الأسلحة الغربية للعراق... بيد المليشيات

الأسلحة الغربية للعراق... بيد المليشيات

21 مارس 2017
"الحشد" تملك كمية أسلحة تفوق ترسانة الجيش(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
في الثامن من شهر فبراير/ شباط الماضي، توجهت قافلة عسكرية تابعة للجيش العراقي إلى بغداد، آتية من البصرة وتحمل نحو 16 طناً من الأسلحة والمعدات العسكرية التي قدمتها دولة أوروبية للعراق. وصلت هذه المساعدات العسكرية عبر ميناء أم قصر في البصرة، المطل على الخليج العربي. لكن سرعان ما فُقِد جزء من شحنة السلاح هذه على الطريق، حيث تعرضت الشاحنات التي تنقل تلك الأسلحة إلى عملية سرقة، على الرغم من وجود قوات كبيرة خُصّصت لحمايتها. بعد أيام قليلة، أغلقت الحكومة التحقيق بالحادث، إذ توصلت إلى أن الجزء المفقود ذهب لصالح مليشيات "الحشد الشعبي" وتحديداً خلال مرورها بمحافظة بابل، جنوبي بغداد، والتي تعد واحدة من أبرز معاقل مليشيات "الحشد" بالوقت الحالي. وتحاول حكومة رئيس الوزراء، حيدر العبادي، التحفظ على الموضوع، كما أن الكتل السياسية تخشى التحدث عن هذا الملف، علماً بأنها ليست المرة الأولى التي تتسلل فيها الأسلحة الغربية للمليشيات على الرغم من أن الجهة الموجهة إليها هي الجيش العراقي.

ويعود سبب محاولة الحكومة التكتم على ذلك إلى خوفها من انقطاع المساعدات الغربية للجيش العراقي والتي شكلت في الربع الأخير من العام الماضي، وفقاً لتقارير عسكرية عراقية، أكثر من ثلث واردات الجيش العسكرية التي ترد مجاناً له تحت عنوان "الحرب على الإرهاب". وباشرت وزارة الدفاع العراقية في بغداد من جانبها، بخطوات عدة لوقف عمليات السطو على شاحنات نقل الأسلحة الأوروبية والغربية التي تصل عبر موانئ البصرة. ومن أبرز تدابيرها، اعتماد وسائل النقل الجوي، إذ تنقل المساعدات بطائرات شحن من معسكر "الهارثة" ومخازن أم قصر، في البصرة، إلى مخازن الجيش في بغداد ومدن عراقية أخرى. إلا أن ذلك لا يمنع أن تقتحم أي مجموعة تابعة لمليشيات "الحشد" تلك المخازن وتأخذ ما تريد منها. فسلطتها الكبيرة وغموض إحدى فقرات ما يعرف بـ"قانون الحشد"، والتي تتناول قنوات تسليحها، يجعلان السلاح الغربي الحديث يصل مباشرة إلى تلك المليشيات التي تدين بالولاء لإيران. وقال مسؤول عسكري رفيع في وزارة الدفاع العراقية لـ"العربي الجديد"، إن جانباً كبيراً من هذا الملف يخضع لأجندات سياسية، وليس كما يقال لتوفير السلاح ودعم الجهود لقتال تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). وبيّن أن ترسانة المليشيات العسكرية باتت تتغذى من المساعدات الغربية الخاصة بالجيش العراقي وبنسبة تصل لأكثر من 35 بالمائة، لا سيما في ما يتعلق بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة والصواريخ الحرارية والمعدات الخاصة الأخرى.


وتسلم العراق خلال العامين الماضيين مساعدات عسكرية كبيرة من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وتشيكيا والسويد وفرنسا وروسيا ودول أخرى في إطار الدعم المقدم للعراق في الحرب الحالية الدائرة ضد "داعش". كما أرسلت دول عربية عدة شحنات أسلحة، قال عن إحداها رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، العام الماضي، إنها اختفت قبل وصولها للجيش العراقي، دون أن تعلق الحكومة على مطالبته بفتح تحقيق في الموضوع.

