التصعيد الإسرائيلي بسورية: هل تكبر أزمة الثقة مع روسيا؟

التصعيد الإسرائيلي بسورية: هل تكبر أزمة الثقة مع روسيا؟

22 مارس 2017
تخشى إسرائيل تعاظم دور إيران وحزب الله(جلاء ماري/فرانس برس)
+ الخط -
تتزايد المؤشرات التي تدل على أن التصعيد الإسرائيلي الأخير في سورية، الذي تمثل بتكثيف الغارات الجوية وشنّ عمليات الاغتيال والتهديد بتصعيد وتيرة استهداف المرافق العسكرية التابعة لنظام بشار الأسد، إلى جانب التلويح بتدمير مؤسسات الدولة اللبنانية ومرافقها الحيوية، يرتبط بشكل أساسي بمخاوف إسرائيل من التحولات الجيو-إستراتيجية التي يمكن أن تسفر عنها التسوية السياسية للصراع في سورية. وإن صحت تلك المقاربة، يكون تكثيف الغارات الجوية وتوجيه التهديدات للنظام السوري بمثابة التحرك الاستباقي الهادف إلى التأثير على التسوية في سورية للضغط على الروس تحديداً لمراعاة خارطة المصالح الإسرائيلية، والمتمثلة بشكل أساس بعدم السماح بموضع قدم لإيران وحزب الله في سورية، وعلى وجه الخصوص بالقرب من الحدود. في الوقت نفسه، فإن توجيه التهديد بتدمير الدولة اللبنانية يمثل، إلى جانب مضامينه الردعية، محاولة لتحديد قواعد مسبقة للمواجهة في حال فشلت إسرائيل في إجبار رعاة التسوية وأطرافها على مراعاة خطوطها الحمراء. 



رغم رهان إسرائيل على التنسيق مع الروس، واحتفائها بشكل خاص بعوائد "الكيمياء" الشخصية التي تربط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومع إدراك تل أبيب لوجود تضارب مصالح بين طهران وموسكو، إلا أن هناك في إسرائيل من يرى أن بوتين لا يمكنه التخلي عن دور إيران وحزب الله في سورية. وفي السياق، يقول المعلق العسكري الإسرائيلي، ألون بن دافيد، إنه نظراً لأن الحفاظ على بقاء نظام الأسد يمثل مصلحة استراتيجية من الطراز الأول للروس، فإن هذا يدفعهم إلى مواصلة العمل والتعاون مع إيران وحزب الله على اعتبار أنهما يوفران الغطاء البري، الذي يضمن للنظام مواصلة سيطرته على الأرض التي استعادها أخيراً. وفي تعليق بثّته القناة الإسرائيلية أشار بن دافيد إلى أن الحرص على بقاء النظام هو الذي يدفع الروس لمواصلة الرهان على دور إيران وحزب الله، على الرغم من تضارب المصالح بين الطرفين. وهناك في إسرائيل من يرى أن المفاجأة، المتمثلة في نجاح المعارضة السورية في ضرب النظام في دمشق، في الأيام الماضية، تضفي صدقية على الرهان الروسي على دور إيران وحزب الله في الحفاظ على نظام الأسد. وما تقدم يدفع المعلق العسكري لصحيفة "يديعوت أحرنوت"، إليكس فيشمان، للجزم بأن المسوغ الرئيس لتكثيف الأنشطة العسكرية الإسرائيلية في سورية ليس إحباط نقل سلاح "نوعي" لحزب الله أو تحييد بُنى تنظيمية دشّنها حزب الله في الجولان؛ بل يرمي في الأساس إلى توظيف هذه الأنشطة كاستعراض قوة للضغط على روسيا لمراعاة مصالحها في أية تسوية تفضي إلى حل الصراع المتواصل في بلاد الشام.
وفي تحليل نشرته الصحيفة، لفت فيشمان إلى أن إسرائيل تنطلق من افتراض مفاده أن إبداء التهاون إزاء أي سيناريو يُمكن أن يفضي إلى إضفاء شرعية على وجود الإيرانيين وحزب الله بالقرب من الحدود غير وارد على الإطلاق. وهو ما يفسر سلسلة التهديدات بالتصعيد ضد جيش الأسد التي أطلقتها المستويات السياسية والعسكرية رداً على قيام جيش النظام باستخدام المضادات الأرضية ضد الطائرات الإسرائيلية التي غارت على أهداف لحزب الله بالقرب من حمص. وما يعزز قوة الافتراض أن التصعيد الإسرائيلي مخطط له سلفاً بهدف التأثير على التسوية حقيقة أن وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان هدد بتدمير الدفاعات الجوية السورية، مع علمه إن إسرائيل تستخدم منظومات "إلكترونية" تحيد عمل هذه الدفاعات، بحيث إنها لا تمثل أي خطر على الطائرات الإسرائيلية.

