ربيع روسيا المفاجئ: المعارضة غير جاهزة لمواجهة بوتين

ربيع روسيا المفاجئ: المعارضة غير جاهزة لمواجهة بوتين

موسكو

رامي القليوبي

avata
رامي القليوبي
28 مارس 2017
+ الخط -
تذكّر موجة التظاهرات والاعتقالات التي شهدتها موسكو وغيرها من المدن الروسية يوم الأحد، بما عاشته روسيا من احتجاجات حاشدة في نهاية عام 2011 والنصف الأول من عام 2012، رفضاً لما يقول المعارضون إنه كان تزويراً لنتائج انتخابات مجلس الدوما (النواب) وعودة فلاديمير بوتين إلى الرئاسة بعدما شغل منصب رئيس الوزراء خلال الفترة الممتدة من عام 2008 إلى عام 2012. منذ ذلك الحين تغيرت الأوضاع الداخلية والدولية كثيراً، إذ أدى قيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم في مارس/ آذار 2014، إلى ارتفاع نسبة التأييد لبوتين إلى أكثر من 80 في المائة، وتراجع كبير لحركة الاحتجاج، بل توقفها بشكل شبه كامل، قبل أن تبدأ ملفات السياسة الداخلية والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية وقضايا الفساد بفرض نفسها من جديد مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في مارس/ آذار 2018.

وفيما يستبعد عدد من الخبراء أن تؤدي موجة الاحتجاجات الحالية إلى ضعضعة الحكم بروسيا، من المتوقع أن يشكل تعامل الأجهزة الأمنية مع المتظاهرين واعتقالهم، مادة تجاذب جديدة بين روسيا والغرب. صحيح أن ظروف تحركات يوم الأحد وما يمكن أن يعقبها من تداعيات في موسكو، قد تكون غير كافية لرهان الأوروبيين والأميركيين على تغيرات داخلية جذرية بروسيا، لا سيما بعدما تميزت التظاهرات بغياب جميع الوجوه القديمة للمعارضة "غير النظامية" الروسية، باستثناء مؤسس "صندوق مكافحة الفساد"، أليكسي نافالني، الذي عاد إلى الواجهة منذ إعلان نيته خوض سباق الانتخابات الرئاسية، لكن إعلان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر، مساء الأحد، عن إدانة واشنطن بشدة لاعتقال "مئات" المتظاهرين، يشكل رسالة ربما يكون مفادها أن الولايات المتحدة لن تتساهل مع روسيا ــ بوتين. وقال تونر إن واشنطن تعتبر الاعتقالات "تحدياً للقيم الديمقراطية"، داعياً الحكومة الروسية "إلى الإفراج فوراً عن كل المتظاهرين السلميين"، وفق قوله.

ويشير نائب مدير "مركز المعلومات السياسية" في موسكو، مكسيم لافنيتشينكو، إلى أن المشاركة العالية في احتجاجات الأحد، لا سيما ارتفاع نسبة المشاركين الشباب وحتى المراهقين، تعود إلى وجود أجندة واضحة ونجاح حملة الترويج لها بالتزامن مع تداول واسع النطاق لتحقيق "صندوق مكافحة الفساد" الذي يتهم رئيس الوزراء الروسي، دميتري مدفيديف، بالفساد. ويقول لافنيتشينكو لـ"العربي الجديد"، إن "التحقيق حظي بانتشار واسع على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الليبرالية، وتمكن نافالني من تعبئة عدد كبير من المتظاهرين على الرغم من أن التظاهرة لم يكن مصرحاً بها، ولذلك يؤخذ عليه في الوقت نفسه أنه عرّض مؤيديه لخطر الاعتقال"، وفق قوله. وفي الواقع، تشكل هذه المسألة ثغرة شكلية، قد تثير من جهة تحفظات بعض المعارضين، لكنها تستخدم من جهة ثانية كذريعة من قبل الكرملين لتبرير الاعتقالات. وهذا ما تجلى، أمس الاثنين، في تصريحات المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، الذي اعتبر أن التظاهرة تشكل "استفزازاً". وقال "ما رأيناه في العديد من المواقع وربما في موسكو أكثر من غيرها كان استفزازاً وكذباً". وأضاف أن نافالني "كذب صراحةً" بقوله إن هذه التظاهرات "قانونية". كما ذكر أن الكرملين يحترم الحق في الاحتجاج والتعبير عن المواقف "في إطار القانون"، لكنه يرفض تظاهرات الأحد ويعتبرها غير قانونية، في إشارة إلى عدم اتباع الجهات الداعية للتظاهرات لإجراءات الحصول على موافقة من السلطات المحلية. وقال بيسكوف للصحافيين: "سيكون ذلك ممكناً لكل من يريد أن يعمل مع الالتزام التام بقوانيننا، ولم تكن هناك أي عوائق أمام ذلك أبداً"، على حد تعبيره.

