رسائل معركتي دمشق وحماة تسبق المفاوضات السياسية

رسائل معركتي دمشق وحماة تسبق المفاوضات السياسية

23 مارس 2017
تحتدم المعارك في حماة (عارف وتد/الأناضول)
+ الخط -
قبل ساعات من انطلاق الجولة الخامسة من مفاوضات جنيف السورية بين المعارضة والنظام، تسارعت التطورات العسكرية من دمشق إلى حماة، ومناطق أخرى، وفق إيقاع يبدو منسّقاً جعل زمام المبادرة بيد الفصائل المعارضة للنظام التي وجّهت له ضربات قوية في معاقل ظن أنها باتت حصينة على أي هجوم، بعد شهور طويلة من الحصار والضربات الجوية وسياسات التهجير إزاء تلك المناطق.

وعلى غرار الاندفاعة السريعة لمعركة دمشق، التي أوصلت الفصائل إلى مشارف حي العباسيين، بعد سيطرتها على كراجه الذي يوصل دمشق مع بقية المحافظات، سيطرت الفصائل في حماة، خلال 24 ساعة، على العديد من المدن والبلدات والنقاط العسكرية في محافظة حماة، وفق خط سير يتجه نحو مدينة حماة نفسها، التي تسيطر عليها قوات النظام، وفي ظل تصدّعات في صفوف الأخيرة التي سارعت إلى إخلاء مواقعها، مع حد أدنى من القتال.


وتواصلت معركة دمشق، أمس الأربعاء، ولو بوتيرة أقل، وذلك بعد تمكّن الفصائل من استرجاع المناطق التي سيطرت عليها في هجومها الأول، واستعادها النظام لبعض الوقت.

وتجددت المواجهات، أمس الأربعاء، في منطقة كراجات العباسيين، في حين أكد "فيلق الرحمن"، الفصيل الرئيسي المشارك في المعركة، التزام الفصائل بجميع الأعراف الدولية المتعلقة بالمعارك والنزاعات. وأكد، في بيان أصدره، تحييد المدنيين بجميع أديانهم وطوائفهم وآرائهم عن النيران. وأعلن الفيلق، في حسابه على موقع "تويتر"، أن قوات النظام قطّعت أوصال مدينة دمشق بمزيد من الحواجز العسكرية، وسط تفتيش دقيق جداً عليها. ولفت إلى أن "أصوات سيارات الإسعاف لا تهدأ باتجاه مستشفيي المواساة والمجتهد، وإغلاق ساحة العباسيين وسوق الزبلطاني بالكامل، وحظر التجوال في شارع فارس خوري وحيي التجارة والعدوي".

من جهتها، صعّدت قوات النظام من قصفها لمناطق المعارضة في حيي جوبر والقابون ومجمل أحياء الغوطة الشرقية. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن طيران النظام والطيران الروسي شنّا أكثر من 140 غارة استهدفت في معظمها حي جوبر، بالإضافة إلى حي القابون ومزارعه. كما استأنف الطيران الروسي والسوري الغارات الجوية على مدن الغوطة الشرقية، خصوصاً في جوبر وعربين، في محاولة مستميتة من قوات النظام لاسترجاع منطقة الكراجات والمعامل الصناعية.

واستهدف الطيران الحربي مدن وبلدات عربين، حمورية، دوما، عين ترما، زملكا، كفربطنا بعشرات الغارات الجوية، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى. كما جرى استهداف مناطق الغوطة بمئات قذائف المدفعية والصواريخ، مما تسبب، وفق مصادر محلية، في سقوط 17 قتيلا، بينهم متطوع من الدفاع المدني، وامرأة واحدة، إلى جانب خمسة أطفال.

وفي سياق متصل، كشفت وكالة أنباء "آكي" الإيطالية عن أن الفصائل استخدمت تقنيات حديثة في معارك دمشق، استطاعت من خلالها السيطرة على كراج العباسيين وسط المدينة.

ونقلت الوكالة عن مصادر من داخل قوات النظام قولها إن هجوم الفصائل في دمشق ترافق مع عملية تشويش كبير على أجهزة تنصت النظام، وانقطاعات في أجهزة التواصل الإلكترونية التي تمتلكها قوات النظام، ووسط تحويم طائرات مراقبة مُسيّرة عن بُعد، لم يكن يمتلكها مقاتلو الفصائل من قبل، وفق تأكيد هذه المصادر.

