا يرغبون في معاقبة البريطانيين لاتخاذهم هذا القرار، فإنه يتعيّن على الاتحاد الأوروبي منع دول أخرى من أن تحذو حذوهم".
وكان بارنييه، قد أعلن قبل أسبوع تقريباً أن "على بريطانيا دفع مستحقاتها للاتحاد الأوروبي قبل بدء أي مفاوضات مع بروكسل حول الاتفاق التجاري ووضع بريطانيا بعد البريكست". وشدّد على أنه "عندما يغادر بلد الاتحاد الأوروبي لا يوجد عقاب ولا ثمن يتوجب دفعه، إلا أنه لا بد من تسديد الحسابات"، من دون ذكر قيمة الحسابات.



في هذا السياق، ذكرت الخبيرة في الشؤون الأوروبية كيارا دي فيليشي، في حديثٍ لـ "العربي الجديد"، أن "الزعماء الأوروبيين يتمنون بأن تكون الوثيقة الأولى والأخيرة في تاريخ البناء الأوروبي". وأضافت أنه "مع ذلك، فإنه يجب انتظار أربعة أسابيع بعد إعلان التفعيل البريطاني قبل عقد القمة المخصصة لبحث إجراءات الانفصال، التي ستعقد في 29 إبريل/نيسان المقبل، لإعداد الإجراءات وتنظيم وإدارة المشاورات بين الدول الأعضاء". ولفتت إلى أن "عملية المفاوضات قد تدوم عامين على الأقل".

وأضافت أنه "مباشرة بعد اعتماد المبادئ التوجيهية من قبل المجلس الأوروبي ينتظر أن توصي المفوضية الأوروبية بفتح المفاوضات. والأهم في هذه المبادئ هو الجانب القانوني الذي يحتاج إلى الموافقة الرسمية من قبل المجلس الأوروبي لإطلاق المفاوضات".

وكشفت دي فيليشي أن "الأوروبيين يسعون لتقسيم المفاوضات إلى شقين منفصلين. ينتهي الأول مع نهاية عام 2017، ويركز على عملية الطلاق نفسها وعلى تصفية حسابات الماضي المالية. وهذا يعني أن المستحقات المالية سيتم التطرق إليها قبل بدء الحديث عن الشق الثاني الخاص بالعلاقات التجارية المستقبلية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي". وأضافت "في الوقت الذي يريد البريطانيون إجراء مفاوضات موازية يسعى الأوروبيون إلى تسوية تركة الماضي، خصوصاً في جانبها المالي، لتجنب الاضطرار إلى تقديم تنازلات مالية لجزء من فاتورة طلاق لم يطلبوه". وأشارت إلى أن "رفض البريطانيين القبول بدفع هذه الفاتورة سيعني الدخول في أزمة حقيقية".

ولفتت إلى أنه "يجب تجنب ردود الفعل التي تؤدي إلى إنشاء سياسة حمائية من قبل الاتحاد الأوروبي. ففي الواقع، الاتحاد بحاجة إلى قرارات سديدة في جميع الملفات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تؤثر على العولمة وفقاً للمعايير الأوروبية. خصوصاً سدّ الفجوة بين الاتحاد الأوروبي والمواطنين، إذ ينبغي على أوروبا أن تركز على مهمتها الأساسية وهي توفير منافع ملموسة للمواطنين. وهذا لن يتم سوى بتنفيذ مجموعة من الإصلاحات الضرورية على المستوى الأوروبي".

النجاح الذي حققه المشككون البريطانيون في البناء الأوروبي شجع جميع القوى الشعبوية الأخرى في القارة العجوز، في فرنسا وإيطاليا وهولندا، لطلب تنظيم استفتاء مماثل. تفاعلات تشكل تحدياً لرؤساء الدول والحكومات الأوروبية، الذين يخشون تكرار السيناريو البريطاني في حال تنظيم استفتاءات أخرى.

ففي إبريل/نيسان 2016 رفض الهولنديون في استفتاء استشاري تصديق حكومتهم على اتفاقية شراكة بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي. وقد عارض أكثر من 60 في المائة من الناخبين هذا الاتفاق. وفي النمسا، كاد مرشح اليمين المتطرف نوربرت هوفر، أن يفوز في الانتخابات الرئاسية العام الماضي، ويسعى حزبه الآن إلى الفوز في الانتخابات البرلمانية التي ستُجرى في فيينا في عام 2018 لتنظيم استفتاء مماثل حول العضوية في الاتحاد الأوروبي.