على الرغم من تمترس الكرملين وراء ذريعة "عدم الترخيص للتظاهرة"، إلا أن ذلك لم يجنبه الإدانة الأوروبية. وقد عبّر الاتحاد الأوروبي عن رفضه لسلوك الأجهزة الأمنية الروسية، داعياً روسيا، في بيان، إلى الإفراج "بلا تأخير عن المتظاهرين السلميين"، وإلى "احترام التزاماتها الدولية بالكامل واحترام هذه الحقوق والإفراج بلا تأخير عن المتظاهرين السلميين الذين أوقفوا".

وكان نافالني وغيره من موظفي "صندوق مكافحة الفساد" قد اعتقلوا أثناء تظاهرات الأحد، فيما أفادت سكرتيرته الصحافية، كيرا يارميش، بأنه يواجه تهمة "تنظيم تحرك واسع للمواطنين في أماكن عامة أسفر عن الإخلال بالنظام العام"، ما يعرضه لعقوبات متعلقة بغرامة مالية أو عمل إلزامي أو حبس إداري. وقد بدأت، أمس الاثنين، محاكمته بهذه التهمة فعلاً أمام محكمة تفيرسكوي في وسط موسكو. ويواجه إمكانية توقيفه احترازياً لمدة 15 يوماً. لكنه يبدو مصمماً على المواجهة، إذ كتب نافالني في تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي قال فيها "سيأتي اليوم الذي سنحاكمهم فيه (بنزاهة هذه المرة)"، في إشارة إلى السلطات الروسية.

ويبدو أن الكرملين يستعد لتوجيه سلة من الاتهامات لمنظمي التظاهرات، في محاولة لتعريضهم لأحكام قضائية مشددة. وهذا ما يظهره قول المتحدث باسم الكرملين، بيسكوف، أمس الاثنين، إن "هناك متظاهرين قصّر في موسكو تلقوا وعوداً بالحصول على أموال إذا تم القبض عليهم"، وفق تعبيره. وبسؤاله عن مصدر هذه المعلومات، قال بيسكوف "هذه حقائق"، لكنه لم يقدم أي دليل بشأن هذه الوقائع.

وحول مكانة نافالني على الساحة السياسية الروسية بعد أنشطته الأخيرة، يقول مدير "مركز المعلومات السياسية"، مكسيم لافنيتشينكو، إن "الحديث عن انتقال نافالني إلى سياسي من مستوى فيدرالي سابق لأوانه، إذ يجب أن يكون له برنامج واضح وليس مجرد سجلّ في مكافحة الفساد"، بحسب تعبيره. وبعد التظاهرات الأخيرة، يقلل المحلل السياسي الروسي من فرص نافالني في خوض سباق الانتخابات الرئاسية. ويقول في هذا السياق، إنه "في حال توجه نافالني نحو تصعيد التظاهرات، فستتم ملاحقته جنائياً أو إدارياً، خاصة أنه قد تم رفع قضية جنائية بسبب اعتداء على عنصر أمني يوم الأحد". ويشير لافنيتشينكو إلى أنه "قد يتم اتهام نافالني بتنظيم التظاهرة التي حدث خلالها ذلك، كما أنه يواجه تهماً في قضية الفساد في شركة كيروفليس الروسية"، كما ذكر المتحدث نفسه.