من جانبه، قال الضابط المنشقّ عن قوات النظام، اللواء محمد الحاج علي، لـ"العربي الجديد"، إن "المعارك الأخيرة في دمشق جاءت رداً على حالة الحصار والاستنزاف لقوى المعارضة، لا سيما ضربات الطيران التي تقوم بها قوات النظام بهدف إجبار قوات المعارضة على الاستسلام والترحيل للمقاتلين إلى الشمال السوري، ودعما للمفاوضين من المعارضة في جنيف، خصوصاً بعد الصلف والتكبر من النظام المدعوم روسياً وإيرانياً". أما معارك حماة، بحسب الحاج علي، فهي "استجابة لنداء المعارضة المسلحة التي تخوض أشرس المعارك في قلب دمشق لتخفيف الضغط عنها". وأضاف ذات المتحدث، أن "للمعارضة المسلحة قدرات كبيرة على شن الهجمات الناجحة إذا وجدت إمكانيات في دعمها بالذخائر المطلوبة، خصوصاً في المناطق المحاصرة".

وفي إطار التقدم الذي تحرزه الفصائل على أكثر من جبهة، سيطرت فصائل المعارضة، أمس الاربعاء، على مفرق المحسا الاستراتيجي في القلمون الشرقي بريف دمشق، عقب اشتباكات مع تنظيم "داعش" .
 وقال جيش "أسود الشرقية" التابع للمعارضة السورية، إن عشرات القتلى والجرحى للتنظيم سقطوا، خلال المعارك الدائرة في القلمون الشرقي. وأشارت مصادر عسكرية إلى أن المعارضة السورية اقتربت من إعلان سيطرتها الكاملة على القلمون الشرقي بريف دمشق، إذ تبقى لها نقطة واحدة في القلمون ما زالت خارجة عن سيطرتها.

ورأى مراقبون أن هذه المعارك التي أخذت فيها الفصائل زمام المبادرة وحققت نجاحات ملحوظة، تكسر الصورة التي حاول النظام تكريسها في الفترات الأخيرة، لا سيما بعد معركة حلب، بأن المعارضة باتت مهزومة عسكرياً وأن النظام هو المنتصر، ويجب بناء العملية السياسية سواء في جنيف أم أستانة على هذا الأساس.

وفي موازاة معركة دمشق، تشهد معارك حماة إعلانات متتالية من جانب الفصائل العسكرية عن تحقيق تقدم على قوات النظام، وأصبحت على بعد كيلومترات محدودة من مطار حماة العسكري.

 وكانت "هيئة تحرير الشام" أعلنت السيطرة على بلدة صوران شمال المدينة، بعد استهداف القوات المتمركزة في حاجز المكاتب على مشارفها بعربتين مفخختين في أولى مراحل المعركة. وتابعت بعد ذلك الفصائل زحفها لتسيطر على كل من: معردس، رحبة خطاب وقرية حطاب والمستودعات الموجودة فيها، إضافةً إلى بلدة خربة ياسين، ومنطقة الشير المحيطة ببلدة خطاب، وهي من المناطق التي تسيطر عليها الفصائل لأول مرة منذ انطلاقة الثورة.

 وأدّت هذه المعارك إلى خسارة النظام عددا كبيرا من جنوده بين قتلى وجرحى، إضافةً إلى تدمير طائرتين داخل مطار حماة العسكري، بعد أن تم استهداف المطار من قبل الفصائل بصواريخ ثقيلة، وتدمير 4 دبّابات للنظام على عدد من محاور جبهات الاشتباك.

ولم تعلن الفصائل عن هدف محدد لهذه المعركة حتى الآن، غير أن سير المعارك يشير إلى توجهها نحو مدينة حماة ومطارها العسكري، وقبلهما جبل زين العابدين الاستراتيجي.

ولفتت مصادر عسكرية في المعارضة إلى أن معارك حماة تتم بالتنسيق مع بقية الجبهات، تحديداً في العاصمة دمشق التي تشهد معركة أخرى حققت فيها الفصائل تقدماً لافتاً على قوات النظام. وإذ تشير المصادر إلى حالة من الذعر طاولت قوات النظام والمليشيات الموالية لها بعد التقدم السريع للفصائل باتجاه نقاط النظام، ما تجلى في حالات هروب جماعي لقوات النظام باتجاه قرية كوكب الخاضعة لسيطرتها، حذّر بعض المراقبين من أن الانسحابات الكبيرة للنظام قد تأتي في سياق توريط الفصائل بمساحة جغرافية كبيرة يكون من الصعب عليها التمركز فيها. وبالتالي تصبح منطقة استنزاف كبرى للفصائل ومن ثم يعيد النظام الهجوم مرة أخرى.

وفي سياق هذه الهجمات المتزامنة التي تقوم بها الفصائل على مواقع النظام وحلفائه في غير منطقة، أعلنت "هيئة تحرير الشام"، أمس، أنها قصفت بعشرات الصواريخ من طراز غراد مواقع عسكرية للنظام السوري وروسيا في مطار حميميم العسكري بريف اللاذقية. وأضافت الهيئة أن صواريخ غراد أطلقها مقاتلوها استهدفت مراكز عسكرية للنظام السوري والمليشيات الأجنبية الموالية له في مدينة القرداحة بريف اللاذقية، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوفهم.