منبج: نذر صدام "درع الفرات" وتحالف النظام-المقاتلين الأكراد

منبج: نذر صدام "درع الفرات" وتحالف النظام-المقاتلين الأكراد

03 مارس 2017
"الجيش الحر" سيطر أخيراً على قرى شرقي الباب(أمين سنسار/الأناضول)
+ الخط -
فرضت التطورات العسكرية المتلاحقة حول مدينة منبج نفسها على المشهد السوري المتأزم، وبدأ سباق جديد بين قوات المعارضة السورية المدعومة من تركيا، وبين قوات النظام ومليشيات تساندها للوصول إلى هذه المدينة الاستراتيجية الواقعة شمال شرقي حلب، في مسعى من الطرفين لتثبيت الأقدام في جغرافيا الشمال السوري، وتغيير خارطة السيطرة في سياق الصراع في وعلى سورية.

وأتى تسليم "قوات سورية الديمقراطية" التي تشكّل مليشيات "وحدات حماية الشعب" الكردية ركنها الأساسي، عدة قرى في ريف منبج لقوات النظام، ليؤكد مدى التحالف الذي يربطهما والتنسيق العالي بينهما، في سياق محاولات القضاء على المعارضة السورية، والذي تجلى في العديد من المواقع على مدى سنوات.

لكن "الجيش السوري الحر" يؤكد أن ما قامت به الوحدات لم يفاجئه، وفق قيادي بارز في عملية "درع الفرات" التي تدعمها أنقرة. وشدد على أن معركة استعادة منبج من هذه الوحدات قريبة على الرغم من التحالفات القائمة. وأقر ما يُسمّى بـ"المجلس العسكري لمنبج وريفها" التابع لـ"سورية الديمقراطية"، أمس الخميس، أنه سلّم قوات النظام "القرى الواقعة على خط التماس مع درع الفرات، والمحاذية لمنطقة الباب في الجبهة الغربية لمنبج". وأضاف أن التسليم جاء "بهدف حماية المدنيين وتجنيبهم ويلات الحرب والدماء وما تحمله من مآسٍ وحفاظاً على أمن وسلامة مدينة منبج وريفها وقطع الطريق أمام الأطماع التركية باحتلال المزيد من الأراضي السورية"، وفق بيان صدر عن المجلس المذكور. وأشار إلى أن تسليم القرى جاء باتفاق مع "الجانب الروسي"، مشيراً إلى ما سماه بـ"قوات حرس الحدود التابعة للدولة السورية التي ستقوم بمهام حماية الخط الفاصل بين قوات مجلس منبج العسكري ومناطق سيطرة الجيش التركي ودرع الفرات"، بحسب البيان.

وعلى الرغم من نفي وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، أمس الخميس، أن تكون القوات الكردية قد سلّمت قرى في محيط منبج لقوات النظام، إلا أن قوات المعارضة السورية المشاركة في عملية "درع الفرات" كانت قد أبدت منذ أيام خشيةً من قيام "سورية الديمقراطية" بتسليم مدينة منبج لقوات النظام وحزب الله ومليشيات أخرى. وتدرك المعارضة أن الهدف من ذلك يتمثل في "خلط الأوراق" والدفع باتجاه صدام دامٍ بين قوات المعارضة المدعومة من تركيا وقوات النظام، لا سيما أن المليشيات الكردية باتت تدرك أن "الجيش السوري الحر" مصمم على استرداد منبج "مهما كانت الضغوط الخارجية"، وفق قيادي في هذا الجيش.


وكانت "سورية الديمقراطية" التي تضم خليطاً غير متجانس من المليشيات، تراهن على تفاهمات دولية تحول دون انصياعها لرغبة المعارضة السورية في الخروج من مدينة منبج، والعودة إلى شرقي نهر الفرات. ولكنها فوجئت بتقدم سريع من قوات المعارضة باتجاه منبج لحسم مصيرها، بعد ظهور بوادر على نيّة "وحدات حماية الشعب" الكردية الهروب إلى الأمام من خلال تسليم هذه المدينة الاستراتيجية إلى قوات النظام. وتعتبر المعارضة السورية المسلحة منبج البوابة الحقيقية نحو الرقة معقل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). فمن دون السيطرة على المدينة لا يمكنها التوجه شرقاً ومن ثم لا يمكنها دخول السباق إلى الرقة، وهي المحافظة السورية الاستراتيجية التي تسعى "الوحدات" الكردية إلى أن تكون رأس الحربة في معركة انتزاع السيطرة عليها، لتوسيع النطاق الجغرافي لإقليم انفصالي تعمل على تشكيله في شمال وشمال شرقي سورية.