وأياً تكن السيناريوهات المقبلة للتحركات الاحتجاجية، يحاول الكرملين الترويج لمحدوديتها، إذ صرّح بيسكوف بأن "الكرملين يتعامل بحكمة شديدة في ما يتعلق بحجم الاحتجاجات التي وقعت الأحد، ولا يميل إلى التقليل منها أو المبالغة فيها"، على حد قوله. في السياق ذاته، يقلل الصحافي المعارض الروسي، أوليغ كاشين، من أهمية التظاهرات الجديدة، معتبراً أن موجات الاحتجاجات تتكرر في روسيا وسط تغيّر وجوه المعارضة مع بقاء السلطة كما هي. وفي مقال بعنوان "تناوب المعارضة مع بقاء السلطة: دروس ربيع الاحتجاجات الجديد"، نشرته صحيفة "ريبابليك" الإلكترونية، أمس الاثنين، يشير كاشين إلى أن روسيا تشهد موجة من الاحتجاجات كل خمس سنوات، بدءاً من "مسيرات الرافضين" في موسكو وسانت بطرسبورغ في ربيع 2007، ثم احتجاجات 2011-2012، قبل "ربيع الاحتجاجات المفاجئ" هذا العام. ويوضح كاتب المقال أن مسيرات عام 2007 جاءت نتيجة للتحالف بين الليبراليين "غير النظاميين" والمعارض إدوارد ليمونوف، ثم تحالف جميع الزعماء "غير النظاميين" في احتجاجات ساحة بولوتنايا في عام 2012، وصولاً إلى "المراهقين بشارع تفيرسكايا" يوم الأحد الماضي.
ويلخص كاشين الوضع في أن هناك "قانوناً غريباً" في السياسة الروسية مفاده أن "الرئيس ومحيطه لا يتغيران أبداً، بينما تتغير المعارضة كل خمس سنوات وكأنها سلطة ديمقراطية جيدة". ويختم الكاتب مقاله، قائلاً: "عندما لا تتغير السلطة والمعارضة لفترة طويلة، يحدث انفجار، طال الزمن أم قصر"، لافتاً إلى أن "الدول الديمقراطية تتجنب الانفجار عن طريق تداول السلطة، لكن النظام المتسلط الروسي يتجنب الانفجار عن طريق تناوب المشاركين بتظاهرات الاحتجاج كل خمس سنوات"، على حد وصفه.

وكانت موسكو وعشرات من المدن الروسية قد شهدت، الأحد، موجة من تظاهرات طالبت بالتحقيق في نشاط مدفيديف الذي يتهمه "صندوق مكافحة الفساد" بامتلاك "أصول سرية"، فيما وقعت بموسكو أكبر حملة من الاعتقالات طاولت أكثر من ألف شخص، بحسب منظمة "أو في دي إنفو" الحقوقية. وفي الوقت الذي تجاهلت فيه وسائل الإعلام الحكومية هذه الاحتجاجات، تداول نشطاء وصحف ومواقع ليبرالية ومعارضة، صوراً تظهر تعامل أفراد الأمن مع المتظاهرين بالقوة.

ذات صلة

الصورة
توماس غرينفيلد في مجلس الأمن، أكتوبر الماضي (بريان سميث/فرانس برس)

سياسة

منذ لحظة صدور قرار مجلس الأمن الذي يطالب بوقف النار في غزة سعت الإدارة الأميركية إلى إفراغه من صفته القانونية الملزمة، لكنها فتحت الباب للكثير من الجدل.
الصورة

سياسة

قُتل 40 شخصاً على الأقل، وجُرح العشرات، في إطلاق نار أعقبه اندلاع حريق، مساء اليوم الجمعة، في صالة للحفلات الموسيقية في ضاحية موسكو.
الصورة
تظاهرة ووقفة بالشموع أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن

سياسة

شهدت العاصمة الأميركية واشنطن وقفة بالشموع وتجمّعاً للمئات من الناشطين أمام السفارة الإسرائيلية تأبيناً للجندي آرون بوشنل و30 ألف شهيد فلسطيني في غزة.
الصورة

سياسة

نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال الأميركية" عن مسؤولين أميركيين قولهم إن إدارة الرئيس جو بايدن تستعد لإرسال قنابل وأسلحة أخرى "نوعية" إلى إسرائيل.