معركة الموصل: جثث المدنيين تملأ أزقة المدينة القديمة

معركة الموصل: جثث المدنيين تملأ أزقة المدينة القديمة

20 مارس 2017
أثناء تقدم القوات العراقية في الموصل القديمة(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
بدأ عناصر الجيش العراقي والوحدات المساندة له والقوات الأميركية المشارِكة في معركة تحرير الموصل، بوضع الكمامات على وجوههم، بسبب رائحة الجثث المنبعثة من بين ركام المباني في ساحل الموصل الأيمن. وقال قادة الجيش إن استخراج الجثث لا يزال مهمة صعبة حالياً، وإن الأولوية للأحياء الجرحى من المدنيين. لكن آلة الحرب لا تزال مستمرة في طحن المدينة، والقصف الجوي الذي يقوم به طيران "التحالف الدولي" متواصلا. ولم يتوقف القصف المدفعي والصاروخي للجيش العراقي منذ أيام على أحياء الموصل القديمة والجزء الشمالي الغربي الذي لا يزال تحت سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذي يرفض هو الآخر خروج السكان الموجودين داخل المنازل. ومن لم يمت منهم قصفاً، فإن شهرا من المعارك كفيل بأن يجعله يقضي جوعاً مع أطفاله.

176 ألف نازح
وتتجنب الحكومة العراقية الإجابة على أي أسئلة في ما يتعلق بارتفاع عدد الضحايا المدنيين. إلا أن التقارير المحلية التي تصدر عن بعض المنظمات تؤكد ارتفاعا يوميا في معدل من يقتل داخل منزله جراء المعارك. كما ارتفع، أمس الأحد، عدد الفارين من الساحل الأيمن إلى خارجه إلى 176 ألف مواطن بعد نجاح ألفي مواطن إضافيين، غالبيتهم نساء وأطفال، في النجاة من مناطق الاشتباك، فيما أخفق آخرون، بحسب قول رئيس منظمة "السلام لحقوق الإنسان"، الدكتور محمد علي. وأضاف أن 42 مواطناً قُتلوا خلال محاولتهم الفرار، إذ وقعوا بين خطي نيران الجانبين، "داعش" والقوات العراقية. وأكد علي لـ"العربي الجديد" أن "كلا الطرفين لا يضعان أي اعتبار للمدنيين في حربهما"، لافتاً إلى أن "الانتهاكات الموجودة أكبر من تلك التي وقعت بالساحل الأيسر للمدينة"، وفق تعبيره. وبيّن أن "جثث المدنيين مكدسة في أزقة البلدة القديمة وتحت منازلها"، متحدثاً عن "إفادات من أقرباء الضحايا تؤكد وجود عشرات العائلات قضت مرة واحدة نتيجة القصف"، على حد قوله.

وتمكنت القوات العراقية، أمس الأحد، من استعادة السيطرة على مناطق جديدة، على الرغم من سوء الأحوال الجوية وشراسة المقاومة من قبل تنظيم "داعش". وأعلن قائد الحملة العسكرية، الفريق الركن عبدالأمير رشيد يارالله، عن تحرير قواته منطقة المثلوثة والمطحنة ومحطة وقود الراشدي، فضلاً عن قرية الحويدرة شمال بادوش الواقعة ضمن المحور الغربي لمدينة الموصل، فيما باتت قوات "جهاز مكافحة الإرهاب" على مشارف منارة الحدباء التاريخية.

وقال عضو قيادة الجيش العراقي في الموصل، العقيد الركن فلاح راضي، لـ"العربي الجديد" إن "خطوط داعش حالياً هي العبوات الناسفة والقناصة ثم الانتحاريون، لذلك يتم قصف المنطقة قبل أي تحرك، كإجراء ضروري للحفاظ على حياة الجنود" على حد تعبيره. وبيّن أن "معادلة الحفاظ على المدنيين وتحرير الأرض في نفس الوقت صعبة للغاية"، وذلك في معرض رده على ارتفاع عدد الضحايا من السكان.