وعلى الصعيد الروسي، فإن هناك ما يدلل على بوادر أزمة ثقة قد نشأت بين موسكو وتل أبيب على خلفية التصعيد الإسرائيلي الأخير في سورية. وقد قدرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" أن استدعاء السفير الإسرائيلي غاري كورين، من قبل الخارجية الروسية يدلل على إحباط الروس من تناقض السلوك الإسرائيلي مع الوعود التي قطعها نتنياهو على نفسه أمام بوتين في لقائهما الأخير في موسكو، من دون أن تحدد طابع هذه الوعود. فهل إعلان إسرائيل عن مسؤوليتها عن الغارة الأخيرة مثّل بالنسبة للروس تجاوزاّ للخطوط الحمراء على اعتبار أنه أحرجهم وأحرج الأسد، ما دفعهم لاستدعاء السفير؟ أم أن هناك تفاهمات أخرى تم تجاوزها خلال التصعيد الأخير؟ 

وعلى صعيد آخر، فإن التهديد الإسرائيلي غير المسبوق بالمسّ بمؤسسات الدولة اللبنانية والبنى التحتية في الحرب المقبلة إلى جانب مضامينه الردعية، فإنه يهدف إلى تحديد قواعد المواجهة المستقبلية بعد التسوية في سورية. فقد حرص المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي على إبراز تهديد رئيس هيئة أركان الجيش جادي إيزنكوت بالتركيز في الحرب المقبلة ضد لبنان على المس بمرافق الدولة اللبنانية أكثر من المس بأهداف حزب الله. وسبق لوزير الأمن أفيغدور ليبرمان أن اعتبر أن حزب الله والجيش اللبناني يمثلان "بنية واحدة"، ما يعني أن هذا الجيش بات هدفاً لإسرائيل في أية مواجهة مقبلة. ومن أجل تسويغ هذه التهديدات، فإن إسرائيل عادة ما تشير إلى التصريحات التي أدلى بها الرئيس اللبناني ميشال عون، والذي دافع عن حزب الله بوصفه "المقاومة التي تحمي لبنان"، إلى جانب تسريب معلومات حول قيام حزب الله ببناء مصانع سلاح تحت الأرض في لبنان. ومن الواضح أن الهدف الرئيس لهذه التهديدات هو ردع حزب الله من خلال استغلال حساسيته للرأي العام الداخلي، وزجره عن الإقدام على أي سلوك في لبنان أو سورية يمكن أن ترى فيه إسرائيل مظهرا من مظاهر التهديد لها.
في الوقت نفسه، فإن إسرائيل تريد أن تقول للدولة اللبنانية، وقيادة حزب الله، بأنه في حال اختار الحزب سورية كساحة مواجهة فإنها ستوسع المواجهة لتشمل لبنان، خصوصاً مرافق الدولة. إن ما يدلل على أن الهدف الرئيس من هذه التهديدات هو الردع حقيقة أن إيزنكوت نفسه قد أخبر لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست قبل أقل من شهر أن التقديرات الإسرائيلية تؤكد أن حزب الله غير معني بمواجهة مع إسرائيل.


دلالات

المساهمون