وكان "الجيش السوري الحر" قد سيطر يوم الأربعاء على قرى شرقي مدينة الباب من "قوات سورية الديمقراطية"، مثل قريتي تل تورين وقارة، ليتقرب أكثر من منبج، وهو ما دفع هذه القوات إلى البدء في تسليم المدينة إلى قوات النظام على مراحل كي تتفادى استياءً شعبياً كردياً، بدأ يتصاعد أخيراً على خلفية قيامها بحملات تجنيد إجباري في المناطق التي تسيطر عليها. وكانت هذه المليشيات قد دفعت الشباب الكردي إلى معارك يعتبرها غالبية الأكراد في سورية أنها تخدم أجندات لا تمت بصلة للمشروع الوطني السوري والقضية الكردية.

ويحصل كل ذلك في ظل إصرار تركي واضح على دعم "الجيش السوري الحر" لانتزاع السيطرة على منبج لوضع حد نهائي لمحاولات تبذل من قبل قوات النظام ومليشيات "الوحدات" الكردية وصل مناطق سيطرتهما جغرافياً لفتح طريق بري طويل يمتد من الحسكة شمال شرقي سورية إلى حلب ومنها إلى باقي مناطق سيطرة النظام. ونجاح هذه السيطرة يعني تسهيل نقل النفط والحبوب من الحسكة إلى مناطق النظام. كذلك يسهّل هذا الطريق للمليشيات الكردية تأمين ممر بري آخر يربط مناطق سيطرتها في شرقي الفرات بمنطقة عفرين ذات الأغلبية الكردية شمال غربي حلب.

وبدأت أنقرة أمس الخميس، بدفع المزيد من التعزيزات العسكرية إلى جنوب البلاد لدعم قوات "درع الفرات"، في إشارة واضحة إلى نيّة وزارة الدفاع التركية الاستعداد لتصعيد عسكري بات مرجحاً في الشمال السوري. وذكرت وكالة "الأناضول" الرسمية التركية أن "شاحنات تحمل على متنها عربات ومعدات عسكرية وحواجز خرسانية وصلت الخميس إلى المنطقة الحدودية جنوبي تركيا"، مشيرة إلى أن "موكب الشاحنات المحملة بالتعزيزات العسكرية المرسلة من عدة مناطق وصل إلى مدينة ألبيلي بولاية كيليس المتاخمة للحدود التركية مع سورية". ونقلت الوكالة عن مصادر عسكرية أن المعدات العسكرية أُرسلت، في ظل تدابير أمنية مشددة، بهدف تعزيز الوحدات العاملة على الحدود مع سورية. ولفتت إلى أنه وصل الإثنين الماضي، إلى ولاية غازي عنتاب جنوبي تركيا، قطار يحمل تعزيزات عسكرية مرسلة من ولايات تركية مختلفة إلى الحدود مع سورية. وأضافت أن القطار يحمل 22 عربة نقل جنود مصفحة، وأنها توجهت نحو الحدود السورية على شكل رتل، وسط إجراءات أمنية مشددة، وفق "الأناضول".

التحذير التركي
وعلى الرغم من الاشتباكات بين قوات "درع الفرات" وتلك التابعة لـ"الاتحاد الديمقراطي" (الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني)، أكد وزير الخارجية التركي، جاووش أوغلو، أن العملية التي تهدف إلى طرد قوات "الاتحاد الديمقراطي" من مدينة منبج لم تبدأ بعد. وقال "سنذهب إلى منبج بعد الانتهاء من الباب، العمليات لم تبدأ بعد، قد يكون هناك بعض الاشتباكات على الأرض، ولكن العملية التي خططت لها قواتنا لم تبدأ بعد". وأضاف "نعلم أن القوات الخاصة الأميركية موجودة في المنطقة، وفي الأصل نعلم بوجود قوات الاتحاد الديمقراطي في المنطقة، وطلبنا من الإدارة الأميركية الجديدة يتمثل في انسحاب قوات الاتحاد الديمقراطي في أسرع وقت ممكن من منبج". وحذر الوزير التركي قائلاً "إن لم تنسحب قوات الاتحاد الديمقراطي الآن من منبج، بطبيعة الحال سنوجه لها الضربات، وهذا أمر تحدثنا عنه في وقت سابق وليس شيئاً جديداً"، بحسب تعبيره.