وبات من الممكن مشاهدة معالم حي العروبة من حي المحطة، إذ إن المنطقة التي تفصل بينهما تم تسوية أغلب مبانيها بالأرض، وهي حي باب الطوب، بعدما دمرت المعارك الدائرة منذ نحو خمسة أيام نحو 50 بالمائة من الحي، وفقاً لشهود عيان. وقال ضابط رفيع في قوات "مكافحة الإرهاب" لـ"العربي الجديد" إن "المواجهات داخل منطقة باب الطوب التي تقع وسط الجانب الغربي لمدينة الموصل مستمرة منذ عدة أيام، وإن القوات العراقية المتمثلة بالشرطة الاتحادية والرد السريع لا تزال تخوض مواجهات عنيفة في محاولة للوصول إلى مركز المنطقة واستعادتها من سيطرة داعش"، وفق تأكيده. وأضاف أن "المواجهات في باب الطوب تسببت في تدمير كبير للمنطقة بسبب استماتة عناصر داعش في مقاومة القوات العراقية المتقدمة، وكونها منطقة قديمة جداً وشوارعها ضيقة ولا تسمح بمرور العربات العسكرية فيها، وأن المواجهات تجري بأسلوب حرب الشوارع"، وفق وصفه. وأكد أن القوات العراقية تراجعت في الحي وتركت مناطق عدة، بفعل الكمائن والشوارع المفخخة هناك.

وفي مناطق غرب الجانب الغربي للموصل، ذكرت مصادر عسكرية أن قوات "مكافحة الإرهاب" باشرت بعملية اقتحام حيي نابلس والرسالة اللذين يقعان في غربي الساحل الأيمن للموصل. وقال الرائد في قوات "مكافحة الإرهاب"، أثير الساعدي، أن هذه القوات "تقدمت منذ ساعات الصباح الأولى (أمس الأحد) من محورين للسيطرة على أحياء فلسطين ونابلس تحت غطاء جوي من مروحيات الأباتشي وطائرات أف 16 الأميركية". وأشار إلى أن "القوات العراقية جوبهت بكثافة نيران كبيرة من عناصر تنظيم داعش، وهو ما أدى إلى تباطؤ تقدمها بشكل كبير، إذ لا تزال تقف على مداخل الحيّين في محاولة منها لاقتحامهما والوصول إلى مركزهما".

وفرضت قوات "جهاز مكافحة الإرهاب" سيطرتها بالكامل على منطقة الموصل الجديدة. وذكر القيادي في الجهاز، المقدم برهان مزاحم العبدلي، في تصريح نقلته وكالة "الأناضول"، أن "قوات النخبة في الجهاز شرعت صباح (الأحد)، باقتحام زقاق جامع فتح العلي والذي يعد آخر المواقع التي يتحصن بها تنظيم داعش في منطقة الموصل الجديدة". وأضاف أنه "بعد معارك استمرت لأكثر من ساعتين تم تحرير الموقع بالكامل ورفع العلم العراقي فوقه".

في المقابل، شن تنظيم "داعش" هجوماً مضاداً استهدف القوات العراقية عند مدخل أحياء نابلس والرسالة، مستغلاً غياب دور طيران "التحالف الدولي" ليلة السبت. وقال مصدر في قيادة العمليات المشتركة لـ"العربي الجديد" إن "تنظيم داعش هاجم القوات العراقية بعدد من الانتحاريين والأسلحة الخفيفة والمتوسطة غرب الموصل خلال محاولة قوات مكافحة الإرهاب التوغل في أحياء نابلس والرسالة". وأضاف المصدر أن "عدداً من عناصر القوات الأمنية قتلوا وأصيب آخرون، بالإضافة إلى مقتل 17 عنصراً من داعش خلال الهجوم على القوات الأمنية"، وفقاً لقوله.

فرار قادة "داعش" إلى تلعفر
وأكدت مصادر عسكرية عراقية هروب العشرات من قيادات تنظيم "داعش" من غرب الموصل إلى قضاء تلعفر القريب، بحسب ما أوردت وكالة "الأناضول". وقال العميد في القوة الجوية العراقية، محمد عبدالإله النوري، إن "عشرات القادة في التنظيم بدؤوا بالهروب من الموصل والتمركز في قضاء تلعفر، بعد انحسار مناطق سيطرة التنظيم، واقتراب القوات البرية من تحرير الجانب الأيمن بالكامل". وأضاف أنه "بعد ورود معلومات استخباراتية عن تمركز قيادات داعش الفارين من الموصل في قضاء تلعفر، شنت طائرات "إف 16" الأميركية صباح (أمس) الأحد، نحو 10 غارات جوية دقيقة استهدفت عدة مواقع للتنظيم في تلعفر". وأشار إلى أن هذه "الغارات أسفرت عن مقتل 21 مسلحاً وإصابة 8 آخرين بجراح مختلفة، فضلاً عن تدمير معسكر كان يستخدمه داعش في إجراء تدريبات خاصة لمقاتليه عن حرب الشوارع وحسم المواجهات الفردية والانتقال من الجانب الدفاعي إلى الهجومي"، وفق المسؤول العراقي. كذلك، أفاد مصدر أمني بأن القوات العراقية اعتقلت "مسؤول ديوان الحسبة" في تنظيم داعش، حسام الجبوري، في غرب الموصل.