وأضاف المسؤول العسكري العراقي نفسه، الذي اتهم أمين السر لدائرة التموين بوزارة الدفاع، اللواء ثامر العكيلي، بالضعف والخوف من المليشيات وبعدم منعها من الاستحواذ على قسم من المساعدات العسكرية الغربية، أن مليشيات "حزب الله" و"النجباء" و"بدر" و"العصائب" هي أكثر الفصائل تورطاً في الاستيلاء على السلاح الغربي بدون وجه حق. وتابع أنه من غير المستبعد أن تنقل المليشيات هذا السلاح إلى سورية. ولفت إلى أنه "حتى قاذفات أي تي-4 الأميركية التي جهز بها الجيش العراقي أخيراً تحوّل قسم غير قليل منها إلى أيدي تلك المليشيات، كما أن بنادق أم-16 متوفرة وبكثرة لديها على عكس الجيش العراقي وباقي القوات النظامية"، بحسب تأكيده. وذكر أن كل "من يحاول أن يثير الموضوع أو يعترض سيقتل أو يقال من منصبه أو تلفق له تهمة فساد إداري أو يقع تحت طائلة المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب النافذ في العراق"، على حد تعبيره.

وفي هذا السياق، أكد عضو غرفة العمليات العسكرية المشتركة لتحرير محافظة نينوى (شمال) من قبضة "داعش"، العميد الركن حسين الطائي، لـ"العربي الجديد"، أن تلك الأسلحة "تعتبر ذمة عند المليشيات، ستعيدها بعد نهاية الحرب وتستخدم لهدف واحد وهو القضاء على داعش، وسيتم دعم أي قوة أخرى حتى لو كانت من غير الحشد، وبالكمية نفسها"، بحسب قوله. ونفى أن يكون الاستيلاء عليها "غير شرعي أو تم بالقوة من قبل المليشيات"، على حد وصفه. إلا أن ضابطاً آخر بقيادة عمليات نينوى خالفه الرأي، مبيناً أن فصيل "عصائب الحق" التابع لمليشيات "الحشد"، يمتلك من بنادق الـ"أم-16" ما يفوق ما يمتلكه اللواء الثاني بـ"الفرقة 16" في الجيش العراقي. وأضاف لـ"العربي الجديد"، أن مليشيات "الحشد" أخذت الأسلحة "بالقوة وبدون مستند استلام أو محضر رسمي، وبعضها تم بيعه والآن يستخدم في المناسبات العشائرية جنوبي العراق بكثرة، حتى أن سعر القطعة الواحدة منها انخفض بسبب وفرة هذه البندقية الأوتوماتيكية، إذ باتت تباع الواحدة منها بأقل من 1200 دولار أميركي"، وفق قوله. وتابع الضابط العراقي طالباً عدم الكشف عن اسمه، أن "العراق أصبح مثل لبنان، حيث إن قوة حزب الله باتت توازي قوة الجيش اللبناني"، معتبراً أن "هذه المعادلة ستكون كارثية على العراق، لا سيما أن وضع لبنان أفضل من وضع العراق سياسياً واجتماعياً". وأضاف "نخشى من معارك مستقبلية وفتن طائفية بسبب هذا السلاح الذي تحركه عقول إيرانية"، وفقاً لقوله.

وفي هذا الصدد، انتقد العضو بـ"التحالف الكردستاني"، حمة أمين، ما سمّاه تعامل الحكومة مع قوات أخرى تتشارك معها الهدف نفسه. وأوضح في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة لا تعطي "البشمركة" أيّ من تلك المساعدات في الوقت الذي تفتح فيه أبواب مخازن الجيش أمام المليشيات، كما أنها تحاصر مقاتلي العشائر الذين اشتروا أخيراً سلاحاً من السوق السوداء على نفقتهم الخاصة، وفق تأكيده. وخلص إلى أن "هذا الملف جزء من النهج الطائفي والعنصري الذي ورثته حكومة العبادي عن حكومة نوري المالكي ولم تتخل عنه"، على حد قوله.