وفي ردّه على احتمال المواجهة مع القوات الأميركية في حال التقدم باتجاه الباب، شدد جاووش أوغلو على أنه لا يوجد أي خطر أو احتمال المواجهة بين حليفين في حلف شمال الأطلسي (الناتو). وأضاف: "إن هذه الأرض ليست أراضي أميركية، لمَ إذاً سنتواجه مع القوات الأميركية، الهدف هو تطهير المنطقة مع عملية درع الفرات وتسليمها إلى أصحابها الحقيقيين، وإن قامت الولايات المتحدة باختيار الاتحاد الديمقراطي كحليف، وقالت إن من يلمسهم يلمسني، عندها سيكون الأمر مختلفاً، ونحن نعلم بأنه لا يوجد أمر كهذا، لذلك لا يجب أن يضعنا قتال قوات الاتحاد الديمقراطي وباقي التنظيمات الإرهابية في مواجهة مع الأميركيين"، على حد قوله. وتابع الوزير التركي "نحن نتمنى ألا يقف حليف لنا إلى جانب منظمة إرهابية".

وفي ما بدا تعليقاً على الأخبار التي تتحدث عن قيام قوات "الاتحاد الديمقراطي" بتسليم النظام القرى الموجودة على الجبهات المشتركة في عملية درع الفرات، أكد جاووش أوغلو أنه بموجب الاتفاقات مع روسيا فإنه من غير المسموح للنظام بالتوجه إلى شمال مدينة الباب، وكذلك لن تتوجه قوات المعارضة المدعومة من أنقرة إلى جنوب المدينة، وفق تأكيده. وقال "كما تعلمون، لقد توجهت قوات النظام باتجاه الشرق، لقد عقدنا اتفاقاً لمنع التصادم بين قوات النظام السوري وقوات المعارضة المعتدلة في محيط الباب، وكان هذا الاتفاق مع روسيا، ورأينا هناك كيف تحول أحد الطرق إلى حدود مؤقتة (جنوب الباب)، حيث لن تتجاوز قوات النظام نحو الشمال ولن تذهب قوات المعارضة المعتدلة جنوباً". وأوضح أن "الهدف من ذلك كان منع الاشتباكات والتمكن من الاستمرار بشكل فعال في المعارك ضد داعش". وخلص إلى القول: "كنا نعلم بأنه مع هذا التقدم ستلتقي قوات النظام مع قوات الاتحاد الديمقراطي، وستتواجه باقي القوى، ولمنع هذا كله كان الطريق الوحيد هو وقف إطلاق النار الذي توصلنا إليه، والذي لم يشمل الإرهاب ولكن لوقف الاشتباكات بين قوات النظام وقوات المعارضة المعتدلة"، وفق جاووش أوغلو.

ورأى القيادي في "الفرقة 13" التابعة لـ"الجيش السوري الحر"، المقدم أبو حمود، أن مليشيات "الوحدات" الكردية وقوات النظام تحاول عزل المعارضة السورية المسلحة عن المناطق التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" من خلال تسليم مدينة منبج لقوات النظام. وأضاف أن الهدف يتمثل في "وضع العراقيل أمام قيام المعارضة بتحرير الأراضي السورية من التنظيم". وقال لـ"العربي الجديد": "لن نتوانى عن تحرير أرضنا على الرغم من كل التفاهمات".

وأكد القيادي في "فيلق الشام" التابع للمعارضة، النقيب سعد أبو الحزم، وهو من الفصائل البارزة المشاركة في "درع الفرات"، أن معركة انتزاع السيطرة على مدينة منبج "قاب قوسين أو أدنى، مهما كان اسم العدو الذي يحتلها"، وفق تعبيره. وذكر أن قيام "الوحدات" الكردية بتسليم قرى في منبج إلى قوات النظام لم يكن مفاجئاً. وقال "نحن نعلم أن الوحدات الكردية متعاملة مع النظام، وقلنا هذا سابقاً. معركتنا واحدة لم تتغير، لأن العدو هو نفسه"، على حد وصفه.

المساهمون