السبسي... بورقيبي أعادته الثورة ورئيس "نداء" ولد ضد "الترويكا"

السبسي... بورقيبي أعادته الثورة ورئيس "نداء" ولد ضد "الترويكا"

26 مارس 2017
مغادرة السبسي الحزب إلى الرئاسة فجّرت "النداء"(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن أحد يعتقد مع قيام الثورة التونسية أن يكون للمحامي الباجي قائد السبسي، البورقيبي (نسبة للرئيس الأسبق والراحل الحبيب بورقيبة)، الذي شغل منصب رئيس مجلس النواب بين عامي 1990 و1991، في عهد المخلوع زين العابدين بن علي، هذا الدور التاريخي في هذه المرحلة الهامة من تاريخ تونس. فقد ابتعد الرجل عن السياسة لسنوات طويلة، ولكن سياقات الأشهر الأولى من الثورة أعادته من جديد إلى واجهة الأحداث، بعدما تقرر إبعاد رموز بن علي من إدارة الحكومة الأولى بعد الثورة، والبحث عن شخصية يمكنها أن تحظى بالتوافق لإدارة المرحلة الانتقالية الأولى.

وانحصر البحث حول شخصيتين معروفتين: السياسي والقانوني أحمد المستيري، والباجي قائد السبسي، اللذان عارضا بورقيبة في بداية سبعينيات القرن الماضي بسبب عدم ديمقراطية الحزب "الدستوري" والحكم في ذلك الوقت. وقاد السبسي المرحلة الانتقالية وصولاً إلى أول انتخابات نزيهة في تاريخ البلاد عام 2011. وسلّم الحكم سلمياً لـ"الترويكا" (تحالف حركة النهضة مع حزب المؤتمر برئاسة المنصف المرزوقي وحزب التكتل برئاسة مصطفى بن جعفر)، على الرغم من أن حركة "النهضة" كانت وعدته بتسليمه رئاسة البلاد. لكن نتائج الانتخابات أفرزت معادلة جديدة قادت المرزوقي إلى قصر قرطاج. ومع مطلع سنة 2012، دخلت البلاد في حالة احتقان شديدة لأسباب متعددة، أهمها ما وصفه السبسي نفسه بفقدان التوازن السياسي، ما دفعه إلى البحث عن بديل حزبي يعيد هذا التوازن المفقود، وهو ما قاده إلى تأسيس حركة "نداء تونس".

وبما أن انتخابات 2011 شهدت خسارة فادحة لليسار التونسي الذي كان يعتقد أنه سيفوز بغالبية مقاعد المجلس التأسيسي، فقد ترسَّخ اعتقاد لدى عدد كبير من النقابيين واليساريين، بالإضافة إلى "التجمعيين" (نسبةً لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي وهو الحزب الحاكم السابق المنحل)، و"الدستوريين" (نسبة إلى التيار الدستوري المنقسم إلى عدة أحزاب، بينها الحزب الحر الدستوري الجديد الذي تأسس عام 1934)، بأن البديل ينبغي أن يكون مغايراً، ما دفع بقطاعات واسعة من هذه التيارات إلى الانضمام لـ"نداء تونس" ومواجهة حكم الترويكا.

ونجح السبسي بالفعل في تجميع هذه القوى السياسية الهجينة، وتمكن من السيطرة على خلافاتها العميقة حول عدد من القضايا، وساهم بقيادة حزب "النداء" للفوز بانتخابات عام 2014. ولكن حالة عدم التجانس السياسي في تركيبة هذا الحزب، كانت سبباً لبداية تفككه، خصوصاً بعدما غادر السبسي إلى الرئاسة وابتعد عن إدارة شؤون الحزب بحكم الدستور التونسي.


ومع أول اختبار حقيقي فرضته نتائج الانتخابات، انفجر حزب السبسي بشكل كبير بسبب معارضة اليساريين والنقابيين "الندائيين" لخيار "التعايش" مع "النهضة". وتشبث السبسي بقراره حفاظاً على استقرار البلاد، واقتناعاً منه بأن المرحلة الهشة ينبغي أن تدار بالتوافق، على الرغم من احترازاته المتعددة حول حركة "النهضة". لكن حزب "نداء تونس" دفع ثمن هذه "البراغماتية" السياسية التي ميّزت الرجل على امتداد حياته السياسية.

وتبدو سيرة السبسي الشخصية والسياسية، سيرة روائية بامتياز. فقد شهد الرجل على امتداد حياته السياسية عدداً من الأحداث والتقلبات التاريخية البارزة، قادته لمعايشة فصول مهمة من تاريخ تونس وجعلته بالفعل شاهداً على عصور منه، من مقاومة المستعمر الفرنسي إلى بداية تأسيس الدولة، وما رافقها من أحداث وخلافات دموية، وصراع من أجل إدخال نفس ديمقراطي على المشهد التونسي، وصولاً إلى دوره كسفير ثم كوزير خارجية. وتجدر الإشارة هنا إلى مساهمته، على رأس الدبلوماسية التونسية بين عامي 1981 و1986، في التصدي لإسرائيل على الساحة الدولية وإدانة اعتداءاتها ضد الفلسطينيين. للسبسي إذاً تاريخ سياسي حافل ومليء بالتحولات، إلى أن أعادته الثورة إلى صدارة الأحداث بشكل مفاجئ وقادته لأول انتخابات حرة في تاريخ البلاد، ثم إلى رئاستها.